-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قمة‭ ‬كانكون‭ ‬والوعود‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الخضراء

بشير مصيطفى
  • 3920
  • 8
قمة‭ ‬كانكون‭ ‬والوعود‭ ‬الرأسمالية‭ ‬الخضراء

تختتم، غدا الجمعة، بكانكون المكسيكية، قمة المناخ التي شاركت فيها 192 دولة دون أن تبدو في الأفق أية إشارة تدل على توافق دولي حول الإجراءات العملية الواجب اتخاذها للحد من الاحتباس الحراري وتقليل انبعاث الكاربون في الجو.

  • ومادام البيان الختامي للقمة لا ينتظر أن يوقعه رؤساء الدول، فلا شيء إذاً ينتظر من الاجتماع يكون في مستوى التحديات التي تمر بها الكرة الأرضية ومعها سكان المعمورة وعددهم يقترب من 7 ملايير نسمة. فماذا ينتظر هؤلاء السكان ـ في المستقبل المنظور ـ من انعكاسات إخفاق النظام الدولي في إطلاق منظومة ناجعة‭ ‬لحماية‭ ‬الكوكب؟‭ ‬وهل‭ ‬تأتي‭ ‬نتائج‭ ‬قمة‭ ‬كانكون‭ ‬في‭ ‬مستوى‭ ‬تطلعات‭ ‬الدول‭ ‬المتضررة‭ ‬من‭ ‬تلوث‭ ‬البيئة؟
  •  
  • وما‭ ‬أكثر‭ ‬القمم‭ ‬حين‭ ‬تعدّها
  •   منذ انعقاد أول قمة للأرض العام 1992 بريو دي جانيرو البرازيلية، إلى اليوم، زاد الانبعاث من الكاربون في جو الأرض بنسبة 30 بالمائة ليصل إلى 30 مليار طن سنويا، مما رفع درجة حرارة الأرض بـ2 درجة، وهو الحد الأقصى الذي يمكن للأرض تحمّله دون أخطار حقيقية، ولو يستمر الوضع على ماهو عليه، فإن قرابة المليار شخص في العالم مهددون بالتأثر مباشرة بفيضانات محتملة ستأتي على مدن بأكملها، منها مدن في أوربا الشمالية وأستراليا. أما دول الجنوب والدول الفقيرة، فإن تأثرها بالانبعاثات الغازية سيكون أكبر بسبب بناها القاعدية الهشة في‭ ‬مواجهة‭ ‬التصحر‭ ‬واختفاء‭ ‬الغابات‭ ‬وتراجع‭ ‬المساحات‭ ‬الخضراء‭ ‬وتأثر‭ ‬البيئة‭ ‬البحرية،‮ ‬وجميعها‭ ‬مساحات‭ ‬تشكل‭ ‬قطاعات‭ ‬اقتصادية‭ ‬ومعيشية‭ ‬حيوية‭ ‬للسكان‮. ‬
  •   ومنذ انعقاد قمة ريو دي جانيرو، اجتمعت دول العالم حول قمم مماثلة منها قمة كيوتو اليابانية العام 1997، ثم قمة جوهانسبورج العام 2002، وقمة كوبنهاجن العام 2009 فقمة كانكون اليوم. وكانت قمة كوبنهاجن وعدت بإطلاق صندوق لمساعدة الدول الفقيرة المتضررة من الاحتباس الحراري قيمته 30 مليار دولار، لكنه ظل صندوقا على ورق ولم تَفِ الدول الكبرى بالتزاماتها بسبب الموقف الأمريكي الرافض لكل التزام في ظل المنظومة الأممية، ومن المنتظر أن يعلن في القمة الجارية عن صندوق مماثل قيمته 100 مليار دولار سمي بالصندوق الأخضر ولكن لا أحد‭ ‬يعلم‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الصندوق‭ ‬سيرى‭ ‬النور‭ ‬عمليا‭ ‬أم‭ ‬لا‭ ‬بسبب‭ ‬الخلاف‭ ‬الصيني‮ ‬ـ‭ ‬الأمريكي‭ ‬حول‭ ‬الجهة‭ ‬التي‭ ‬عليها‭ ‬إدارة‭ ‬المشروع‮. ‬
  •   ومع أن الدول الصناعية وحدها هي التي تعود عليها المسؤولية عن تلوث الجو بسبب انبعاثاتها من الكاربون، وعن تلوث البيئة بسبب نفاياتها النووية والكيمياوية ـ حيث نجد دولة واحدة مثل ألمانيا تبث سنويا 450 مليون طن من ثاني أكسيد الكاربون ـ إلا أن الدول النامية تشكل المتضرر الأكبر من ذلك تحت نظام “تجارة حصص الغازات الملوثة للجو” وجراء عملية مقايضة المساعدات بدفن النفايات السامة في أراضي تلك الدول، في حين أنها لم تستهلك تماما حصتها من حق تلويث الجو والمقدرة بـ5 أطنان سنوي من ثاني أكسيد الكاربون لكل نسمة واحدة من السكان‮. ‬
  •  
  • اتفاقيات‭ ‬صامتة
  •   وكما شهد العالم قمما متعددة للأرض في مدن متعددة آخرها كانكون المكسيكية، شهدت الاجتماعات الأممية إطلاق عشرات الاتفاقيات منذ العام 1987 تاريخ التوقيع على بروتوكول موريال الذي يستهدف التقليل من استهلاك مادة الكلورفلور المضرة بالبيئة، منها اتفاقية إنشاء “المرفق العالمي للبيئة” العام 1991، واتفاقية “حماية الفصائل الحيوية” العام 1993، واتفاقية “حظر تصدير النفايات” العام 1995، واتفاقية “مكافحة التصحر” العام 1996، واتفاقية “حماية الغطاء الغابي” العام 1997، واتفاقية “كيوتو” الشهيرة للحد من الانبعاث الحراري في نفس السنة والتي لم تنخرط فيها الدولة الأكثر تلويثا للبيئة، أي أمريكا، ثم اتفاقية “تبادل المعلومات ذات الصلة بالبيئة” العام 1998، ومع كثرة الاتفاقيات التي تستهدف التقليص من الانبعاث الغازي بنسب تتراوح بين 5 بالمائة و20 بالمائة حسب رزنامة زمنية متفق عليها، إلا أن القانون الدولي لايزال عاجزا عن الإلزام بالتطبيق تحت ضغط المصلحة الرأسمالية واستمرار الدول الصناعية الكبرى في الموازنة بين الكلفة الاقتصادية الناجمة عن الالتزام بالتعهدات والكلفة البيئية الناجمة عن مواصلة تطبيق التكنولوجيا الملوثة للبيئة، موازنة تصبّ دائما‭ ‬في‭ ‬مصلحة‭ ‬الشركات‭ ‬الصناعية‭ ‬أي‭ ‬الكلفة‭ ‬الاقتصادية‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬مستقبل‭ ‬الكوكب‮. ‬
  •  
  • السياسات‭ ‬المتناقضة
  •   وفي حين تتقاعس الدول الصناعية الكبرى عن الوفاء بالتزاماتها تجاه الدول الأقل نموا والدول الفقيرة ـ عدا ألمانيا التي تجاوزت سقف التزاماتها بتطبيق برنامج ألمانيا 2050 بدون كاربون، والمنازل من نمط صفر كاربون صفر طاقة أحفورية صفر فضلات ملوثة للبيئة ـ نجد نفس الدول تطبق برامج استثمارية واسعة للانفاق على مشاريع الطاقات المتجددة لفائدة سكانها، حيث تنفق أمريكا سنويا 112 مليار دولار، والصين 34 مليار دولار والاتحاد الأوربي 6 ملايير دولار، فضلا عن البرنامج الطموح “ديزرتك” الأوربي المقدر بـ560 مليار دولار على آفاق 40 سنة القادمة، ما يعني إنفاق سنوي قدره 14 مليار دولار. وهكذا تتناقض السياسات الرأسمالية المحلية مع ما يقابلها من سياسات دولية تمس جميع شرائح الدول، مما عمق من ظاهرة “الكيل بمكيالين” في سياسات الدول ودفع بالدول الناشئة إلى المطالبة بنظام بيئي دولي أكثر عدلا، ومازالت هذه الدول تستغل مشاركتها في القمم الأممية حول الأرض للتعبير عن انشغالاتها دون أن تتمكّن في الأخير من تحقيق شيء سوى الوعود بالمساعدات والصناديق الخضراء ونقل التكنولوجيا الصديقة للبيئة وهو ما سيسفر عنه بكل تأكيد اجتماع كانكون الذي سينهي أشغاله، غدا الجمعة،‭ ‬بالمكسيك‭ ‬اللاتينية‭. ‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • mohamedlimame

    تعتبر مشكلةالبئةمشكلةالجميع ويبغي علي الجميع مجابهتهاقبل ان تصل مرحلةيصعب حلهااى مرحلة التلوث الكلي المحتمل للجووبذالك تبدءالمرحلة الحرجة والخطيرة وهى مرحلة الكوارث البيئةالناتجة عن عملىة الحاصلة بفعل الانسان واستعمالة المفرط للموارد الطبيعية . فلاينبغى لنا أن نسأمةونيئس في إمكانىةوجودإجماع دولى جديدتكون لة فعالية قوية للمحافظة على البيئة

  • Alios

    المقال التوازن في انسجام التحليل بين التحليل العلمي و الاقتصادي و الكرونولوجيا الاق .

    ما اعجبني في المقال فقرة البرنامج الالماني :

    " برنامج ألمانيا 2050 بدون كاربون، والمنازل من نمط صفر كاربون صفر طاقة أحفورية صفر فضلات ملوثة للبيئة "

    - متى تستعمل هذه التقنية في الجزائر لطالما نحن في طور الانجاز العقاري ?

  • مليكة ** أم كلثوم 47

    السلام عليكم
    شكرا دكتورنا الفاضل على التحليل الرائع
    لكن الصندوق الأخضر يبقى حبرا على ورق مثل ما سبقه من القرارات

  • حياة

    رااااااااااااااااااااااااااااءع

  • جليس الكتب

    أسلوب سهل وفي متناول الجميع، نطلب نشر المقالات في كتاب.

  • Salim : Batna

    لا جديد لا في كانكون ولا غيرها الوضع سيستمر على نفس المنوال مجرد بروتوكولات لذر الرماد في الاعينة مشكور دكتور مصيطفى .

  • عبد الجليل طواهير

    بارك الله في دكتورنا الكريم

    ما اكثر القمم حين تعدها لكن في الفوائد منعدمة
    ننتظر رأي الإعجاز ولقد يسرنا القران للذكر فهل من مدكر
    وكلام أخي علي صائب لأن أغلب النسخ الورقية الصادرة بالغرب تغيب فيها مقالات الدكتور

  • ali

    تحليل موفق بارك الله فيكم ولو أننا افتقدنا الكاتب في البي دي أف والنسخة الورقية خسارة للقراء