الرأي

قنزات تؤبن ابنها البار

سي عبد الوهاب حمودة اسم لامع في سماء الجزائر منذ سبعينيات القرن الماضي، وهو منقوش في عقول صالحي الجزائر وعقولهم.
لا أعرف شخصا أقيمت له أربع تأبينيات في بضعة أشهر من وفاته إلا سي عبد الوهاب حمودة، وقد أقامت له ذلك كل من جريدة الشروق، وجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، وجمعية فوريم مع المجلس الإسلامي، وجمعية آت يعلى والجامع أوقري في بلدة قنزات، ولم تبادر – فيما نعلم- إلى مثل ذلك إلا وزارة الشؤون الدينية التي ما خدمها أحد كما خدمها سي عبد الوهاب دون أن يستخدمها كما فعل غيره.
تنادى أصدقاء سي عبد الوهاب وأحباؤه من مختلف أنحاء الجزائر تلبية لدعوة كريمة من آل حمودة للحديث عن ابنهم، وابن الجزائر، البار سي عبد الوهاب ومآثره التي نعلم بعضها، ويعلمها كلها الذي لا تخفى عنه خافية، ولا يجحدها إلا من في قلوبهم أمراض، وفي نفوسهم أغراض، ويحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وهو أعلم بمن أعطى وأنقى وصدق بالحسن، فسيجزيه الجزاء الأوفى.
لم تتغير قنزات عمّن عرفها، فمازالت جميلة، ساحرة، آسرة، عامرة بمساجدها الكثيرة، طيبة بهوائها العليل الذي يشفي العليل، شامخة برجالها وجبالها، أصيلة بتاريخها وتقاليدها.. وما نقص إلا سي عبد الوهاب الذي كان وجوده فيها يزيدها بهاء وسناء، ويضفي عليها جمالا وجلالا.
كان اللقاء حميما بقدر ما كان علميا، وكيف لا يكون “حميما” وهو عن سي عبد الوهاب الذي كان “مدرسة” في تطبيق الأخلاق الإسلامية النبيلة، وكيف لا يكون “علميا” وهو التلميذ الأوفى لأستاذه مالك ابن نبي.
لقد كان الإسلام في جامعة الجزائر في الستينيات والسبعينيات غريبا، فكان سي عبد الوهاب ممن نصروه آنذاك، فجادل عنه المبطلين بالعلم، وبلغه بالحكمة، ودعا إليه على بصيرة بما كان يجري من صراع فكري محليا، وإقليميا، وعالميا. وكان الطلبة الملتزمون بالإسلام كالأيتام في مأدبة اللئام، وكانوا أشبه ما يكونون بالمسلمين في مكة قبل الهجرة، قليل مستضعفون، يخافون أن يتخطفهم الذين استهوتهم الشيوعية بسرابها، واستزلّهم الشيطان ويخشون أن تفتنهم “الكاسيات العاريات”.. فكان حصنهم الحصين وملاذهم الأمين هو سي عبد الوهاب.
لقد أصدر الملتقون عريضة أطلقوا عليها اسم “أرضية قنزات”، نددوا فيها ورفضوا كل فتنة تستهدف وحدة الجزائر والجزائريين باسم الدين أو العرق، مؤكدين على أن: شعب الجزائر مسلم، وإلى عروبة حمزة وعلي ينتسب، وإلى مازيغية طارق بن زياد ينتمي.
فيلخسأ كل فنّان ولو “تسلّف” أو “تبرنط”، وإن لم ينتهوا لننبذنّهم..

مقالات ذات صلة