-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قممنا الشّماء خلف البحار

أماني أريس
  • 4095
  • 19
قممنا الشّماء خلف البحار
ح.م

من منزلها بقلب عاصمة الجنّ والملائكة؛ تتسلّل رائحة طبخها الجزائري الشهي إلى بيوت جيرانها الفرنسيين، ويزاحم صوت الفضائية الجزائرية، أصوات قنواتهم التلفزيونية، ومن دون عقدة مازالت تلبس جلابتها، وتدسّ حافظة نقودها في صدرها، ثم تحمل قفتها، وتتجه إلى السّوق.

وبولائها اللامتناهي لتقاليد وطنها الأمّ، مازالت تحرص كل سنة على جلب عُدّة الطعام السنوي من مختلف المعجنات التقليدية، وتركز خاصة على الفريك وهو المادة التي تحضر بها الشوربة على مدار أيام شهر رمضان، كما أنّها لا تفوّت فرصة الذّهاب لآداء صلاة التروايح مع ابنتها وزوجها، هذا ما يرويه عنها كل وافد لبيتها من أرض الوطن، حيث يعود مندهشا من تشبثها المحكم بجزائريتها؛ إنّها قمّة شمّاء من قمم الأصالة، لم تغيّرها السّنون في ديار الغربة، ولم تسرقها يد العصرنة التي اختزلت كل مراسيم التحضير للمناسبات وحتى الأشغال الروتينية بكبسة زر، وأفنت نكهة الإحساس بروحانياتها.

هي واحدة من بين آلاف المغتربات الجزائريات في بلدان غير إسلامية، اللواتي حق لنا أن نفخر بهنّ، ونترصد بفضول تفاصيل حياتهن، ونريق مداد أقلامنا لتدوين يومياتهن، هنّ لسن مجرّد هياكل شغلت حيزا من الجغرافيا، دون أي قيمة مضافة، هنّ كتاب يروي قصة الرحيل بروح أمّة إلى ما خلف البحار، وتفاصيل صفحاته معاركٌ من أجل فرض الذّات، فليس من السّهل أن تنتقل امرأة إلى مجتمع مختلف بكل خصوصياته التاريخية والحضارية وتصمد في وجه تياره الجارف، وتحافظ على مقوّمات كيانها الأصلي.

وإن كان بعض المفكّرين يعرّفون الاغتراب على أنّه ذلك المكان الشاغر بلا دلالة تأسيسية، فإن هؤلاء النساء شكّلن الاستثناء بتعمير ذلك الفراغ وبذل كل مجهود لملء ثغراته، وأقمن همزة وصل بين وطنهن الأم وأوطان الغربة.

هؤلاء الجميلات الأصيلات، أعطين درسا عفويا للمتآكلة جلودهم بمجرد أن يلمسها هواء ما خلف المتوسط، أولئك الذين يغادرون أوطانهم مثقلين بعقدة الدونية من أنفسهم ومجتمعاتهم، ومبرمجين على منعكسات الانبهار ببريق ما خلف البحار، فتجدهم يغرقون في دوامة شتات داخلي بمجرد أن ينزلوا إلى تلك الديار. ولا يخرجون منها إلا متنصلين، متنكرين لأصولهم. وتجدهم يعودون إلى أرض الوطن ناضحين برغبة الفخر والفشخرة.

هؤلاء الحرائر الأبيات، مددن يد العون في تضميد جراح الوطن المطعون، بنقل ثقافته إلى أمم مازالت تبعات مسخها الثقافي تعبث بألسنة شعبنا، وتعيث فسادا في نفسيات الكثيرين!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
19
  • بدون اسم

    هي على صواب وأنت كذلك . هي بحثت عن رائحة الأصالة الجزائريه فوجدتها وأنت آلمتك حالة مآلت إايها سلالة نفس لأصالة فقرعت ناقوس الخطر تحذيرا للحالمين بدوام الأصالة في غياب قواعد التربية .

  • lyes

    النساء التي تحكي عنهنا صاحبة المقال يوجدنا في احلامها او في الرويات هنا المراة الجزائرية اصبحت تشرب الخمر وتمارس الدعارة وتتزوج الزنوج والفرنسين ولا تحب اي جزائري كل يوم في مرقص ترقص وتدخين السيجارة والمخدرات هنا الان مثل الحثالة عن اية عادات وتقاليد تتكلمين انتي ههههه

  • بدون اسم

    15 و 16 كلا الأثنين عل صواب ويستحقان التقدير لسبب ، أن ذوي قيم أساس تحضير لفريك -16-، أنطلق من إحساس الإنسان الجزائري الأصيل الذي يقدر كل غريب عن وطنه يحن إليه بأية وسيلة وهو فعلا مقياس التقييم لفئة من مستوى معين، بينما 15 يرى أنطلاقا من واقع ظروف التخلف الفكري داخليا وإحساسه النبيل بمدى تأثير واقع الجهل والتجهيل حيث خلص إلى أن رفع قيمة الإنسان بما فيها أصالتة يكون بالرقي الفكري والوعي الوطني والعمل العلمي الخلاق الناجح ، وجهة نظر

  • بدون اسم

    سماعيل ما شاء الله على فهمك ألهذه الدرجة تعاني من سطحية الفهم ؟ تلك مجرد مظاهر تدل على امور اعظم فالفريك لم يفتخر به لذاته انما يفتخر بخلفية المحافظة على الفريك لكن الواضح جدا انك تفهم جيدا

  • ismail

    كان بالامس القريب فقط عندما تذكر كلمة الفخر يجانبها الأشياء النفيسة ،الى أن صار الفخر ينسب الى كل رخيص صرنا نفتخر بالفريك و المحفظة في الصدر حتى صارت العصرنة محصورة في الذهاب الى التراويح مع الأهل تبا للجهل كيف يرد صاحبه...

  • بدون اسم

    نقاوسي وطارق شكرا لكما بوركتما

  • tarik

    Tout ce que vous dites MADAME est vrai et c'est ce qui se passe réellement , merci pour votre coup d'oeil à ces femmes exceptionnelles

  • بدون اسم

    رضاء الأستاذة أماني، شهادة شرف شريف للأشراف وهي شهادة غير قابلة للطعن ، التربة النبيلة لا تنبت إلا نباتا طيبا نبيلا فقط الجملة ماقبل الأخيرة تمنيت لوجاءت بصغة ( مازلنا جزائريون وسنبقى ) حتى لا تتميع أصالتنا تلك الأصالة التي لا يشاكرنا فيها جنس غيرنا . تحياتي لك ولأختك الفاضلة سفيرة فضائلنا - فضائل الجزائريين الأحرار - الله يحظكم ويحفظ كل الجزائريين أينما حلوا وارتحلو.نقاوسي

  • اماني أريس

    السلام عليكم دكتور علي قسورة الإبراهيمي شرفني حضورك لموقعنا وقراءتك لموضوعي شهادتي فيكم مجروحة فانتم سلان العلماء والشرفاء فكيف لا تحافظون على أصولكم لكم مني قوافل الشكر والامتنان شكرا على مداخلتك الطيبة

  • بدون اسم

    الفضل يعود لديمقراطية وعلمانية البلدان التي يهاجر اليها العرب التس تسمح لهم بممارسة شعائر دينهم

  • رياض

    صديق لي كان ملتزم جدا ولا تفوته اي صلاة في المسجد وكانت مهنته في مصلحة المياة حيث يكلف بالدخول الى البيوت وتسجيل كلفة العدادات كان يستحي جدا من دخوله الى البيوت خاصة عندما تفتح له الباب نساء وكان في كل مرة يقرر التوقف عن العمل لهذا السبب ، في اواخر التسعينات استطاع ان يظفر بتاشيرة بمساعدة قريب له ويافر إلى بلجيكا عندما التقيته بعد ثلاث سنوات لم أكد اصدق انه هو

  • رياض

    لا تغطي الشمس بالغربال يا اخي نقاوسي هناك من يظن نفسه منهم ويقلدهم ويحتقر بلده من اراد الحفاظ على هويته لن يمنعه احد فرنسا احتلتنا قرن ونصف تقريبا وعملت بكل الطرق على سلخ اجدادنا من هويتهم لكنها فشلت

  • بدون اسم

    محافظة الجزائري على هويته حوربت في الجزائر من طرف ساسته ومنظومته التربوية التي تجري محاولة تأصيلها وليس الجزائري في الخارج من تخلى على هويته بل نجده ( الجزائري في الخارج ) أكثر الجاليات حبا وشراسة في الدفاع عن أصله وهويته وقيم وأخلاق أجداده النبيلة . نقاوسي

  • Anaya

    لن أبالغ أختي إن قلت لك أن جسمي هنا و قلبي و عقلي معكم هناك! كلما مرت السنوات كلما زاد تعلقي بوطني. ..الإنسان لا يعرف قيمة الشيء إلا عندما يفتقده...أؤكد أن الكثير هنا متمسك بالعادات و التقاليد و نحن محضوضون في باريس و ضواحيها لأننا مثلا في رمضان نجد كل المواد التي قد نجدها في الجزائر و أكثر ولكن تنقصنا بنة البلاد و لمة لحباب و نكهة رمضان الخاصة في الجزائر و البلدان الإسلامية. نحاول أن نخلق تلك الأجواء في بيوتنا قدر المستطاع.أعاننا الله على ذلك و ثبتنا على الإيمان انشاءالله!

  • ع. ق. الإبراهيمي

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لعمري وكأن الموضوع مكتوبٌ، بل كحلة مفصلة على بعض فردٍ من أفراد عائلة
    خصوصًا وأن لي أختي تسكن في ضواحي بلد الجن والملائكة.
    حقًّا أيتها الكاتبة الأديبة /أماني أريس
    أننا صرنا من النسيج البشري لهذا البلد،ومع ذلك حافظنا على هويّتنا الجزائرية.
    اندمجنا ولكن لم ننسلخ.
    وعندما أتى أجدادنا حملوا في قلوبهم الجزائر بكل ما فيها.
    بعادات أهلنا وأحبتنا، حافظنا على إسلامنا وبقي بنقائه، ولم تشوبه شائبة.
    وأصبحت الجزائر هي من تسكننا.
    مازلنا عربًا وسنبقى
    يتها الأديبة يلهج لساني شكرا

  • coco chanel

    اكيد اختي انايا والدليل على انك دائما حاضرة معنا وتشاركينا برايك السديد وتفكيرك الراق والمتحضر لدي ابنة اخت ايضا مغتربة في مدينة الجن والملائكة وهي مازالت محافظة على عاداتها وتقاليدها ولا تنبهر قط بالحضارة الاوروبية وتحن دائما الى وطنها الام اللهم ثبتكم على الايمان

  • بدون اسم

    شوربة الفريك وما أدراك ما شوربة الفريك تطبخها زوجتي لكنها من يد أمي ألذ

  • Anaya

    أكيد انه عندما تكون للإنسان جذور متأصلة في أرضه الأم، و عندما تكون نفسه و روحه متشبعتان بالحب و الإعتزاز بهذا الوطن سيبقى وفيا و فخورا به و بعاداته و بتقاليده مهما بعدت المسافات و مهما مرت السنين و مهما كانت الظروف لن يكون فريسة التقليد الأعمى !
    كما أن الإندماج في المجتمع الغربي لا يعني طمس الشخصية و الهوية الجزائرية فمن لا ماضي له لا حاضر و لا مستقبل له كذلك! أما من تعبث بهم الرياح فلا أصول و لا جذور و الريح إلي يجي يديهم كمانقول
    اللهم ثبتنا على ديننا و هويتنا نحن و أولادنا إلى يوم الدين!

  • بدون اسم

    وانا لحد الان لم افهم الامبالاة الجزائريين للحفاظ على انتمائهم على غير عادة الشعوب الاخرى