الرأي

قمة برلين: أول اختبار دبلوماسي للرئيس

حبيب راشدين
  • 1378
  • 2
ح.م

تفتتح غدا الأحد قمة برلين حول الأزمة الليبية بحضور لافت لقادة عشر دول معنية بالأزمة، على رأسها الدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن، ودولتان من دول الجوار: الجزائر ومصر، ودول منخرطة في الأزمة منذ إسقاط جماهيرية القذافي، على رأسها فرنسا والإمارات المتحدة وايطاليا، والثنائي التركي الروسي الذي نقل نشاطه وصراعه من الشام نحو شمال إفريقيا، في محاولة تقودها ألمانيا لتفكيك أزمة هي من مخلفات الربيع العربي، ومسار الفوضى الأمريكية الخلاقة.

الحضور الجزائري في القمة بشخص رئيس الجمهورية، لم يكن مبرمجا في النسخة الأصلية لقمة برلين التي كانت قد استبعدت دول الجوار باستثناء مصر، وغيَّبت الطرف التركي قبل أن يقلب الطاولة على الجميع، وفاجأ اللاعبين الأوروبيين وبعض الأطراف العربية عبر الاتفاقية الأمنية والبحرية مع حكومة السراج، وكان له بلا شك فضلٌ في خلط أوراق اللعبة، ومنح هامش مناورة أكبر للمستشارة الألمانية في إدارة الصراع الأوروبي- الأوروبي بين ايطاليا وفرنسا، كما وفرت فرصة للروس بإعادة التموقع في الأزمة، وكان للتدخُّل التركي نصيبٌ في عودة الجزائر كطرفٍ إقليمي فاعل لا يمكن تجاوزه في تدبير الحلول.

اللقاء على هذا المستوى العالي هو بلا شك أول اختبار دبلوماسي كبير للرئيس تبون، جاء في توقيت جيد، سوف يمنح بلا شك للجزائر ولرئيسها فرصة تثبيت خيار حل الأزمات بالأدوات السياسية، ليس في الأزمة الليبية فحسب، بل في بقية الأزمات الإقليمية التي صنعتها القوى العظمى، ومنها الأزمات المصنَّعة في دول الساحل، والتي لها صلة وثيقة بالأزمة الليبية، وتمنع اليوم وغدا الإدارة السياسية للأزمة الليبية، وتشوش على فرص بناء الاستقرار في هذا البلد العربي المنكوب، ما لم تعتمد المجموعة الدولية مقاربة شاملة لمعالجة أزمات الساحل التي تشهد نفس الصراع بين قوى أجنبية كانت شريكة في هدم الدولة الليبية وتفكيكها.

الفرصة قائمة للرئيس تبون للاستثمار في هذا المحفل الدبلوماسي العالي المستوى، بطرح مقاربة إقليمية للأزمة الليبية تشجع المجتمع الدولي الفاعل على دعم مسارات الحلول السياسية لمجمل أزمات الإقليم مع ما فيها من تشابك وتداخل، في فضاء جغرافي ضخم ومفتوح، ملغَّم بالتدخل الأجنبي، وبإضعاف منهجي لدول الإقليم، هو ما ساعد على تعاظم التهديدات الإرهابية ومجاميع الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وضلوعهما في تحويل الهجرة غير الشرعية إلى صناعة متنامية تهدد استقرار دول الإقليم، وتعيق جهود التنمية.

الجزائر تمتلك بلا شك أوراق لعب كثيرة في هذا المؤتمر الذي يحضره قادة عشر دول فاعلة معنية بالسباق المحموم على ما تعد به القارة السمراء من فرص، تحتاج بالضرورة إلى تثبيت الاستقرار بإقليم شمال إفريقيا والساحل، على رأسها ما تمتلكه الجزائر من خبرات متراكمة في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة، وسياسات حسن الجوار، وامتناعها المبدئي عن التدخُّل في شؤون جيرانها، واجتهادها في بناء مسارات سياسية لحل الأزمات كما حصل في الملف المالي قبل أن يخرِّبه التدخل العسكري الفرنسي السافر الذي انتقل منذ أسبوع إلى بناء تحالفٍ عسكري خطير في الساحل يعِد بأزمة أعظم من الأزمة الليبية.

وفي هذا السياق، فإن الأزمة الليبية التي نشأت عن مغامرة غربية غير محسوبة العواقب، وشكلت في وقتها “بروفة” لتصنيع أزمات مماثلة في الشرق الأوسط، تمنح اليوم للمجموعة الدولية فرصة أخيرة لتصحيح أخطائها والتكفير عن ذنوبها، بوقف التدخل الخارجي، والابتعاد عن خيار بناء المحاور التي منعت الليبيين من فرص إعادة بناء دولتهم، وتمنع اليوم في منطقة الساحل فرص تثبيت الأمن والاستقرار بتفضيل المقاربات الأمنية التي فشلت، وسوف تفشل في تطويق ومعالجة آفات الإرهاب، والجريمة المنظمة، والهجرة غير الشرعية التي تؤرق أوروبا، وتعوق مشاريع التنمية في القارة السمراء.

مقالات ذات صلة