-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كوابيس أردوغان وورطة تركيا

سهيل الخالدي
  • 7085
  • 5
كوابيس أردوغان وورطة تركيا
ح. م

لا أحد يشك هذه الأيام أن تركيا تعيش في كابوس مرعب، حيث يقوم الرئيس أردوغان باعتقال عشرات الألوف بعد الانقلاب الفاشل يوم 15 /7/2016، واهتزت صداقة تركيا مع الغرب الأوروبي والأمريكي، كما يُفهم من تصريحات أردوغان الذي وضع يده على قاعدة انجرليك التي كانت تحكم منها تركيا فعليا منذ عقود وتؤمن إستراتيجية حلف الناتو في أوروبا والشرق الأوسط بل إنه سيطر على كل المدارس العسكرية، في إشارة واضحة لبدء تغيير عقيدة الجيش التركي العسكرية والسياسية.

هنا يمكننا أن نرى أن تركيا ليست في كابوس مرعب مؤقت بل في ورطة كبيرة وطويلة بسبب سعيها أو دفعها لأن تلعب مع الكبار، فالمعروف أن ثمن هذا اللعب أكبر من أن يتحمله الصغار كما لاحظنا من كتاب “لعبة الأمم” الذي كتبه رجل المخابرات الأمريكي مايلز كوبلند والصادر قبل عقود.

 

ما هي ورطة تركيا؟

 ورطة تركيا تكمن في موقعها المختلط مع موقفها، وساستها لا يدركون متى يأخذون الموقف الذي يفرضه الموقع، ولا كيف يلوذون بالموقع هربا من الموقف، فهذه هي دوما لعبة الدول الكبرى التي تحتاج إلى سياسيين عمالقة وليسوا كبارا فقط للنجاح فيها وتحقيق دور لبلدهم ولأنفسهم في هذه اللعبة الخطيرة. 

فتركيا اليوم هي:

– آخر الأوروبيين بعدما كانت قبل قرن أول المسلمين.

– تشكل خطرا ثقافيا ودينيا وديموغرافيا على أوروبا مستندا إلى تاريخ متغلغل في عمق أوروبا، بل يمكن إضافة الخطر الاقتصادي إذا ما تحالفت مع الصين خاصة في إفريقيا. 

– تركيا بقدر ما هي حاجز بين المسلمين وعرب الشرق الأوسط يحمي أوروبا، يمكن أن تتحوّل إلى منفذ عسكري لهؤلاء يخترقون أوروبا خاصة وأن القسم الأوروبي من استامبول يشكل عقب أخيل.

– تستطيع تركيا أن تقيم تحالفا مع الدول الأوربية التي فيها تواجدٌ إسلامي ضمن إستراتيجيتها لإقامة جامعة الدول العثمانية.

– تركيا اليوم كما كانت عبر القرون الماضية هي بوابة روسيا للوصول إلى المياه الدافئة حيث البحر المتوسط، فإذا كانت قد وقفت في وجه القياصرة خلال القرون الماضيات، فما الذي يمنع من التحالف معها خلال العقود الآتيات؟

إذن، فإن أردوغان يستفيد من موقع وموقف بلاده ليدخل ملعب الكبار، فهل ينجح؟

 لنا في تاريخ المنطقة شخصية سياسية أخرى حاولت نفس اللعبة، فقد عرف جمال عبد الناصر أن مصر يعطيها موقعها أن تلعب دورا عربيا وإفريقيا وآسيويا وإن لم يكن لها سند اقتصادي.. وهكذا أسند عبد الناصر تغيير الأنظمة الملكية الموالية لبريطانيا وقلّم أظافر تركيا في المنطقة عبر تحطيم حلف بغداد والوحدة مع سورية؛ وأنهى دور بريطانيا في اليمن وسخر كل إمكانيات مصر لتأييد الثورة الجزائرية حتى انهزمت فرنسا..

 

لكن هذا الدور الذي سنده السوفييت لم يستطع الوصول إلى نهاياته بسبب:

1- توافق مصالح الدول الكبار بمن فيهم حلفاؤه السوفييت في أن لا تكون مصر دولة كبرى رغم تأسيس كتلة عدم الانحياز مع الهند ويوغسلافيا. فقد انتهى عبد الناصر سنة 1967 وخسرت مصر كل دور لها، وأما محمد مرسي الذي حاول استرداده عبر الطرح الديني فهاهو يجابه عشرات الأحكام بالإعدام.

2- عقلية المؤامرة عند معظم الحكام العرب الذين لم يكفوا يوما عن العمل ضده مادام يتوجه للشعب العربي الذي يحكمونه نيابة عن الدول الكبرى، وقد لعب البترودولار دورا كبيرا في حكاية المؤامرة وتوجيه طعنة بروتس ولا يزال يلعب، فكما يقول المثل الياباني رائحة الفلوس طيبة حتى ولو أتت من مستنقع.

بالتأكيد ليس من مهمتنا الإجابة على سؤال إذا ما كان أردوغان سينجح في ما فشل فيه عبد الناصر.. لكن الأمر يتطلب منا نحن الجزائريين خصوصا والعرب عموما قراءة تختلف جديا عن أيّ قراءة قمنا بها خلال الخمسين سنة الفارطة من استقلالنا.. إننا مطالبون بوضع أعصابنا في القطب الشمالي، فلا تنفعنا عنتريات وادِّعاءات المتفرنسين التي أوصلتنا إلى حافة الهاوية ولا غفلة المعربين التي رهنت بالمجان حاضرنا لماضينا، ولا عقلية الحرب الباردة التي كانت تطبع الثوريين، ولا أمية أصحاب الشكارة عندنا الذين لا يفهمون في الاقتصاد ولا في التجارة ولا الوطن، ولا عقلية أحزابنا التي تدعي المعارضة سرا وعلنا وهي لا تعرف في السياسة أكثر مما تعرف في اللغة التركية ولا ترى الوطن سوى صحن كسكس.

 

وماهي المعطيات التي ندرسها؟

يبدو لي أن من حسن حظنا كجزائريين أن لنا معطيات ندرسها بعمق من التجربة التركية وعلاقاتنا التاريخية معها- بعيدا عن عواطف وانزلاقات بعض العمائم- ومن التجربة المصرية وعلاقاتنا القومية الوثيقة بها -دون عنتريات وادعاءات المتفرنسين- ومن تجربة ما سمي يوما بالربيع العربي، بعيدا عن أنواع المصفقين والملفقين بمختلف ولاءاتهم الداخلية والخارجية- وآخر هذه المعطيات هو تصريح رئيس المخابرات الأمريكية جون برينان يوم الجمعة 29 جويلية 2016 حيث قال: لا أعرف ما إذا كان يمكن أو لا يمكن عودة سورية موحدة مرة أخرى وأشار إلى أن تقسيم سوريا سيكون عرقيا وطائفيا.

ورغم أن تصريحه ليس بجديد، فقد سبقه كيري وآخرون، غير أن الجديد فيه هو القائل والمناسبة والتوقيت والربط. 

 ومن المؤكد أن الأمريكان والروس تفاهموا أو هم في اللمسات الأخيرة من التفاهم على تقسيم سورية الذي سيشمل بالضرورة العراق وسورية وتركيا حيث الدولة الكردية، ويشمل المسألة الفلسطينية لتكون للفلسطينيين دولة ترانزيت للبضائع الإسرائيلية نحو المنطقة، وقد يشمل دخولا روسيا على الخط الليبي لتصفية شبه نهائي للدور الفرنسي فيها.

 والسؤال هو: ألا يمكن لأمريكا أن تلعب نفس اللعبة مع فرنسا في المغرب العربي عموما والجزائر خصوصا وفي المغرب العربي عرقيات وطوائف كما في سورية وأخطر.

 

كيف؟

إن السذج وحدهم الذي يعتقدون أن تصريحات الكاتب صنصال بأن المجاهدين الجزائريين إرهابيون بأنها شطحة أدبية مقطوعة الجذور؛ إنها عمل سياسي متواصل…

وحتى أؤكد أن الرجل جادّ في قوله ولا يتحدث حديث خيال أدبي بل ضمن مشروع متكامل أذكِّركم بأن الكاتب الجزائري المرموق رشيد بوجدرة قال ذات يوم في عام 1992 أن الأمير عبد القادر الجزائري خان الوطنية الجزائرية.

فما معنى أن تحشر رموزنا الوطنية الجزائرية بين الخيانة والإرهاب؟

فلنضع أعصابنا في ثلاجة سيبيريا ونفكر بهدوء، فالمسألة تبدو أكثر من كابوس وأكبر من ورطة. 

الطامعون في الهيمنة لا يمزحون.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • يوسف

    تركيا ستصبح أقوى و الذي أضعف تركيا هم الشواكرة انتع العسكر. أما اليوم فالعسكر تحت الصباط. مشكلتنا نحن الجزائريين أننا أغبياء و خبثاء و جبناء.

  • مواطن

    أحد ركائز قوة الأمم هي وحدتها قال تعالى (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ). و يمكن للمتابع لمجريات الاحداث في أوروبا و أمريكا و تصريحات السياسيين الموجهة للداخل ملاحظة التركيز الشديد على الوحدة و التضامن و نبذ الفرقة. و قد رايتم كيف قطع أوباما جولته الأوروبية و عاد مباشرة لزيارة أوستين حيث قتل رجال الشرطة من طرف أسود حيث ركز في خطابه على الوحدة و التضامن. إنهم على قدر ما ينشرون الفرقة و الفتن في الخارج يحاربونها بكل الوسائل السياسية و الثقافية و الأمنية في الداخل.

  • A.BASSET

    AJMEL KALIMA KOLTEHA HIA ELAIBARA ELAKHIRA :ELTAMIOUNA FI ELHAYMENA LA YAMZEHOUNA CHOKRAN.

  • يسين

    وما دخل المفرنسين في هذه اللعبة؟ هل المعربين وطنيون اكثر من المفرنسين؟ جماعة 22 التي قامت بثورة نوفمبر كلهم مفرنسون.

  • عبدالواحد

    قال المفكر الراحل مالك بن نبي " لا يوجد إستعمار دائم ولا يوجد إستقلال دائم" وبعيدا عن تعصب العرب وقريبا من مكر وخداع وتملق الغرب فإن الجزائر في مخبر التشريح ولما يأتي الدور عليها تكون وصفة التفكيك جاهزة, ومن حسن حظ الجزائر هو قربها من أروبا الأمر الذي أخرها في ترتيب الدول الهالكة والمقسمة وجعل الغريم التقليدي فرنسا تحسب لها ألف حساب فلا هي أرادت الجزائر كعكة واحدة ولاهي أرادت تقاسمها مع أخواتها وروسيا وخوفها من الجالية التي ستعتبرهم لاجئين عندها يوما ما لتطلب الدعم الدولي لإعانتهم. فأحذروا