-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

قواعد التّغذية السّليمة بين العلم والدّين

محمد شيدخ
  • 659
  • 0
قواعد التّغذية السّليمة بين العلم والدّين

الإسلام منهج حياة متكامل مسَّ جميع جوانب حياة الإنسان على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي وكذا السياسي والصحي، فهو التشريع الوحيد الذي حثّ العقل على النظر والتأمل وحرّكه في كل اتجاهات المعرفة ودار به في جميع أنحاء الكون من سماء وماء وأرض وهواء وأفلاك وطيور في السماء، إلى ما أنبتت الأرض وما دب فوقها من حيوان وأسماك تحت الماء، مبرزا ومؤكدا أن الانسان جسد وروح، ولكل منهما غداؤه الذي يحافظ به على بقائه وحياته.

لقد بلغ اهتمام العلماء قديما وحديثا بغذاء الروح مبلغا عظيما وذكروا ما يحدث للقلوب والأرواح من أمراض وأسقام مصداقا لقوله تعالى: ((ومن أعرض عن ذكري فإنّ له معيشة ضنكا))، وذلك في عديد الكتب من أمثال “طريق الهجرتين وباب السعادتين” و”الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي”، وكلاهما للشيخ ابن قيّم الجوزية، وكذا كتاب ابن تيمية “الحسنة والسيئة”، إلا أن قليلا من علمائنا الأفاضل خاصة في العصر الحديث من كتب وأسهب في جوانب العناية بغداء وصحة الجسد من خلال تصنيف الأغذية وطرق الأكل السليمة وأوقات الوجبات وكل ما تعلق بذلك، باستثناء بعض الكتب لعلمائنا القدماء، في مقدّمتها كتاب “الطب النبوي” لابن القيم وكتاب “الرحمة في الطب والحكمة” للحافظ السيوطي، وقد نحتاج في عصرنا هذا إلى إضافات علمية جديدة وفّرتها القاعدة المعرفية الواسعة والعظيمة التي تتوفر عليها البشرية اليوم حتى نعطي بعض التفاسير العلمية  الدقيقة التي لا خلاف فيها لبعض التوجيهات القرآنية وبعض من الهدي النبوي في مجال التغذية بصفة عامة، في حدود ما تحتمله معاني ومقاصد النص القرآني أو الحديث النبوي الصحيح في قالبهما المنسجم والمتناغم مع أصول الدين وروحه، فالإسلام أسس لعلم التغذية تأسيسا كاملا مكتملا. يقول الشاعر عن القرآن الكريم مذكّرا المسلمين:

فكتابكم جمع الهداية كلها * وكذا العلوم لسائر الأزمان.

فكتاب الله يحتوي على دلائل وإشارات علمية أكيدة، ولنا في مجال التغذية والأكل ما يكفي للتأسيس لنمط غذائي إسلامي بامتياز، قال تعالى: ((يا بني آدم خذوا زينتكم عند كلّ مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين)) (الأعراف: 31)، وقال الحبيب المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه-: “ما ملأ آدمي وعاءً شرّا من بطن، بحسب بن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإن كان لا بدّ فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه”، وللعلم فإنّ حجم المعدة في حالتها الطبيعية هو 1500 سم مكعب وحجم الهواء المتحرك في عملية التنفس يقدر بـ500 سم مكعب أي الثلث، فمن أخبر الحبيب المصطفى -صلوات الله وسلامه عليه بهذا الأمر بهذه الدقة العالية؟ إنّه الله -جل في علاه. يقول رسول الله: “إني أوتيت القرآن ومثله معه”، وقال: “نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع”، وقال كذلك فيما رواه أبو هريرة: “طعام الاثنين كافي الثلاثة، وطعام الثلاثة كافي الأربعة”، ويقول البروفيسور “أندرويل” أستاذ الطب الداخلي بكلية طب أريزونا بأمريكا وعميد ومؤسس الطب البديل: “إنّ أوّل أستاذ للتّغذية السّليمة في العالم هو نبيّ الإسلام محمدّ”، وقد أسلم هذا الطبيب بعد شفائه من سرطان العظام مباشرة لاعتماده الدقيق على نمط تغذية سيد الخلق محمد طبيب القلوب والأبدان -صلى الله عليه وسلم-، وأردف ذاكرا أضرار الإسراف في الطعام، من الإصابة بالسمنة وتبعاتها كمرض السكري وترسبات الأوعية الدموية والجلطات الدماغية وحتى السرطانات المختلفة، ووجد المؤرخون حكمة بليغة مكتوبة على ورق البردي يعود لمصر القديمة تقول: “ربع ما نأكله يبقينا أحياء والثلاثة أرباع الباقية تبقي الأطباء أحياء”، أي تصيبنا بالمرض فيقتات الأطباء من خلال علاجنا من الأضرار الناتجة عن هذا الإفراط، فكل شيء جاوز حده انقلب إلى ضده.. والإسراف عموما هو مجاوزة الحد المحقق للقصد، وعلى هذا الأساس نعتبر تجنب الإسراف قاعدة أساسية ورئيسة في التغذية، لأنه قد يكون أكثر الراحلين من عالمنا إلى عالم القبور، منتحرين بأفواههم، بما أسرفوا في مأكلهم ومشربهم.. ولعلّنا نختم هذه القاعدة بما قاله لقمان لابنه: “يا بني، إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة”.

بعد أن أنهينا الحديث بما تيسر حول القاعدة الأولى في عالم التغذية السليمة بين العلم والدين، وهي  تجنب الإسراف في الطعام، سوف نكمل إن شاء الله ما تبقى من أسسٍ بإفراد موضوع كامل لكل قاعدة مع مراعاة خصوصية الأكل والطعام والشراب في شهر الصيام، وفق المقاربات العلمية والدينية المتوفرة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!