-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كل شيء يغرق بمستنقعات التوريث في مصر وأخواتها

أنور مالك
  • 30185
  • 2
كل شيء يغرق بمستنقعات التوريث في مصر وأخواتها
  • الحلقة الأولى

  • التوريث هو ذلك المصطلح أو ربما المخطط أو قد نسميه التصور السياسي الجديد الذي صار يهيمن على عقل الحاكم في العالم العربي الرافض للبدائل مهما كان نوعها، والذي يختزل مفهوم الدولة وتركيبتها في شخصه على طريقة لويس الرابع عشر الذي ظل يردد “أنا الدولة”.
  • ولا نزعم أن معاهد البحث والإستراتيجيات العربية المفككة له براءة الاختراع، بل ورثناه في إطار تكريس الأفكار والمذاهب وحتى القيم بطريقة عبثية، وأكثر من ذلك أن الجمهوريات ونكاية في الدول التي طابع الحكم فيها ملكيا، كانت تعتبر توريث الحكم هو رجعية لا مثيل لها، هذا حتى وإن كانت قد وصلت للحكم في أغلبها بالانقلابات وبقيت تحافظ على كراسيها وفق منطق الاستفتاءات المشوبة بالتزوير والمحمية بالدبابات والعساكر. ولكن ظلت تتباهى بهذا العرف المنسوب للديمقراطية، وإن كان الاستبداد والفساد هو ديدنها وطبعها.
  • يجب أن نؤكد على أن التوريث ليس نتاج العقليات العربية فقط، بل هو نتاج الفكر الإستبدادي التسلطي الديكتاتوري بمختلف أعراقه وملله ونحله، وهذا الذي نراه يحدث بإمتياز في العالم العربي بدأ بأبسط وظيفة ووصل إلى قصور الرئاسة. وهو يجرى أيضا في غير البلاد العربية فقد تم توريث الحكم في كوبا مع زعيمها فيديل كاسترو حيث خلفه شقيقه رؤول كاسترو، وكوريا الشمالية حيث ورث كيم إيل سونغ الحكم لنجله كيم جونغ إيل، والكونغو بين الأب لوران كابيلا ونجله جوزيف كابيلا… الخ، ولا يمكن أن نصل إلى مفهوم واحد للظاهرة أو نقدر على إحتواء حيثياتها في تصور موحد، بل تخضع لمنطق الخصوصية وفق كل قطر ومجتمع، كما يتحكم في تحولاتها عرف السببية الذي يخضع في غالبه لعادات وتقاليد محلية، وطبعا يختلف كل ذلك من مكان لآخر حسب ما كرسته الطبقة الحاكمة من نموذج خاص يخدم مصالحها في نهاية المطاف.
  • لقد كان لبني أمية السبق في توقيع أول توريث في العالم العربي والإسلامي حتى وإن كان البعض يرى أن الخلافة الأولى طبع عليها التوريث فالخليفة الصديق هو صهر الرسول عليه الصلاة والسلام وكذلك الفاروق وذا النورين ثم علي بن أبي طالب. لقد ورث معاوية بن أبي سفيان الحكم لنجله يزيد، وذلك بعد فتنة كان الصراع فيها أيضا من أجل توريث الخلافة للحسين من والده علي بن أبي طالب، ولسنا بصدد الغوص في أعماق هذا التاريخ ومحطاته المختلفة التي تثير الحساسية وتشعل نيران الفتنة. وإن كانت الإشارة إليه من الضروريات للتأكيد على أن التوريث بدأ بفتنة عميقة أرست شرخا في قيم الخلافة الإسلامية التي بدأت بالشورى ومرت على التوريث وانتهت إلى ملك عضوض وشتات حكومات متناحرة.
  • وإن أمعنا النظر في صيرورة الأحداث لمفاهيم الدولة وتقلباتها في العالم العربي والإسلامي، سنصل لنتيجة حتمية أن منطق القبيلة ثم الولاء الديني المطلق ثم الخضوع لعرف العائلات الحاكمة من بني أمية إلى بني العباس ووصولا لكل الإمبراطوريات التي عرفها العالم الإسلامي في مشرقه أو مغربه، هو الذي كان يحكم الهيكل العام للوجود الإسلامي على ظهر البسيطة. وربما المرة الوحيدة التي تم فيها بناء الدولة على حساب الخلافة وإمبراطوريتها وتصدى لحدود نفوذها، ما قام به عبدالرحمان بن معاوية بن هشام بن عبدالملك الذي أطلق عليه عبدالرحمان الداخل أو صقر قريش كما سماه الخليفة العباسي جعفر المنصور، حيث أنه في الأندلس (756 ـ 788 هـ) أعاد حكم الأمويين وفي ظل خلافة عباسية أنهت الوجود الأموي بالدم والقتل والمطاردة. ومما يذكر للداخل أنه قضى على الولاء للطوائف وتناحر القبائل في الأندلس وأرسى بدله قيم الولاء للدولة.
  •   
  • طقوس على أعتاب جمهوريات مجازية
  • لا يمكن أن نحصر التوريث في بلد معين فقط، أو في قطاع ومجال واحد كأعلى هرم السلطة، فهو موجود في عدة أقطار وبخصوصيات مختلفة وشمل كل القطاعات، أما توريث الحكم فمنه المعلن الذي نجح ومنه الذي لا يزال يخضع للتجاذبات الإقليمية، ويوجد من يواجه صعوبات جمة بسبب الأزمات الداخلية التي أشعلت فتيل النقمة ضد الحاكم وخاصة في ظل البحث عن الظهير الغربي ولو على حساب بعض القضايا المصيرية للشعوب سواء كانت دولية أو حتى محلية.
  • بدأ حافظ الأسد يخطط للتوريث حيث عمل مطلع الثمانينات على أن يكون خليفته نجله البكر باسل، ولكن لما توفي في حادث سيارة قرب مطار دمشق في جانفي 1994، إتجه نحو إبنه الآخر طبيب العيون بشار، وهو الذي تحقق بالفعل في 10 جويلية 2000، بعد تعديل دستوري مكّن الشاب بشار الذي كان عمره 35 عاما حينها من الوصول لخلافة أبيه في رئاسة الجمهورية السورية.
  • في اليمن نجد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الذي وصل للحكم عام 1978 وهو ثاني أطول حكم في العالم العربي بعد معمر القذافي، يسعى أن يورث الحكم لنجله العقيد أحمد علي عبدالله صالح قائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة. مع العلم أن علاقات القرابة والعشيرة هي التي تسيطر على مؤسسات الحكم في اليمن، حيث أن الأغلبية الساحقة من قيادات الجيش والأمن هم من أقرباء وأصهار وأنساب وأصدقاء وأبناء قبيلة علي عبد الله صالح (قبيلة حاشد) فقط، ويتم التعيين وفق المنطق المشار إليه من دون أدنى نظر للكفاءة أو المؤهلات. وقدرت بعض الجهات أن 97 % من بقية المسئولين (وزراء ، ومحافظين ….. الخ) هم من قبيلة علي عبد الله صالح. كما أن التعيين في الوظائف القيادية في الوزارات أو في الشركات النفطية لأي موظف لا يتم إلا إذا كان ابنا لأحد المسئولين أو من قبيلة الرئيس.
  • الزعيم الليبي معمر القذافي بدوره يخطط وفق أجندة واضحة أحيانا ويكتنفها الغموض في بعض المنعطفات، على توريث الحكم في أول جماهيرية عربية كتابها الأخضر يشدد على الحكم المطلق للشعب، ولهذا نجده قد أعطى الكثير لنجله سيف الإسلام من خلال مؤسسة القذافي الخيرية وأيضا قيامه بأدوار كبيرة في عدة ملفات مثل اللوكربي والجماعات الإسلامية المقاتلة والملف النووي وأزمة بلاده مع سويسرا، ثم تولى لأول مرة منصبا رسميا وله بعده وتجذره الشعبي.
  • وهو الذي شاع أيضا عن تونس في بعض الدوائر الإعلامية، نذكر ما ورد في كتاب “حاكمة قرطاج.. الاستيلاء على تونس” صدر بفرنسا وألفه كل من نيكولا بو، وكاترين غراسيه، ومما جاء فيه أنه يعمل حاليا على توريث الحكم لفهد صخر الماطري، ومن خلال دعم من أم زوجته السيدة ليلى الطرابلسي حرم الرئيس زين العابدين بن علي. وقد لمع مؤخرا إسم الماطري البالغ من العمر 29 عاما، والذي يدير إذاعة الزيتونة، وكان قد أفتتح أيضا مصرفا إسلاميا، كما اشترى دار الصباح، التي تصدر عنها أعرق صحيفة في تونس، وتواصل نفوذه إلى تعيينه عضوا في اللجنة المركزية للتجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم.
  • في لبنان نجد التوريث يخضع لمنطق الطائفة، إلا أننا نشهد الكثير من النماذج التي تعطي صورة عما نحن بصدد الحديث عنه، فبعد إغتيال بشير الجميل حكم شقيقه أمين الجميل الذي أنتخب رئيسا للجمهورية في 22 سبتمبر 1982، ونجد في آل الجميل كل من بيير وإبنه بشير. ثم نديم بشير الجميل وسامي أمين الجميل، وإن كان التوريث الرئاسي هو في حكم المجمد حاليا إلا أن التوريث الوزاري والنيابي لدى آل الجميل يسير على قدم وساق. ولم يقتصر الأمر على آل الجميل بل الأمر نفسه لدى عائلة فرنجية  حيث أن حميد قبلان فرنجية وشقيقه سليمان الذي أنتخب رئيسا سنة 1970 وإندلعت الحرب الأهلية في عهده وجرى إغتيال نجله طوني عام 1978 على يد قوات سمير جعجع، ولطوني إبنه سليمان الذي أنتخب نائبا عام 1992 ومنه صار وزيرا. وطبعا نذكر آل جنبلاط من خلال كمال فؤاد جنبلاط الذي ورّث زعامة الطائفة الدرزية والحزب التقدمي بعد إغتياله في 17 مارس 1977 لنجله وليد من زوجته الأميرة مي شكيب أرسلان.
  • أيضا آل الحريري حيث نجد سعد الحريري الذي ورث زعامة التيار المستقل وأيضا رئاسة الحكومة من والده رفيق بهاء الدين الذي جرى إغتياله في 14 فبراير 2005، كما نشير إلى آل أرسلان حيث أن الأمير عبدالمجيد أرسلان وهو من الدروز شغل منصب وزير الدفاع في حكومة الاستقلال، وقد وَرّثَ زعامته لولده الأمير طلال أرسلان.
  • في العراق، نرى التوريث قائما على قدم وساق لدى المرجعيات الدينية الشيعية خاصة حيث نجد ذلك على سبيل المثال لا الحصر لدى آل الحكيم وآخر ما يمكن تسجيله هو تولي عمار الحكيم زعامة المجلس الإسلامي الأعلى خلفا لوالده عبدالعزيز الحكيم الذي توفي في 26 أوت 2009، وهو بدوره نجل المرجع البارز محسن الحكيم المتوفي عام 1970 .
  • كما نجد آل الصدر حيث أن باقر الصدر يتزعم جيش المهدي والصدريين في العراق وهو الإبن الرابع  للمرجع الشيعي محمد محمد صادق الصدر الذي أغتيل في 1999. أيضا نذكر آل الخوئي ومنهم مثلا عبدالمجيد الخوئي الذي أغتيل في أبريل 2003 وهو الإبن الأصغر للمرجع الديني أبوالقاسم الخوئي الذي كان زعيم حوزة النجف وقد خلفه بعد رحيله المرجع الديني الحالي علي السيستاني.
  • وقد كان الرئيس العراقي صدام حسين يخطط لتوريث الحكم لقصي أو لعدي حسب المطلعين على دهاليز الحكم البعثي، ولكن المخطط قد فشل بعد إحتلال العراق في 09 أفريل 2003 من طرف القوات الأمريكية، لتنتهي الأمور إلى مقتل قصي وعدي في مواجهة مع القوات الأمريكية بالموصل في 25 جويلية 2003، وشهدت مرحلة حكم صدام سيطرة عشيرته وأصهاره على مقاليد الحكم والجيش مثل الأخ غير الشقيق لصدام وهو برزان التكريتي الذي كان قائدا للمخابرات وجرى إعدامه في 14 جانفي 2007، وأيضا علي حسن المجيد الذي هو إبن عم الرئيس صدام الذي أعدم في 25 جانفي 2005، وأيضا نذكر حسين كامل زوج رغد صدام والذي قتل في 23 فيفري 1996 الخ.
  • أما المغرب، فبغض النظر عن حكمها الملكي حيث يخلف الإبن والده بعد وفاته، فإنه توجد عائلات فاقت الثمانين حسب بعض الدراسات، توصف بالعائلات المخزنية حيث سيطرت على ثروات وإقتصاد المملكة. وبعد العائلة المالكة نجد عائلة الفاسي التي صارت تتوارث الوزارات والمال، كما نجد أيضا عائلة بنجلون، الشعبي، أخنوش، أغوزال، العمراني، بنصالح، الكتاني، أمهال، السقاط… الخ.
  • الحلقة الثانية

      في مصر التي تسمي نفسها “أم الدنيا” نجد أن التوريث هو ذلك المستنقع الذي يغرق فيه كل شيء، ولا يوجد قطاع إلا وكان يئنّ تحت وطأة هذه الظاهرة التي جعلت المحسوبية قد أشرقت مع الشمس ولم تغرب أبدا…

  • مستنقعات على ضفاف قاهرة المذلّ

    وبعيدا عن العائلة المالكة التي أسقطها انقلاب عبد الناصر في ما سماها جدلا “ثورة يوليو”، فإننا نذكر مكرم عبيد الذي كان وزيرا للمواصلات في حكومة النحاس، ومنه نجد نادية مكرم وزيرة البيئة، وفكري مكرم عبيد صار نائب رئيس وزراء إلى غاية 1981. وفؤاد بدراوي عضو مجلس الشعب وهو حفيد وزير الداخلية فؤاد سراج الدين. ونجد رئيس الوزراء بطرس غالي الذي صار إبنه واصف وزيرا للخارجية لمدة فاقت 15 عاما. والحفيد بطرس بطرس غالي الذي صار أمينا عاما للأمم المتحدة، ثم جاء وزير المالية وقبلها الاقتصاد يوسف بطرس غالي.

    وزير الصحة حاتم الجبلي هو نجل وزير الزراعة الأسبق مصطفى الجبلي. ووزير التعليم العالي عمرو عزت سلامة والده كان وزيرا أيضا للتعليم العالي خلال الستينيات. أما عائلة الرئيس جمال عبدالناصر فقد برزت هدى جمال عبدالناصر كأستاذة جامعية في العلوم السياسية والإعلام. ومن عائلة السادات برز كل من طلعت السادات وشقيقه عصمت ثم عفت السادات.

    ولم يقتصر الأمر على السياسة، فقد ورث الكاتب والصحافي والوزير الأسبق عبدالمنعم الصاوي المهنة نفسها لنجله محمد. ونجد أيضا صلاح جاهين وإبنه بهاء، بهجت قمر وإبنه أيمن، بوسف إدريس وابنته نسمة، يحيى حقي وإبنته نهى، الصحافي محمود السعدني ونجله أكرم السعدني، الروائي علاء الأسواني ووالده عباس الأسواني.

    قد نجد بعض ملامح الحماسة التي أبداها الممثلون لتوريث الحكم في مصر من خلال الحملة المتعفّنة على الجزائر، حيث أن قطاع التمثيل يشهد طوفانا عارما من هذه الظاهرة، وكان محل نقد إعلامي وفني لما يجري لأنه أسقط ما كانت تفتخر به مصر من ريادتها للسينما وفي حضيض التخلف ومنطق المتاجرة… حيث نذكر على سبيل المثال لا الحصر المخرج يس إسماعيل يس ابن الفنان إسماعيل يس. عادل إمام وإبنه رامي، حنان مطاوع وهي إبنة كرم مطاوع وسهير المرشدي، ونجد أيضا أحمد الدمرداش ابن مصطفى الدمرداش، وابن شقيق المخرج نور الدمرداش الذي تزوج من الفنانة كريمة مختار وأنجبت له الإعلامي معتز الدمرداش. دنيا وهي إبنة سمير غانم ودلال عبدالعزيز. ناهد ورانيا فريد شوقي ابنتا فريد شوقي. عبير وتامر الشرقاوي ابنا المخرج المسرحي جلال الشرقاوي. عمر حسن يوسف ابن حسن يوسف وشمس البارودي. غادة نافع ابنة ماجدة وإيهاب نافع. هيثم أحمد زكي ابن هالة فؤاد وأحمد زكي. أحمد سعيد عبدالغني ابن سعيد عبدالغني. محمد أحمد ماهر ابن أحمد ماهر. سماح أنور ابنة سعاد حسين. المطرب إيمان البحر درويش حفيد الموسيقار الراحل سيد درويش. المذيع منشط برنامج “البيت بيتك” الذي أساء كثيرا للشعب الجزائري تامر أمين هو ابن الإعلامي أمين بسيوني… والقائمة طويلة جدا وبالكاد أغلب العائلات الفنية توارثت ذلك، حتى صارت هناك عائلات تعرف بذلك كعائلة العدل، وعائلة الإبياري وعائلة السبكي، على غرار عائلة الرحباني في لبنان.

    لم يقتصر التوريث في الفن فقط، فقد سجل في عالم التجارة والأعمال، حيث نجد أبرزهم القبطي نجيب أوساريس صاحب شركة أوراسكوم تليكوم التي لها فرع “جازي” في الجزائر، والذي هو الإبن الثالث لأنسي ساويرس صاحب أحد أبرز المقاولات. وفي الطب نجد أكبر الأطباء النفسانيين جمال أبوالعزايم قد ورث المهنة لأبنائه الأربعة وهم نجلاء ومحمد ومحمود وأحمد. وفي الرياضة نذكر عائلة أبوجريشة

    مثلا… والنماذج لا يمكن حصرها في مقال. وتشير بعض المصادر إلى أن هذا التوريث لم يأت في أغلبه من باب النبوغ والعبقرية التي تزرع عن طريق الجينات الوراثية، بل هو مرض عضال يضرب عمق المجتمع المصري، حيث صار أبناء القضاة قضاة حتى وإن كان نجاحهم بالوسائط، وأبناء الممثلين يدخلون عالم الفن لأسباب تجارية ومالية، أما أصحاب المواهب فنادرا ما يفرضون أنفسهم على المنتجين والمخرجين، وحتى في الرياضة لا يصل إلا من له النفوذ حتى يحمل ألوان نادي ما، فضلا عن ألوان فريقهم الوطني. وفي الجيش أيضا أبناء أبرز الضباط القادة يقلدون الرتب والمناصب المهمة وتتسارع رتبهم في ظرف قياسي، وهذا الذي لم يقتصر على مصر فقط بل نجده في أغلب الدول العربية.

    وعلى رأس ما ذكر نبقى ننتظر ما سيسفر عنه مخطط توريث حسني مبارك الحكم لنجله جمال أو ربما حتى علاء حسب ما ستفرضه المستجدات السياسية والاقتصادية في ظل تصدر هذا الأخير للمشهد بحملته على الجزائر، وخروجه من دائرته الضيّقة التي يصنع حدودها ومحتواها بارونات المال النافذون في الحزب الحاكم.

     

    أسراب من جراد التوريث ومبيدات أم درمان

    بعد كل ما تقدم ندرك أن التوريث صار قدرا على الشعوب في كل المجالات، ولو كان وفق الكفاءة والخبرة والتكوين ما تحدثنا عن ذلك، لأنه ليس من حق أيّ كان منع مواطن من بلوغ منصب لسبب أنه من صلب وزير أو زعيم أو رئيس، ولكنه للأسف الشديد صار يخضع لمنطق النفوذ وفرض الأقرب والأقرب وغالبا من أجل إيجاد ظهير يحمي هذه العائلات الحاكمة التي تورّطت في الفساد ونهب المال العام وأيديهم ملطخة بدماء الأبرياء والعزل. كما أن للغرب مصلحة كبيرة، فتوريث الحكم يحمي هذه الدول ـ إن صحت تسميتها بذلك ـ من صعود ربما تيار يعادي المصالح الغربية، وخاصة أن الديمقراطية الحقيقية والنزيهة أثبتت وبتجارب تسلل الإسلاميين إلى سدة الحكم وبسهولة تامة، وطبعا ليس بسبب القناعات فقط، بل أن النقمة المفرطة على الوضع تجدها تحرك الغرائز نحو ثورات أصولية قد تصل في تصوراتها إلى الإلغاء وإعدام الآخر أو الإخراج من الملّة وهي آخر ما يصل له الغضب الشعبي ولا يتحقق إلا في ظل هذه الحركات المتمردة عقديا. والتغيير وفق ما ذكرنا يهدد المصالح الغربية ويضربها في مقتل وخاصة في ظل تحيّز القوى العظمى نحو ما يخدم الأطروحة الإسرائيلية على حساب الفلسطينيين.

     

    لقد استطاعت ملحمة “أم درمان” الكروية وبإيجابياتها المختلفة والمتعددة والتي حوّلوها إلى حرب داحس، تتطلع ربما إلى كامب ديفيد وإن اختلف الطرف الآخر، أن تعيد للمشهد الإعلامي والفكري والسياسي وبضربة حرة، ملف التوريث الشائك والمعقد الذي يزحف على بعض أقطارنا وتوجد حتى الأخرى التي يراد لها أن تلتحق بأسراب التوريث لتتساوى كل الجمهوريات في ذلك، كما يجري من حديث عن الجزائر الآن، بالرغم من أنه البلد الذي لا يمكن أن يخضع لما يحدث في الأقطار التي نجحت في تمرير مخططات التوريث أو تلك التي هي على بوابته، لخصوصيات الشعب وحتى السلطة أيضا.

    لقد استفاد المصريون جدا من ملحمة أم درمان أو حتى ملحقاتها التي بدأت بالقاهرة ووصلت للخرطوم، واستفادتهم هي أكبر بكثير من تأهلهم للمونديال الذي لو تحقق ما انكشفت عورة آل مبارك سواء محليا أو حتى دوليا من خلال ملفات المال والفساد التي تعرّت ولن تجد من يستطيع التجرؤ على طيّها أو سترها ولو بخرقة من لحاف أو بهز خصر مليون راقصة أنجبتهن أم الدنيا ربما في لحظة ضعف أنثوي، لأنه لا يعقل أن تكون في لحظة قوة وهي التي أنجبت جهابذة الفكر والعلوم والحضارة بلا أدنى شك في ذلك.

     فأسراب جراد التوريث، التي كانت تطير في كل المحافل والمنتديات والتكتلات والجمعيات والنقابات والفضائيات والجرائد، قد سقطت بمجرد رشّة واحدة من مبيد أم درمان، ولم يقتصر الأمر على مصر التي برغم أن التوريث لايزال يخاط ما بين شرم الشيخ وتل أبيب والبيت الأبيض، إلا أنه سيزحف على أقطار أخرى نراها تتململ بمطابخ قصور الحكم من أجل بيعة تثبت أقدام الأنظمة على رؤوس الشعوب المتطايرة التي من شدة الخضوع والخنوع نراها تتمنى قيام الساعة…

     لهذا وجب على المصريين أن يشكروا “الخضر” وبخشوع ولا يتباكوا على سقوط »الحمر« في السودان أو يفرحوا وفق طقوس سوزانية بحصولهم على الكأس الإفريقية في أنغولا، بغض النظر عن كل الأسباب التي ساعدتهم، فقد قدمت لهم هدية أنقذتهم لو أحسنوا استغلال الفرصة من مخطط أسود لقرون عجاف لا إبن يعقوب لها. فما تنشره الصحف عن ملفات الفساد التي يشيب لها الولدان، يجب أن يهتم بها المصريون خاصة ولا يجب أن ينساقوا وراء الممثلين بأجسادهم أو ألسنتهم أو حتى بالورق الأصفر، فهم لا همّ لهم سوى التعتيم بتفجير عداوات وهمية، لتتحول تلك المعلومات الخطيرة مجرد غبار عوادي المعركة، ولكن من الغباء أن لا نستغل صراع الأنظمة فيما بينها لأنها تكشف لنا المستور والمهرب من دهاليز مقفلة للاستخبارات والملفات السرية للغاية.

    يكفي دلالة ـ على ما ذهبنا إليه ـ فضيحة أزمة قارورات الغاز التي يعاني منها الشعب المصري في هذا الشتاء البارد، ولكن في المقابل نجد الغاز يصدّر لإسرائيل حتى يسخّن الجنود عضلاتهم من أجل إبادة الشعب الفلسطيني، أو يصطلي بها حاخامات المعابد لإصدار فتاوى ذبح الرضع وبقر بطون الحوامل. بل الأدهى والأمرّ، أن حكومة آل مبارك تخسر يوميا 1.5 مليون دولار وهو ما يعادل 55 مليون جنيه بسبب هذه الصفقة الجائرة، حسب الدكتور ابراهيم زهران، عضو معهد بحوث البترول.

    وطبعا يتم تصدير الغاز المصري لإسرائيل بموجب اتفاق 2005 يقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب سنويا من الغاز الطبيعي إلى تل أبيب لمدة 20 عاما وبثمن يتراوح بين 70 سنتا و1.5 دولار لمليون وحدة حرارية، بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار. ولكن آل مبارك يحركون أبواقهم تجاه الجزائر التي طالبت بحقوقها المادية ولم يتحرّكوا إلى لبّ الفضيحة، فهل الصهاينة أولى من المصريين في ظل حديث مبالغ فيه عن الكرامة المصرية؟!! نترك الإجابة للمناهضين من أحرار مصر، أما المطبّلين فالأكرم لهم هو الصمت طول العمر، فالأسف الشديد ان تحولت قاهرة المعز إلى قاهرة المذل ولا ندري ما ستؤول إليه لاحقا إن لم يتحرّك النشامى لإنقاذها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • واحد مسلم

    استغفر الله العظيم من كل ذنب ردد وراي يمكن ربنا يغفر لك كمية النم والذم وقبل ان تحاسبوا الناس حاسبوا انفسكم لا تعليق يكفي هذا

  • سمسم المصرى

    ان العين لتدمع والقلب ليحزن على مائلت الية الامور لهزا الحد الكراهية متاصلة داخلكم الاخبار عن مصر اصبحت مادة خصبة لكم هزة المقالة مكتوبة مخصوص لاجل مصر مازكر بجانبها كومبا رس كمالة عدد اردت فقط ان تنتقد مصر وكانك تعيش فى بلد الحرية والديمقراطية والشفافية لو كنت زكرت بلدك بشى فقط من الممكن ان اقول انك تتحدث بصدق لكن نسيت الفساد الزى يعم ببلدك وحكومتك وقيادتك التى ليست بمناى عما قلتة لكنة الجبن والحقد معا حاسبو انفسكم قبل ان تحاسبو الغير اصلحو ما بداخلكم ثم فتشو عن الاخرين اية الكاتب انت من تعيش فى مستنقع الكرة لكل ما هو مصرى عارف انل مش هتنشر لكنها وجة نظر على الاقل ستقراها انت سلاااااااااااااااااااااام