-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لالة فاطمة نسومر.. الأصيلة الثائرة

جواهر الشروق
  • 30885
  • 4
لالة فاطمة نسومر.. الأصيلة الثائرة
ح.م

إن أروع وأجّل ما يمكن أن تعتز الجزائر به وتتفاخر هو ما سجله التاريخ وثبّته في صفحاته الخالدة حول كفاح المرأة الجزائرية وما أظهرته من الشجاعة والبطولة والتضحية في ميدان الكفاح والجهاد في سبيل الله والدفاع عن الوطن والذود عن الشرف، لا سيما خلال الفترة الحالكة للغزو الفرنسي للجزائر وانتشار حملاته عبر كامل التراب الوطني.

  ذلك ما تترجمه لنا بطولات”لالا فاطمة نسومر”، وما امتازت به من الأدب والتصوف والنسب والذكاء الخارق وما تفرّدت به من بطولة وشجاعة ودراية وحنكة في إدارة المعارك وهي التي واجهت عشر جنرالات من قادة جيوش فرنسا فلقّنتهم دروس البطولة والفروسية.

المولد والنشأة

 نشأت لالا فاطمة نسومر في أحضان أسرة تنتمي في سلوكها الإجتماعي والديني إلى الطريقة الرحمانية، أبوها سيدي محمد بن عيسى مقدم زاوية الشيخ سيدي أحمد أمزيان شيخ الطريقة الرحمانية، كان يحظى بالمكانة المرموقة بين أهله، إذ كثيرا ما كان يقصده العامة والخاصة لطلب النصح وتلقي الطريقة، أما أمها فهي لالا خديجة التي تسمى بها جبل جرجرة.

ولدت لالا فاطمة بقرية ورجة سنة 1246هـ/1830م وتربت نشأة دينية، لها أربعة إخوة أكبرهم سي الطاهر.

وتذكر المصادر التاريخية ما كان للمرأة من خصائص تميزها عن بنات جبلها، من سحر الجمال ورقة الأدب والذكاء الخارق.

 وعند بلوغها السادسة عشر من عمرها زوّجها أبوها من المسمى يحي ناث إيخولاف إذ قبلت به على مضض بعدما رفضت العديد من الرجال الذين تقدموا لخطبتها من قبل، لكن عندما زفت إليه تظاهرت بالمرض وأظهرت كأن بها مسّ من الجنون فأعادها إلى منزل والدها ورفض أن يطلقها فبقيت في عصمته طوال حياتها.

 آثرت حياة التنسك والانقطاع والتفرغ للعبادة، كما تفقهت في علوم الدين وتولت شؤون الزاوية الرحمانية  بورجة، وبعد وفاة أبيها وجدت لالا فاطمة نسومر نفسها وحيدة منعزلة عن الناس فتركت مسقط رأسها  وتوجهت إلى قرية سومر أين يقطن أخوها الأكبر سي الطاهر، وإلى هذه القرية نسبت.

تأثرت لالاّ فاطمة نسومر بأخيها الذي ألّم بمختلف العلوم الدينية والدنيوية مما أهله لأن يصبح مقدما  للزاوية  الرحمانية في المنطقة وأخذت عنه مختلف العلوم الدينية، ذاع صيتها في جميع أنحاء القبائل.. قاومت الاستعمار الفرنسي مقاومة عنيفة أبدت خلالها شجاعة وبطولة منفردتين، توفيت في سبتمبر 1863، عن عمر يناهز 33 سنة.

 جهادها ضد الغزو الفرنسي

 برهنت فاطمة على أن قيادة المقاومة الجزائرية ليس حكر على الرجال فقط بل شاركت فيها النساء، وفاطمة نسومر شبت منذ نعيم أظافرها على مقت الاستعمار ومقاومتها له رغم تصوفها  وتفرغها للعبادة والتبحر في علوم الدين والتنجيم، إلا أن هذا لم يمنعها من تتبع أخبار ما يحدث  في بلاد القبائل من مقاومة زحف الغزاة الفرنسيين والمعارك التي وقعت بالمنطقة لا سيما معركة تادمايت التي قادها المجاهد الجزائري الحاج عمر بن زعموم ضد قوات الجيش الفرنسي بقيادة الجنرال بيجو سنة 1844، كما أنها لم تكن غافلة على تمركز الغزاة الفرنسيين في تيزي وزو بين 1845-1846، وفي دلس 1847 تم محاولة الجنرال روندون من دخول الأربعاء ناث إيراثن عام 1850 التي هزم فيها هزيمة منكرة.

ولما واتتها الظروف انضمت إلى المقاومة، حيث شاركت بجانب بوبغلة في المقاومة والدفاع عن منطقة جرجرة وفي صد هجومات الاستعمار على أربعاء ناث إيراثن فقطعت عليه طريق المواصلات ولهذا انضم إليها عدد من قادة الأعراش وشيوخ الزوايا والقرى، ولعل أشهر معركة قادتها فاطمة نسومر هي تلك التي خاضتها إلى جانب الشريف بوبغلة (محمد بن عبد الله) في مواجهة الجيوش الفرنسية الزاحفة بقيادة الجنرالين روندون وماك ماهون فكانت المواجهة الأولى بربوة تمز قيدة حيث أبديا استاتة منقطعة النظير، إلا أن عدم تكافؤ  القوات  عدة وعددا إضطر الشريف بوبغلة  بنصيحة من فاطمة نسومر على الإنسحاب نحو بني يني، وهناك دعيا إلى الجهاد  المقدس فاستجاب لهما شيوخ الزوايا ووكالاء مقامات أولياء الله فجندوا الطلبة والمريدين واتباعهم واتجهوا نحو ناحية واضية لمواجهة زحف العدو على قراها بقيادة  الجنرالين زوندون ويوسف التركي ومعهما الباشا آغة الخائن الجودي، فاحتدمت المعركة  وتلقت قوات العدو هزيمة نكراء، وتمكنت لالا فاطمة نسومر من قتل الخائن الجودي بيدها كما استطاعت أن تنقذ من موت محقق زميلها في السلاح الشريف بوبغلة حينما سقط جريحا في المعركة.

 بالرغم من الهزيمة النكراء التي منيت بها قوات روندون يتشكرت، إلا أن ذلك لم يثنه من مواصلة التغلغل بجبال جرجرة، فاحتل عزازقة  في سنة 1854 ووزع الأراضي الخصبة على المعمّرين الوافدين معه، وأنشأ معسكرات في كل المناطق التي تمكّن منها، وواصل هجومه على كل المنطقة . بالرغم من التغلغل والزحف لم يثبّط عزيمة لالة فاطمة نسومر من مواصلة هجوماتها الخاطفة على القوات الغازية فحققت انتصارات أخرى ضد العدو بنواحي يللتن والأربعاء  وتخلجت  وعين تاوريغ  وتوريرت موسى، مما أدى بالقوات الفرنسية إلى الاستنجاد بقوات جديدة وعتاد حديث، إضطرت على إثرها فاطمة نسومر إلى إعطاء الأوامر بالإنسحاب لقواتها إلى قرية تاخليجت ناث عيسو، لا سيما بعد اتبّاع قوات الاحتلال أسلوب التدمير والإبادة الجماعية، بقتل كل أفراد العائلات دون تمييز ولارحمة.

 ولم يكن انسحاب فاطمة نسومر انهزاما أو تقهقرا أمام العدو أو تحصننا فقط، بل لتكوين فرق سريعة من المجاهدين لضرب مؤخرات العدو الفرنسي وقطع طرق المواصلات والإمدادات عليه.

 الشيء الذي أقلق جنرالات الجيش الفرنسي وعلى رأسهم روندون المعزز بدعم قوات الجنرال ماكمهون القادمة من قسنطينة.

خشي هذا الجنرال من تحطم معنويات جيوشه أمام هجمات فاطمة نسومر، فجند جيشا قوامه 45 ألف رجل بقيادته شخصيا، اتجه به صوب قرية آيت تسورغ، حيث تتمركز قوات فاطمة نسومر المتكونة من جيش من المتطوعين قوامه 7000رجل وعدد من النساء وعندما احتدمت الحرب بين الطرفين خرجت فاطمة في مقدمة الجميع تلبس لباسا حرير يا أحمر كان له الأثر البالغ في رعب عناصر جيش الاحتلال.

على الرغم من المقاومة البطولية للمجاهدين بقيادة فاطمة نسومر فإن الانهزام كان حتميا نظرا للفارق  الكبير في العدد والعدة بين قوات الطرفين، الأمر الذي دفع فاطمة نسومر إلى طرح مسألة المفاوضات وإيقاف الحرب بشروط قبلها الطرفان.

إلا أن السلطات الاستعمارية كعادتها نقضت العهود ،إذ غدرت بأعضاء الوفد المفاوض بمجرد خروجهم من المعسكر حيث تمّ اعتقالهم جميعا، ثم أمر الجنرال روندون بمحاصرة ملجأ لالا فاطمة نسومر وتم أسرها مع عدد من النساء.

وخوفا من تجدد الثورة  بجبال جرجرة أبعدت لالا فاطمة نسومر مع 30 شخصا من رجال ونساء إلى زاوية بني سليمان بتابلاط وبقيت هناك لمدة سبع سنوات إلى أن وافتها المنية عن عمر يناهز 33 سنة، على إثر مرض عضال تسبب في شللها.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • لالا

    شكرا كتيييييير ♥♥♥♥

  • اا

    j'aime

  • جزائري

    الامر العجيب والذي اضنه مبارك اسم الاب محمد اسم الام خديجة اسم البطلة فاطمة سبحان الله

  • الونشريسي

    انها ملكة الجبال.والجهاد وليس ملكة الجمال.