الرأي

لافيجري ما يزال في الجزائر!!

لفت نظري ما كتبته جريدة الشعب في يوم 5 جويلية الماضي (ص10) تحت عنوان “أحياء وساحات الباهية(*) تنتظر تحريرها، أسماء تخلد الرهبان وجلاّدي فرنسا ببطاقات الهوية بوهران”

لقد أعاد هذا الخبر ذاكرتي سنتين إلى الوراء، عندما أقام الإخوة في زاوية الهامل ندوة تحت عنوان “مبادئ أول نوفمبر: أمانة الشهداء لدى أجيال المستقبل”، حيث ذكرت في آخر تلك الندوة أنني استغربت عندما وجدت أحد شوارع وهران الرئيسية ما يزال يحمل اسم أحد أكابر المجرمين الفرنسيين وهو المجرم شارل لافيجري، الذي كان شعاره إبعاد الجزائريين عن القرآن الكريم، وصدّهم عن سواء السبيل، وإبدالهم الفادي بالهادي، وقد أسّس من ذلك الهدف أخطر مؤسسة تنصيرية هي مؤسسة “الآباء البيض” وما ولدت كمؤسسة “الأخوات البيض” ومؤسسة “الإخوة البيض المسلّحين”.

كان حاضرا في تلك الندوة رئيس المنظمة الوطنية للمجاهدين، فطلب تعقيبا، فظننت أنه سيعلّمنا ممّا علم، فمكّنته من التعقيب باعتباري رئيس الجلسة.

نهض سيادته، فسمعت له زفيرا وشهيقا، ورأيته يكاد يتميز من الغيظ، فحسبت أن ذلك الشهيق والزفير والتميز ضد لافيجري.

قلت لسيادته وهو يمر أمام المنصة: “الإعجاز في الإيجاز”، وذلك لأن الإخوة المنظمين للندوة استعجلوني لضيق الوقت.

حرّك سيادته رأسه وتمتم بكلام التقطت أذناي منه “درك نورّيلك الإعجاز في الإيجاز”.

ظن صاحبنا أنني استهدفته بتعليقي على حمل أحد شوارع وهران اسم لافيجري، ووالله، الذي خلقه وصوّره في أي صورة ما شاء ركّبه ما خطر في بالي، ولا سرح في خيالي.. وعقّب تعقيبا طويلا.. طويلا.. ورددت عليه بما سمح به المكان والزمان…

ظننت أن سيادته سيتوجه مباشرة من بوسعادة إلى وهران ليتولى بنفسه إزالة هذه الكبيرة، لأن في بقاء هذا الشارع يحمل اسم هذا المجرم خطرا على شباننا الذين سيظنون أنه ما أبقى هذا الاسم على هذا الشارع إلا لأن صاحبه أديب كبير، أو عالم نحرير، أو إنسانيّ نبيل، وما هو إلا شيطان رجيم، وإنسان لئيم، لم يألُ جهدا، ولم يدّخر وسْعًا لفتنة الجزائريين عن دينهم، لا بالجدال والإقناع، ولكن بالتجويع والإرهاب، خاصة في عهد صديقه الحميم، المجرم لويس دوڤيدون، الحاكم الفرنسي العام للجزائر، الذي أُطلق عليه -لصليبيته المتفردة، الحاقدة- اسم “الأميرال كاردينال”، لأنه بدلا من أن يتفرغ لمهنته الأصلية (ضابط بحري) أو يهتمّ بوظيفته التي انتدب إليها (ولاية الجزائر العاصمة) راح يفكر، ويقدر لينصّر الجزائريين، فقُتل كيف فكّر وقدّر.. وقُتل كل من ينهج نهجه، وسعى سعيه، ويفعل فعله، ويكيد كيده..

في ذكرى المولد النبوي الشريف الماضية تفضل إخوة بررة في مدينة وهران لمشاركتهم فرحة تلك الذكرى السعيدة، واغتنمت فرصة وجودي بينهم فطلبت منهم أن يتأكدوا إن كان اسم لافيجري قد أزيل من ذلك الشارع…

أكد لي الإخوة أن الشارع ما يزال يحمل اسم ذلك الـ “لاَّفِيجْري”، وأمدّوني بصورة لذلك الاسم يتصدر ذلك الشارع.. فكظمت غيظي، وتجرعت مرارتي وحزني، وسلّيت نفسي قائلا: لمن الذكرى الخمسين لـ “الاحتقلال” على الأبواب، وستُمْسَحُ شوارع المدن الجزائرية وساحاتها لتطهّر من أسماء المجرمين الفرنسيين، فإذا بجريدة “الشعب” تؤكد بمكا كتبت أن المكلفين بهذه المهمة قد ألهاهم التكاثر، وأنساهم التفاخر.. وتأكدت أيضا أن ثورة رئيس المنظمة الوطنية للمجاهدين عليّ، وهجومه الصاعق، الماحق، الساحق على شخصي “الضعيف” ليس إلا تبريرا لما لا يبرّر.. وأنها ثورة دونكيشوتية.. ونسأل الله العلي القدير أن يمد في أعمارنا إلى الذكرى المئوية لنرى هل سيزال اسم لافيجري من ذلك الشارع، وهل ستتطهر وهران وسائر مدننا من نتانة تلك الأسماء؟

إن شارل لافيجري ليس شخصا عاديا، بل هو شخصية كبيرة عند الفرنسيين، ولم يطلقوا اسمه إلا على الشوارع الهامة والساحات الكبرى، وبالتالي فلا عذر للمسئولين إن زعموا أنهم لم يروا اسمه لأنه يوجد في نهج صغير أو ساحة صغيرة..

ولنفرض أن المسئولين المحليين والمركزيين لم يروا بعض الأسماء والرموز الفرنسية لأنها توجد في أنهج صغيرة وفي أماكن منعزلة، فما بال هؤلاء المسئولين المحليين والمركزيين لا يرون تلك المِسَلَّة المنتصبة في وسط أهم ساحة في مدينة وهران، وأمام بلديتها. وهي تحمل في أعلاها تمثالا فرنسيا، وتحته آية قرآنية كريمة، وتحتها صورة مجسمة للمجاهد الأمير عبد القادر؟ فهل يستطيع رؤساء بلدية وهران، ومسئولو منظمة المجاهدين في وهران، ورؤساء منظمة المجاهدين على المستوى المركزي أن يدّعوا أنهم لم يروا تلك المسلّة..!

إن بعض المسئولين مهتمون بمثل هذه القضايا لأنهم يملكون حسّا وطنيا كبيرا، ومن هؤلاء المسئولين أولئك الذين عرفوا الدور الخطير والمهمة الخبيثة لـ “لافيجري” فقرروا أن يطلقوا على الحي الذي سمته فرنسا باسمه الواقع في أعالي الحراش، والمطل على شاطئ البحر؛ قرروا أن يطلقوا عليه اسم “المحمدية” بدلا من “لافيجري”، وما أعظم تقدير الله -عز وجل- حينما قدّر أن يكون الموقع النهائي لمسجد الجزائر الأعظم ملاصقا من الناحية الغربية للمقر الرئيسي لشرّ جمعية أخرجت للناس، وهي “جمعية الآباء البيض”.

إننا نقول للمسئولين في أي مستوى، وفي أية مؤسسة إن كانت لهم آذان يسمعون بها، وعيون يبصرون بها وقلوب يعقلون بها؛ نقول لهم إن إزالة رمز أو اسم فرنسي من الجزائر أهم من سبعين حفلة راي، الذي يدل على أن المهتمين بهذه الحفلات والقائمين عليها لا رأي لهم، وأن الأموال الباهضة التي يرصدونها لهذه الحفلات تجعلهم من المبذرين إخوان الشياطين.

وإن إصدار كتاب عن جرائم لافيجري وأمثاله هو أهم ألف مرة وأبقى تأثيرا في نفوس أبنائنا وعقولهم من هذه الحفلات الماجنة الخليعة، وأحسن من تلك الأصوات الناهقة…

هوامش:

*) لمن يقرأون الجريدة من غير الجزائريين فإن اسم “الباهية” يطلق على مدينة وهران.

مقالات ذات صلة