الرأي

كرامة الجزائريين خط أحمر..!

أرشيف

تتداول مواقع التواصل الاجتماعي منذ أيام بالصوت والصورة مشاهد مؤلمة وصادمة وغريبة لمئات الجزائريين العالقين بمطار إسطنبول الدولي، وهم يصرخون وسط الرضّع والشيوخ والمرضى، يستنجدون بسلطات بلادهم للتدخل العاجل وإجلائهم إلى ديارهم في أرض الوطن.

لم نفهم حتى الآن ماذا جرى بالضبط؟ حتى يبقى هؤلاء مشردين أمام العالم، بل مسجونين في قاعة الركوب منذ أيام، فلا قامت الجزائر بترحيلهم مثلما فعلت مع رعاياها في عواصم أخرى، ولا تمّ التكفل بإيوائهم مؤقتا في ظروف إنسانية لائقة، وهو الأمر الذي يثير الصدمة والاستغراب ويطرح التساؤل عن تقصير كافة الجهات المعنية، أما محاولة البعض استغلال الفرصة للنيل من حكومة أردوغان فهو كلام فاقد للمصداقية، لأنه في النهاية هروب من مسؤولية وطنية بتحميلها للآخرين.

سمعنا العديد من الروايات المتضاربة حول أسباب ما يحدث لإخواننا في تركيا، لكنها تبقى كلها في حكم الإشاعات طالما ظلت الهيئات الرسمية تلتزم الصمت دون تفسير ولا تبرير لهذه المأساة العجيبة، وهذا السكوت في حدّ ذاته مشكلة أخرى، بالنظر إلى أهمية الاتصال المؤسساتي في مثل هذه الأزمات.

أمّا في إسطنبول، فقد ردّ الناشط بأوساط الجالية الجزائرية، محمد واعراب، بشأن كل ما يشاع عن سلوك العالقين هناك، حيث كتب أمس في صفحته أنّ “الذين يدَّعون في منشوراتهم نقل هؤلاء الجزائريين إلى فنادق هم كاذبون، والذين يدًّعون أن أسطولا من الطائرات وصل إلى اسطنبول لنقلهم هم كاذبون، والذين يدَّعون أنهم رفضوا الحجر الصحي حين وصولهم إلى الجزائر هم كاذبون”، مؤكدا أن “كل ما يقدّم لهم وعود في وعود دون أي تطبيق أو تحقيق”، على حد قوله.

مثل هذا الموقف المعبر عنه من الناشط واعراب، والذي يعكس كارثة إنسانية بكل المقاييس يحتاج إلى توضيحات عاجلة وقبلها إلى إجراءات عملية لإجلاء هؤلاء، إذ لا يُقبل بتاتا بقاءهم تحت ضغط محنة مزدوجة، حيث يسكنهم هاجس الإصابة بفيروس كورونا، مثلما يقتلهم الشعور بالإهانة والتفريط في كرامتهم من سلطات بلادهم.

لا يمكن الوثوق بكثير من الروايات التي تروّج حول خلفيات مأساة هؤلاء الجزائريين العالقين، لكن ذلك لا يمنع من إثارة مسألة خطيرة تتداول في نطاق ضيق، مفادها أنّ سبب الإبقاء عليهم في تركيا هو عدم توفّر مكان مناسب للحجر الصحي بالجزائر، رغم كل الخطابات الاستعراضية لمسؤولين حكوميين، والدليل حسب أصحاب الرواية هو أن الخطوط الجوية الجزائرية أعلنت في وقت سابق عن برمجة أربع رحلات نحو إسطنبول لترحيل كافة العالقين، قبل إلغاء الرحلة الرابعة في اللحظات الأخيرة بأوامر إداريّة.

وإلى أنْ نسمع حقيقة ما جرى من مصالح وزارات الخارجية والنقل والصحة وسواها من القطاعات المعنية بإدارة الأزمة، فإنّ اللوم والمسؤولية الكاملة تظل ملقاة على عاتقها، وعليها تحمّل تبعات هذا التقصير القانوني الذي يضع مؤسسات الدولة في موقف محرج دستوريّا وحقوقيا وإنسانيّا.

وإلى غاية كتابة هذه الأسطر، فإنّ القضية ما تزال قائمة، ولا معلومات تفيد بقرب الانفراج، حيث لا يعرف ذوو العالقين مصيرهم في ظروف معقدة، حتى قرأنا على مواقع التواصل الاجتماعي نداءات استغاثة تبحث عن وساطات بغرض إيصال مساعدات مالية لهم، تُمكّنهم من نجدة أقاربهم.

يستحيل أن يقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، ولا حتّى الوزارة الأولى، بمعاملة جزائريين بهذه الطريقة في مشهد مخز على مرآى ومسمع من العالم، بينما تشق الجزائر طريقها نحو عهدها الجديد، وما بقي من أمل سوى تدخّل مصالح الرئاسة بأوامر فوريّة للتنفيذ وإسعاف إخواننا، موازاة مع فتح تحقيق شفاف لتحديد ملابسات الحادث الذي يمثل وصمة عار في جبين الجزائريين، ثم تطبيق القانون وفق ما تقتضيه إجراءات الحساب والعقاب لأن كرامة الشعب الجزائري خطر أحمر.

مقالات ذات صلة