كلّهم قتلة!
أخبار الانشقاقات التي تُطبّل لها بعض المعارضة السورية هذه الأيام، لا يجب أن تسرق شرف الثورة ولا المقاومة من الثوار الحقيقيين الذين صبروا على جنون النظام طيلة سنتين تقريبا، ودفعوا فاتورة انقسام المعارضة لوحدهم، دون معين ولا نصير!
كما أن المنشقين الذين تتوالى بياناتهم وأسماؤهم على الفضائيات، وتجتهد هذه الأخيرة في تحليل الأثر الواقع بسبب خروجهم عن موالاة الأسد، ليسوا بأحسن حالا ولا أطهر ممن انشقوا عليه، فقد كانوا جزء من النظام الاستبدادي طيلة سنوات، وخروجهم يشبه تمرد عبد الحليم خدام، الذي كان خادما للأسد الأب منذ بداية عهده، ثم ما لبث أن ثار على ابنه بعدما أوصله للسلطة بتغييره دستور البلاد في ساعتين!
والحقيقة أن خدام اليوم، يبدو أحسن بكثير من “الخدّامين” الجدد، ولو وضعنا قائمة لترتيب الخونة لكان أفضلهم على الإطلاق، وأقلّهم وضاعة وخِسّة ونذالة!
تصوروا مثلا أن جنرالا مثل مناف طلاس، تربى مع بشار الأسد، طيلة سنوات طفولته، وعاش معه مثلما عاش والده مصطفى طلاس مع حافظ الأسد على “الحلوة والمرة” وأعانه على البطش بخصومه، وفي قتل الإخوان المسلمين وإبادة مدنٍ بالكامل، مع التفنن في ملاحقة المعارضين وعائلاتهم، يتحوّل اليوم بنظر البعض من فاقدي البصيرة وقصيري الذاكرة، إلى أملٍ بالنسبة للمعارضة، حتى أن بعض المخابيل طرحوا اسمه بديلا للأسد أو رئيسا للحكومة الانتقالية!
الأمر ذاته بالنسبة إلى القاتل الآخر المسمى رستم غزالة، وهو مدير المخابرات السورية، بكل ما تعنيه كلمة “مخابرات” من بطش وتنكيل وملاحقات وتضييق، واليوم، نرى الإعلام يسعد بانشقاقه وهروب عائلته إلى الأردن وكأنّ قفزه في ربع الساعة الأخير من سفينةٍ شبه غارقة، سيمسح عن تاريخه القذر كل الجرائم، ويغسل يديه من كل قطرة دم، ويبعثه للدنيا مجددا كيوم ولدته أمه!
أما الكارثة الكبرى، فهي خروج البعض لوصف السفير السوري المنشق في بغداد، والهارب للدوحة بأنه فارس حقيقي وثائر عملاق، رغم أن هذا الدبلوماسي الهارب بجلده، اعترف بوضع كل قدراته الإجرامية في خدمة الأسد طيلة عقود، وصرح بعظمة لسانه أنه كان أحد المخططين والمدبرين لقتل العراقيين والتنسيق مع القاعدة خلال الأعوام الماضية، والاعتراف كما يقال سيد الأدلة، ويجب أن يلاحق جنائيا!
هؤلاء ليسوا أقل إجراما من الأسد، ولا أطهر منه، كما أن خروجهم في الوقت الحالي وانشقاقهم المفاجئ لم يأت سوى لإنقاذ أعناقهم من مقصلة المحاسبة، على غرار هروب معظم رموز نظام القذافي في السابق، رغم أن بعضهم متورط في القتل المباشر على غرار مدير مخابرات ليبيا المسمى كوسا، والموجود في قطر حاليا، أو غوبلز الجماهيرية عبد الرحمن شلقم، وحتى مصطفى عبد الجليل، الذي تعاون لسنوات مع سيف الإسلام القذافي، ثم رجع يقول أنه كان مجبرا وباحثا عن التغيير من الداخل!