الرأي

 لا إصلاح دستوريا دون استفتاء!

أرشيف

 مع توسع ردود الفعل الممتعضة من مسودة الدستور في نسختها الأولى، بدأت تسريبات، وربما هي إشاعات في الواقع، تروّج إلى أن هناك توجها لدى السلطات العليا للاكتفاء بتمرير التعديل الدستوري عبر البرلمان بدل الاستفتاء الشعبي، ومثل هذا النوع من بالونات الاختبار أو محاولات خلط الأوراق تطرح أكثر من علامة استفهام في سياق التوقيت القائم؟

أولا يجب التذكير بأن مراجعة الدستور من ركائز خارطة الطريق الإصلاحية التي تضمنها برنامج رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون خلال الحملة الانتخابية، وقد تعهد بعد فوزه باستحقاق 12 ديسمبر الفائت بأن ينجز دستورا توافقيّا بمشاركة أوسع طيف سياسي ومجتمعي ممكن، ثم يعرضه للتزكية العامّة عبر الاستفتاء الحر، لينال كامل الشرعية الشعبية في وضع حجر الأساس للجزائر الجديدة، باعتبار الإصلاح الدستوري هو الركيزة في بناء كافة القوانين اللاحقة والمتعلقة بممارسة الحريات والعمل السياسي والنقابي والصحفي وسواها، ومن هنا فإن الجهة الوحيدة المخولة دستوريا وسياسيّا باختيار آلية لتقرير مصير المسودة الحالية هي رئاسة الجمهورية، بعد مراعاة الأحكام المتعلقة بعمق التعديل ومدى مساسه بتوازن السلطات وتلك المبادئ الناظمة للمجتمع الجزائري.

أما المسألة الثانية فهي أن الرئيس تبون طعن علانية في مصداقية البرلمان القائم واعتبره من موروث عهد العصابة، وقال بكل وضوح، خلال أول مقابلة مع وسائل الإعلام الوطنية، إن الجميع يعترض على ظروف الانتخابات التشريعية التي تمخض عنها في ماي 2017، بل أكثر من ذلك فإنّ الرئيس لمّح إلى أنه سيتخلص من هذا البرلمان المشوّه قبل نهاية السنة الجارية بمجرد الانتهاء من المصادقة على التعديل الدستوري، فهل يمكن لمثل هذه المؤسسة الفاقدة للشرعية أن تكون سلطة تأسيسية لدستور يراد له أن يكون عنوان العهد الجديد؟!

صحيح أنّ الرئاسة وعلى لسان ناطقها الإعلامي نفت في وقت لاحق الذهاب نحو حلّ البرلمان وتنظيم استحقاق تشريعي مبكر، وهو الموقف الذي لا يزال يبحث عن تفسير قاهر غير طوارئ الوضع الصحّي وآثاره المالية، كون المطلب يشكل إجماعا بين السلطة والمعارضة ومختلف مكونات الحراك، لكن مساعي الدفع المجهولة المصدر نحو اعتماد تعديل دستوري جوهري بكل ما يحمله من حساسية وأهمية بواسطة هيئة مطعون فيها هي محاولات مبطنة لإفشال الإصلاح الذي يراهن عليه رئيس الجمهورية.

إن الذهاب نحو إقرار دستور جديد في ظرف أربع سنوات فقط من آخر مراجعة تمت في 2016، لن يجد مبرره السياسي سوى في اعتماد تعديلات عميقة، تحمل إضافات قانونية وضمانات ملموسة لصيانة الهوية الوطنية وتكريس الحياة الديمقراطية في البلاد ومعالجة ما طرأ من اختلالات في إدارة الدولة، على أن يحظى برضا الشعب فهو وحده مصدر السلطات.

وبذلك، فإن من يروج لفكرة الاكتفاء بمصادقة البرلمان على الدستور الجديد عوض الاستفتاء، إنما يدفع عمدا أو لا شعوريّا نحو نزع المصداقية عن الإصلاح الدستوري وإعطاء مبرر لدعاة اشتراط انتخاب “المجلس التأسيسي”، للانطلاق في رسم معالم المرحلة الجديدة، لأنه لا يمكن تشييد صرح جديد على أنقاض بناء هشّ ومغشوش.

إنّ خيار التزكية الشعبية كان حلاّ وسطا وتوفيقيّا يستجيب عمليّا لمقتضى “السلطة التأسيسية” التي يناط بها في كافة المراحل الانتقالية الإشراف على وضع القوانين الإصلاحية، وفي المقدمة منها الوثيقة الأسمى في الهرم القانوني، وكل مسعى لإبطاله اليوم هو خطوة نحو الوراء، هدفها ضرب تعهدات رئيس الجمهورية وإعطاء نفسٍ جديد لخصوم المسار الدستوري الانتخابي الذي حافظ على استمرارية الدولة.

إذا كان البعض يتخوف من رأي الشعب في مسودة لجنة لعرابة، وبالتالي يدفع نحو قطع الطريق على الاستفتاء لسحب الورقة من أيدي المتحفظين عليها، فإنّ الوقت لا يزال مبكرا وكافيا للتوفيق بين مبادئ المسودة، وهي مجرد أرضية للنقاش العام، ومقترحات الأحزاب الفاعلة والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني، للخروج بوثيقة مُجمع عليها على أوسع نطاق ممكن، لأن إرضاء الجميع غاية لا تدرك، بدل التفكير بطريقة خطأ لحرمان الرئيس من تفويض شعبي إضافي يمكّنه من تجسيد رؤيته الإصلاحية براحة سياسة كاملة.

مقالات ذات صلة