-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

كوشنير‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮: ‬ماذا‮ ‬تريد‮ ‬فرنسا‮ ‬من‮ ‬جنوب‮ ‬المتوسط؟

بشير مصيطفى
  • 4484
  • 0
كوشنير‮ ‬في‮ ‬الجزائر‮: ‬ماذا‮ ‬تريد‮ ‬فرنسا‮ ‬من‮ ‬جنوب‮ ‬المتوسط؟

حل بالجزائر، الإثنين الماضي، وزير خارجية فرنسا برنارد كوشنير حاملا رسالة من الرئيس الفرنسي الى نظيره الجزائري بعد أقل من أسبوع من زيارة مماثلة قامت بها وزيرة خارجية الأليزي ميشال أليوت ماري… وكانت كل من المغرب وتونس قد استقبلتا مبعوثين فرنسيين على أعلى مستوى‮ ‬في‮ ‬رحلة‮ ‬البحث‮ ‬عن‮ ‬دعم‮ ‬غير‮ ‬مشروط‮ ‬لمشروع‮ ‬ساركوزي‮: ‬الاتحاد‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬المتوسط‮. ‬فماذا‮ ‬تعني‮ ‬زيارة‮ ‬مهندس‮ ‬الخارجية‮ ‬الفرنسية‮ ‬للجزائر؟‮ ‬وماذا‮ ‬تريد‮ ‬فرنسا‮ ‬من‮ ‬جنوب‮ ‬المتوسط؟

  •  
  • ساركوزي‮ ‬وسياسة‮ ‬الهروب‮ ‬الى‮ ‬الأمام
  • انتخب الفرنسيون الرئيس ساركوزي على وقع وعوده لهم بتحسين أوضاعهم المعيشية وتأمين الطاقة البديلة لهم من الغاز، والحد من الهجرة باقتراح  مفهوم “الهجرة الانتقائية”، وبعد سنتين من الحكم خسرت فرنسا الكثير، حيث زادت أسعار الاستهلاك ارتفاعا ولم يحصل شيء إيجابي على صعيد الخدمات الاجتماعية ولم تتحسن وضعية المواطنين إزاء الضرائب والنتيجة كانت تراجع اليمين في انتخابات البلديات الأخيرة. وفي نفس الوقت خسرت فرنسا على الجبهة الدبلوماسية مواقع كان الرئيس الفرنسي الأسبق جاك شيراك قد احتلها في ملفات دولية مهمة: القضية الفلسطينية، الملف اللبناني والنزاع في الصحراء الغربية. وبمجرد أن استلم برنارد كوشنير -المتعاطف  مع إسرائيل – حقيبة الخارجية الفرنسية حتى تيقّن الجميع من أن الموقف الفرنسي من المسألتين الفلسطينية واللبنانية سيتحول لصالح تل أبيب، وهو ما تأكد فعلا.
  • وفي الجانب الاقتصادي، خسرت فرنسا في الآونة الأخيرة ساحات واسعة في إفريقيا ومنها الجزائر التي فضلت تنويع مبادلاتها التجارية والانفتاح على رأس المال العربي والدخول مع الصين في مشاريع شراكة استراتيجية تفوق النصف مليار دولار في مرحلة أولى، ولعل إخفاق الجانب الفرنسي في تحقيق تقدم ملموس بشأن الاستحواذ على القطاع المصرفي الجزائري أمام المنافسة الأمريكية يعد دليلا آخر على أن التمدد الاقتصادي الفرنسي جنوب المتوسط يواجه عقوبات حقيقية. نتائج كافية كي تدفع بالإليزي للبحث عن منافذ تحقق فرنسا من خلالها بعض التوازن بين الشأنين‮ ‬الداخلي‮ ‬والخارجي‮ ‬فكان‮ ‬مشروع‮ “‬الاتحاد‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬المتوسط‮” ‬الذي‮ ‬إن‮ ‬تحقق‮ ‬فستجني‮ ‬باريس‮ ‬منه‮ ‬وضعية‮ ‬أحسن‮ ‬على‮ ‬صعيد‮ ‬الأسواق‮ ‬الخارجية‮ ‬وحركة‮ ‬رؤوس‮ ‬الأموال‮ ‬وتصدير‮ ‬الخدمات‮.‬
  •  
  • الجزائر‮ ‬أهم‮ ‬قطعة‮ ‬في‮ ‬رقعة‮ ‬المتوسط
  •      تعني الجزائر لفرنسا الكثير، فهي تمثل سوقا واعدة بسبب ضخامة المشاريع المفتوحة ودخلها المتزايد من ارتفاع سعر البرميل من النفط (ناتج داخلي خام العام 2007 قدره 220 مليار دولار) ثم بسبب دخول لاعبين جدد الساحة التجارية الوطنية. وفي الجانب السياسي، لازال الموقف المبدئي للجزائر تجاه المسألة الصحراوية يختلف جذريا عن الرؤية الفرنسية الجديدة  وترى باريس في  الحل الاقتصادي فرصة أخرى لاقتناص تنازلات ذات جدوى من الطرف الجزائري. وفي الجانب المتعلق بالأمن القومي الفرنسي ومعه الأوربي، الجميع ينظر للجزائر بمنظار الجالية التي زاد حجمها عن 5 مليون نسمة في فرنسا وحدها ما يجعلها في عيون الفرنسيين قنبلة موقوتة ليس على الصعيد الديمغرافي فحسب بل وعلى الصعيد الديني والثقافي أيضا. وفي الجانب اللغوي، مازالت فرنسا تعتبر المغرب العربي حصنا ثقافيا بالنسبة للغة الفرنسية، وتركيز باريس على التكوين والإدارة في اتفاقيات التعاون مع جنوب المتوسط كان دائما في صالح الحفاظ على مكانة الفرنسية في الدوائر التعليمية والإدارية بدول المغرب العربي. وهكذا يظل بقاء الجزائر خارج تطورات ملف “الاتحاد من أجل المتوسط” مؤشرا على  فشل المشروع قبل الإعلان عنه بمناسبة‮ ‬العيد‮ ‬الوطني‮ ‬في‮ ‬فرنسا‮ ‬في‮ ‬13‮ ‬جويلية‮ ‬القادم،‮ ‬ومن‮ ‬ثمة‮ ‬اقتناع‮ ‬الشركاء‮ ‬الأوربيين‮ ‬بعدم‮ ‬جدوى‮ ‬المُضي‮ ‬في‮ ‬مشروع‮ ‬فاشل‮ ‬‭-‬مسبقا‮- ‬كما‮ ‬أشارت‮ ‬الى‮ ‬ذلك‮ ‬ألمانيا‮ ‬فيما‮ ‬مضى‮. ‬
  •  
  •  
  • الإتحاد‮ ‬المغاربي‮ ‬أولا
  •      إذا أمكن تجاوز صعوبات الحسم في الملف الصحراوي فليكن في اتجاه استكمال بناء الاتحاد المغاربي وليس كما ترى باريس في ذلك واحدا من شروط إطلاق الاتحاد من أجل المتوسط. وإذا أمكن الاتفاق حول طرق مكافحة هجرة السكان فليكن في إطار تقاسم المنافع الاقتصادية وحرية حركة رؤوس الأموال والأشخاص كما ترمي الى ذلك لوائح المنظمة العالمية للتجارة، وليس كما ترى فرنسا أن الحد من عدد المهاجرين عن طريق الهجرة الانتقائية وإعادة توطين السكان هو واحد من أهداف الاتحاد على عكس الموقف من العمالة القادمة من شرق أوربا. وإذا كان هدف الاتحاد‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬المتوسط‮ ‬إقامة‮ ‬منطقة‮ ‬سلام‮ ‬ورفاهية‮ ‬فلتكن‮ ‬المنافع‮ ‬مشتركة‮ ‬والمصالح‮ ‬مضمونة‮ ‬بعدالة‮.‬
  • فالجميع يكون قد استوعب الاقتراب الأوربي ومنه الفرنسي بالتحديد في تحقيق مصالحه أولا بغض النظر عن مصالح الآخرين، وهو ما تؤكده وقائع الاستعمار والموقف الفرنسي من الاعتراف بجرائمه وملف التعويضات عنها.
  • ‭     ‬
  • تعيش أوربا حاليا مشكلات في الأفق وتعيش بلدان الضفة الجنوبية للمتوسط مشكلات أخرى. وأمام سياسة المنتوج الأقل كلفة للصين وسياسة “الدولار الضعيف” لأمريكا والتي إن استمرت لوقت أطول فستنهي عصر الصادرات الأوربية، لا تملك أوربا سوى البحث عن أسواق دائمة. وأمام التصاعد في أسعار النفط بالشكل الذي يزيد من كلفة المعيشة لا تملك أوربا غير البحث عن بدائل للطاقة يعتبر الغاز أهمها أمام الكلفة العالية للوقود الحيوي. وأمام تفاقم أزمة الغذاء في إفريقيا فلا مفر أمام واضعي السياسات في أوربا من التنبؤ بموجات هائلة من البشر تجتاح الشمال‮ ‬الغني‮ ‬بمخزونات‮ ‬الحبوب‮. ‬
  • وفي الطرف الجنوبي من المتوسط تظل الموارد الكامنة تبحث عن سياسات لتفعيلها لصالح رفاهية السكان بمن فيهم سكان المغرب العربي، كما يظل حلم “إتحاد المغرب العربي” عاملا فنيا من عوامل الانخراط في اتحادات جهوية أوسع. وعندما يفهم الجميع بأن هموم التنمية في جنوب المتوسط‮ ‬لا‮ ‬تقل‮ ‬أهمية‮ ‬عن‮ ‬هموم‮ ‬الأمن‮ ‬الاستراتيجي‮ ‬لدول‮ ‬الاتحاد‮ ‬الأوربي‮ ‬وأن‮ ‬استكمال‮ ‬بناء‮ ‬‭”‬المغرب‮ ‬العربي‮” ‬لا‮ ‬يقل‮ ‬أهمية‮ ‬عن‮ “‬إطلاق‮ ‬اتحاد‮ ‬متوسطي‮”‬،‮ ‬يكون‮ ‬الحديث‮ ‬عن‮ ‬مشروع‮ ‬ساركوزي‮  ‬قابلا‮ ‬للتداول‮ ‬والنقاش‮.  ‬
  •  
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!