الرأي
طلقة‮ ‬بارود‮ ‬

قصتي‮ ‬مع‮ ‬القذافي‮!!‬

نذير مصمودي
  • 8460
  • 35

المكان‮: ‬الجزائر‮ ‬العاصمة‮ ‬ـ‮ ‬فندق‮ ‬الشيراتون‮ ‬ـ‮ ‬الزمان‮: ‬2007المناسبة‮: ‬لقاء‮ ‬مع‮ ‬القذافي‮ ‬بدعوة‮ ‬من‮ ‬أحزاب‮ ‬التحالف‮ ‬الموضوع‮: “‬هدرة‮” ‬ مع أنني كنت أكثر من متأكد من أن الأخ القائد الذي سوف نراه وجها لوجه لأول مرة، لن يأتي بكلام جديد خارج الثرثرة التي اعتدنا سماعها من قبل حول الكتاب الأخضر وحكاية ثورة الفاتح والجماهيرية التي يحكم فيها الشعب نفسه بنفسه، إلا أن رغبتي المعتادة في المشاكسة، ورغبتي هذه المرة في اغتنام الفرصة لتعكير مزاج العقيد، وإفساد شعوره بالعظمة المتضخمة، شجعتني على حضور هذا اللقاء النادر، وعلى التشبث بحقي في أن أترك له وهو يزور الجزائر شيئا يزعجه!! وإليكم الفصل الأول من هذه القصة:

ـ‮ ‬دخل‮ ‬القاعة‮ ‬بكبرياء‭ ‬مستفزة،‮ ‬وتحت‮ ‬حراسة‮ ‬نسوية‮ ‬مشددة،‮ ‬بينما‮ ‬كان‮ ‬أبوجرة‮ ‬على‭ ‬يمينه،‮ ‬وأويحيى‮ ‬على‭ ‬شماله،‮ ‬ويوزعان‮ ‬الابتسامات،‮ ‬ويهيآن‮ ‬له‮ ‬مجلسه‮ ‬على‭ ‬المنصة‮ ‬العملاقة‮. ‬
ـ‮ ‬حملق‮ ‬فينا‮ ‬بغرور،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬وقفنا‮ ‬لتحيته،‮ ‬وكأنه‮ ‬يرغب‮ ‬في‮ ‬تحريضنا‮ ‬على‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬التصفيق،‮ ‬أو‮ ‬كأنه‮ ‬كان‮ ‬يريد‮ ‬أن‮ ‬يحولنا‮ ‬إلى‭ ‬عشيرة‮ ‬مارقة،‮ ‬تتخلى‮ ‬عن‮ ‬فصيلة‮ ‬دمها‮ ‬البدوي،‮ ‬وتتحول‮ ‬إلى‭ ‬مجموعة‮ ‬طراطير‮. ‬
ـ‮ ‬تكلم‮ ‬في‮ ‬البداية‮ ‬باسم‮ ‬كل‮ ‬سجناء‭ ‬الأرض،‮ ‬والشهداء،‮ ‬والفقراء،‮ ‬والمستضعفين‮ ‬وكل‮ ‬الأنبياء‭ ‬والمرسلين‮. ‬
ـ‮ ‬كان‮ ‬يصرخ‮ ‬كالملسوع‮ ‬مرة‮.. ‬ويدور‮ ‬في‮ ‬كرسيه‮ ‬كالثور‮ ‬الطريد‮ ‬مرة‮.‬
ـ‮ ‬كان‮ ‬صديقا‮ ‬لنفسه‮ ‬حين‮ ‬كان‮ ‬يتحدث‮ ‬عن‮ ‬نفسه،‮ ‬لكنه‮ ‬كان‮ ‬يتحدث‮ ‬بعدوانية‮ ‬سمك‮ ‬القرش‮ ‬حين‮ ‬كان‮ ‬يتحدث‮ ‬عن‮ ‬غيره‮ ‬من‮ ‬قادة‮ ‬العالم‮ ‬وزعمائه‮. ‬
ـ لا أريد أن أكرر ما قاله، لأني لا أريد تضييع أوقاتكم، لكن لا بد من الإشارة إلى أنه وبعد ساعة من “الهدرة” ظن أننا أصبحنا من غنائمه أو “أغنامه”، أو أننا هربنا من دمنا الجزائري الساخن، ولم يعد بوسعنا أن نثور، أو نقول ما ينبغي أن يقال.
ـ‮ ‬حين‮ ‬طلبت‮ ‬الكلمة‮ ‬للتعقيب،‮ ‬وأعطاني‮ ‬إياها‮ ‬السيد‮ ‬أويحيى،‮ ‬لم‮ ‬أكن‮ ‬متحمسا‮ ‬لأكون‮ ‬واحدا‮ ‬من‮ ‬شعراء‭ ‬القبيلة،‮ ‬ولا‮ ‬صحافيا‮ “‬مهذبا‮” ‬يترك‮ ‬من‮ ‬يسأله‮ ‬من‮ ‬غير‮ ‬قلق‮ ‬وارتياب‮. ‬
لذلك‮ ‬قررت‮ ‬أن‮ ‬أفجر‮ ‬البارود،‮ ‬وأشعل‮ ‬عود‮ ‬الكبريت،‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬أفكر‮ ‬لحظة‮ ‬في‮ ‬العاقبة‮. ‬
ـ‮ ‬قلت‮ ‬له،‮ ‬وبلغة‮ ‬مفهومة‮ ‬جدا‮: ‬يقال‮ (‬حسب‮ ‬بعض‮ ‬الوسائل‮ ‬الإعلامية‮ ‬الغربية‮) ‬إن‮ ‬دخلك‮ ‬اليومي‮ ‬الخاص‮ ‬16‮ ‬مليون‮ ‬دولار‮ “‬فقط‮” ‬فهل‮ ‬هذا‮ ‬صحيح؟‮ ‬
ـ‮ ‬نظر‮ ‬إلي‮ ‬باستخفاف،‮ ‬وقرر‮ ‬أن‮ ‬يؤجل‮ ‬الإجابة‮.‬
ـ‮ ‬وقررت‮ ‬أن‮ ‬أنتصر‮ ‬عليه‮ ‬بسؤال‮ ‬أسخن،‮ ‬ولم‮ ‬يكن‮ ‬لدي‮ ‬حصان‮ ‬أقامر‮ ‬عليه‮ ‬إلا‮ ‬حصان‮ ‬الكلمات‮ ‬الواضحة‮ ‬والحادة،‮ ‬وعدم‮ ‬الالتزام‮ ‬بقواعد‮ ‬المرور،‮ ‬وآداب‮ ‬السلوك‮ ‬الدبلوماسي،‮ ‬وقواعد‮ ‬الضيافة‮. ‬
ـ‮ ‬قلت‮ ‬له‮ ‬بغضب‮ ‬غير‮ ‬مكتوم‮: ‬منذ‮ ‬الصباح‮ ‬وأنت‮ ‬تحدثنا‮ ‬عن‮ ‬نظريات‮ ‬حكم‮ ‬الشعب‮ ‬في‮ ‬الكتاب‮ ‬الأخضر،‮ ‬وتزعم‮ ‬أن‮ ‬الشعب‮ ‬في‮ ‬الجماهيرية‮ ‬يحكم‮ ‬نفسه‮ ‬بنفسه،‮ ‬فماذا‮ ‬يعني‮ ‬إذن‮ ‬أن‮ ‬تسمي‮ ‬نفسك‮ ‬عميد‮ ‬حكام‮ ‬العرب؟‮ ‬
فهل‮ ‬يعني‮ ‬ذلك‮ ‬أنك‮ ‬كملك‮ ‬السويد،‮ ‬تملك‮ ‬ولا‮ ‬تحكم؟‮ ‬أم‮ ‬أنك‮ ‬لا‮ ‬تملك‮ ‬ولا‮ ‬تحكم؟‮ ‬أم‮ ‬أنك‮ ‬تملك‮ ‬وتحكم،‮ ‬وتحيي‮ ‬وتميت؟‮ “‬كمان‮”!!‬
ـ‮ ‬لم‮ ‬يكن‮ ‬رقيقا‮ ‬حين‮ ‬سأل‮ ‬أويحيى‮ ‬بخشونة‮: ‬من‮ ‬هذا‮ ‬الزنديق؟
وكان‮ ‬يعني‮ ‬بالطبع،‮ ‬هذا‮ ‬الذي‮ ‬جرح‮ ‬شعوره،‮ ‬وكان‮ ‬يتحدث‮ ‬بلغة‮ ‬من‮ ‬يريد‮ ‬أن‮ ‬يفهم‮ ‬فقط‮. ‬
لكنه في الأخير قرر العفو عني “مؤقتا” ودعاني بعظمة لسانه إلى زيارة الجماهيرية، لأرى بنفسي (عميد حكام العرب وملك ملوك إفريقيا وإمام المسلمين) ليس أكثر من مواطن بسيط، رغم كل هذه الصفات التي أطلقها على نفسه تباعا.
وبالفعل، فقد قدم لي السفير الليبي في الجزائر آنذاك، دعوة رسمية لزيارة الجماهيرية (تحت الرعاية السامية للأخ القائد)، إلا أن حاستي السادسة ظلت تنبؤني بأنني لن أعود حيا بعد هذه الزيارة، إلا إذا غيرت رأيي تماما، وكتبت كتابا في مديح الأخ القائد ومعجزاته الصغيرة‮ ‬والكبيرة،‮ ‬المؤقتة‮ ‬منها‮ ‬والمستمرة‮ ‬التي‮ ‬بشر‮ ‬بها‮ ‬لتغيير‮ ‬العالم‮ ‬والتاريخ‮. ‬
والحمد لله أنني ما زلت على قيد الحياة، لأتأكد بنفسي أن الزمان العربي القادم بعد هروب بن علي وتنحية مبارك، واندثار القذافي (بعد أسابيع قليلة) هو زمان الشعوب التي سرقت منها مثل هذه الوثنيات السياسية، حلمها وخبزها وحليب أطفالها، وصبت الماء المثلج على كل الجمرات‮ ‬التي‮ ‬كان‮ ‬يمكن‮ ‬أن‮ ‬تشعل‮ ‬رمادها‮ ‬الساخن،‮ ‬أو‮ ‬تحولها‮ ‬إلى‭ ‬براكين‮!!‬
 
masmoudinet@yahoo‭.‬fr

مقالات ذات صلة