-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

كلّ إنجاز وراءه إرادة عازمة

أبو جرة سلطاني
  • 226
  • 0
كلّ إنجاز وراءه إرادة عازمة

ماذا كانت مشكلة هذه الأمّة من النّاس؟ وما هي عبقريّة ذي القرنيْن في هذا الإنجاز الفاصل بين الفساد وبين من لا يكونوا قادرين على فقهه؟

إذا رأيت إنجازًا قائما فاعلم أنّ وراءه إرادة عازمة على تغيير الواقع نحو الأصلح، أو قيّادة مبصرة قادرة على تنظيم الجهود وتوجيه القدرات والتّخطيط والعمل الجماعيّ وتقديم القدوة من نفسها بالأفعال بعد الأقوال. فالإنجاز على الأرض فكرة وإرادة ورغبة وأخذ بالأسباب. أما القعود مع الخوالف ولعن الظّلام ومراقبة حركة الحياة من شّرفات البيوت والاكتفاء بإصدار الأوامر الجوفاء لا يغيّر واقعا ولا يبني حضارة.

هذا ما فعله ذو القرنين؛ صنع من نفسه قدوة لهم فصار بقدوته واحدا منهم يحمل همّهم ويحسّ نبْضهم ويعيش معاناتهم ويستمع إليهم ويفكّر في كيفيّة حمايتهم من فساد خصومهم ويجتهد في وضع حدّ لتهديداتهم. ثم يفاجئًهم بإرادة قويّة عازمة على قيّادة مسيرة التّغيير في حياتهم وتبنّي مشاريعهم والتّطوّع الكامل لخدمتهم دون مقابل حتّى كأنّ فكرة بناء السدّ هي فكرته وإرادة إقامته هي إرادته.

لم يناقشهم في أصلها ولا في جدواها ولا في كلفتها وصعوبة إنجازها. ولم يطرح عليهم تحدّيات ردْم ما بين جبليْن. ولم يقترح عليهم بدائل أخرى أسرع زمنا وأسهل إنفاذا وأقلّ كلفة كأنْ يأمرهم ـ مثلا ـ بحفر خندق بينهم وبين يأجوج ومأجوج. أو يغامر بتنظيم صفوفهم وتدريبهم على القتال وإعلان الحرب على عدوّهم تحت قيّادته. أو ترحيلهم من هذه البقعة الضيّقة إلى أرض واسعة في مشارق الشّمس أو مغاربها بعيدة عن يأجوج ومأجوج، أرض يجعل لهم فيها “وطنًا بديلًا”!! وهو قادر على ذلك طالما أنّ الله -جل جلاله- قد أتاه من كلّ شيء سببا.

ولم يقم بينهم طويلا ويفتح لهم مدارس تعليميّة ومراكز تربويّة لإعادة تكوينهم والاجتهاد في تأهيلهم على نمط حياة جديدة تستغرق جيليْن أو ثلاثة أجيال. أو تنظيم صفوفهم جيشًا محترفا وتحضيرهم لمنازلة يأجوج ومأجوج في حرب طويلة المدى. أو مفاوضة عدوّهم حول تأمين الحدود بينه وبين جيرانهم بكفّ الفساد عنهم وإعطائهم عهود حسْن الجوار مقابل التّنازل عن بعض المنافع التي يبحث المفسدون في الأرض على تعهّدات بتأمينها لهم. أو إعلان نفسه زعيما قوميّا على هؤلاء الأقوام بانتخاب عامّ أو بيْعة علنيّة، وهم بحاجة إلى مثله لتخليصهم من مخاوفهم. فإذا رفضوا ملتمسة أعان عليهم يأجوج ومأجوج انتقامًا من محاولة عصيانهم له وتأديبًا لهم على رفضهم زعامته عليهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!