-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لا.. لتجفيف المنابع..!

لا.. لتجفيف المنابع..!

كتب الله في سننه الكونية، أن الكائن الحي يعيش بالخصوبة، والإخصاب. فمن آيات الله في الكون، أن الإخصاب هو رمز النمو والتكاثر، وأن التجفيف، هو عنوان التناقص والتناثر. تنطبق هذه القاعدة على الطبيعة، وعلى الحيوان، والإنسان، وذلك مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾[سورة الأنبياء/ الآية 30].

فإذا غاب الإخصاب، حل محله التجفيف، وهو الحيلولة دون إنماء، فيكون القحط، والعقم، وفقد النماء والعطاء.

ولقد سطا على قاعدة النماء والعطاء مادياً ومعنوياً، سماسرة السياسة، وأعداء الإنسانية، فأحدثوا ما عرف، في سياستهم الهوجاء، بمعركة الأرحام، هذه المعركة التي خاضها أعداء الإنسانية في أجزاء من العالم، كفلسطين، إذ عمدوا إلى تجربة التعقيم، وتعطيل الأمومة عن ممارسة دورها، وإجهاض الأرحام قبل اكتمال رسالتها، وذلك بغرض دنيء هو محاربة التناسل والتكاثر البشري.

ثم ابتليت البشرية، بكارثة أخرى، وهي تجفيف المنابع العقدية، بوضع كل العراقيل أمام النبع الثر، الفياض، للحيلولة دون وصول ماء نبعه إلى العقل، وإلى القلب لتجفيفه، وتعقيمه، والحيلولة دون إخصابه وعطائه.

ذلك ما بشر به بعض المنظرين الأبالسة، وعرّابي سياسة التطهير العرقي، والفرز الإيديولولجي، والتعقيم العقلي.

ونظرة فاحصة إلى التاريخ المعاصر، لتتجلى لنا هذه النظرية الهدامة، مجسدة في الأقوال والأعمال.

فهذا الدبلوماسي العجوز، كيسنجر الذي أصبح متخصصاً في سياسة يجوز أو لا يجوز. وفي حديث أدلى به إلى الصحيفة الفرنسية اليمينية “لوفيغارو” عام 2003، تحدث هذا المنظّر الخطير، عن تجفيف المنابع الدينية، ممثلة في المدارس القرآنية. فقد وصف هذه المدارس القرآنية، بأنها مصادر للإرهاب، وأنها تقدم ثقافة معادية للغرب، وبالتالي فيجب استئصالها، لأنها تمثل خطراً على الغرب، وعلى الولايات المتحدة.

إن هذه النظرية الخاطئة، التي يبشر بها الدبلوماسي العجوز “كيسنجر”، هي النظرية التي أخذ بها عُرّاب الربيع العربي، برنار ليفي، والتي تواصل تطبيقها في أجزاء من الوطن العربي. إنها التجربة المرجوة التي طبقها بعنف نظام الرئيس المخلوع بن علي في تونس، حينما عمد إلى غلق المدارس القرآنية، بوصفها حسب زعمه منابع للإرهاب الإسلامي، فضيق على كل المظاهر الإسلامية من حجاب، ولحية، وصلاة في المساجد، وفتح كتاتيب، وهذه هي سياسة ما يعرف بتجفيف المنابع.

إن الأخطر من كل هذا، في هذه النظرية الهوجاء، هي اللجوء إلى تغيير  كتاب الله، كما حدث في الولايات المتحدة، في حذف آيات الجهاد من القرآن، وطبع ما أطلقوا عليه “القرآن الأمريكي  الحق”.

وإن أخشى ما أخشاه اليوم، هو أن تنتقل سياسة تجفيف المنابع، بغلق المدارس القرآنية، إلى بلادنا، بالتضييق على التربية الإسلامية، بإفراغها من محتواها، كحذف آيات الجهاد، وهو عماد وجودنا، نحن بلد الجهاد، وبلد الشهداء.

وإلا ماذا يعني، إلحاق مؤسساتنا التربوية باليونسكو؟ أليس هذا يعني ضمنياً، إخضاع مضامين المناهج التربوية للمراقبة الغربية، والتحكم في ما يقدم وما لا يقدم من آيات القرآن؟

ثم إن هذه الدعوة التي ترفع اليوم في بلادنا، مطالبة بإصلاح المدارس القرآنية، أي إصلاح يريدون؟ هل يريدون بذلك إغلاق المدارس القرآنية؟ وماذا يبقى لأمة القرآن، إن هي حرمت من القرآن؟ نخشى أن يعيدنا الحديث عن إصلاح المدارس القرآنية، إلى الإصلاح السيء الذكر، وهو إلغاء التعليم الأصلي، الذي لا نزال نعاني تبعاته الخطيرة إلى اليوم.

إننا من منطلق الناصح الأمين، يحدونا الوفاء، لعلمائنا، وشهدائنا، وتعبيراً منا عما يختلج في نفوس أبناء شعبنا، نحذر من الإقدام على أية خطوة، من شأنها أن تؤجج نار الغضب، ونشر الفتنة، باسم إصلاح المدارس القرآنية، ونعتقد أن الشعب الجزائري المسلم، قد يرضى بكل شيء، إلا أن يحرم أبناؤه من تعلم القرآن.

إن الأمل معقود، في أن تتحمل المدرسة الجزائرية، مسؤولية إعادة التكفل بالقرآن في المدارس العمومية، وتخصيص حيز أكثر للقرآن، في مختلف مراحل التعليم وأطواره، من الحضانة إلى التعليم الجامعي، فذلك أفضل وسيلة للقضاء على أسباب التطرف، والغلو، ومحاربة الإرهاب المعادي للقرآن، وإعادة الطفل، والشاب والمواطن، إلى الحضن الصحيح للإسلام بحفظ جيد للقرآن، وفهم أفضل لآياته، وتطبيق أسلم لأحكامه، أما هذه الفقاقيع التي تطلق في الهواء باسم إصلاح مزعوم، وبإشراف اليونسكو بالذات، فذلك ما يناقض ذاتنا الحضارية، وقناعتنا الإسلامية، وسيادتنا الوطنية.

نحن مع كل إصلاح يجلب الخير لأجيالنا، ونحن مع الأخذ بالأصلح من كل تجارب الأمم المتقدمة في مجال التربية، بشرط واحد أن لا يكون ذلك على حساب كتابنا وسنتنا الصحيحة.

فكل ما نملك من طاقة، وما بقي فينا من نفس، نقول لا، لتجفيف المنابع، فتلك نظرية بالية، أكل الدهر عليها وشرب، وهي تجربة نشاز، أبعد ما يكون عن واقعنا التربوي بكل مكوناته، ونهيب بالقائمين على الشأن التربوي عندنا، والموكول إليهم أمر التعليم القرآني كل من موقع مسؤوليته، أن يصونوا الأمانة وأن يحفظوها، فذلك هو أقل معاني الوفاء للشهداء، والعلماء، والأصلاء، رائدنا في كل ذلك قول الله تعالى:﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُون ﴾[سورة البقرة/ الآية 281].

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • ahmed

    و كانت الدولة تتفرج متواطئة أو متجاهلة العواقب و لم تتدارك الأمر إلا بعد أن وقعت الكارثة. إنك تقلب الحقائق حتى لا أقول شبئا آخر احتراما لمقامك و أتحداك أن تأتي بمثال عن فتاة واحدة هوجمت و اعتدي عليها لمجرد لبسها الحجاب أو أن تذكر مثالا واحدا لشخص أو جماعة منعت من الصلاة في المسجد في حين أن اللواتي شوهت وجوههن بالحمض تعد بالعشرات و التظاهرات الثقافية و الفنية التي هوجمت و منعت و مازالت إلى اليوم تمنع من طرف المتطرفين لا تحصى و لا تعد. و قد يحدث ما هو أدهى و أمر إن لم نستخلص الدروس و تركنا التعليم

  • ahmed

    إن التعليم هو قضية دولة و مؤسسات رسمية تضبط المناهج و تضع البرامج و تراقب العمل البداغوجي و توجهه، و في هذا الإطار أعلنت وزارة التربية الوطنية اهتمامها بهذه المدارس، فلماذا التخوف و التشكيك أم أنكم تعتبرون أنفسكم الأنقى إسلاما و الأكثر صلاحية للإشراف عليها و توجيهها؟! أذكرك يا أستاذ بأن من أسباب العشرية الحمراء هو استلاء المتطرفين على المساجد و تحويلها إلى منصات تجييش و تجنيد باسم الجهاد ضد الدولة و ضد الفكر و فرض الحجاب بالقوة و العنف الوحشي وتكفير كل من يخالفهم االفكر لاسيما الفكر التقدمي يتبع

  • جزائري حر

    أصبح أهل الشر والنفاق من الخزي الذي ألحقه الله بهم في الدنيا قبل الاخرة، يطعنون في كل ما ينسب للاسلام، بل وأصبحوا يتخيرون من القران ما يناسبهم ويكذبون ما يحلو لهم ولا يستحون. الجهاد ذروة سنام الأمر ولو كره الكافرون، سوف تزهق أرواحكم من غيظكم، أما نحن فنعلم أن #يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30)# سورة ق، نعلم أن جهنم تتسع لكم جميعا فكونوا بالملايير ولا تستحوا فستجدون الترحاب كما لم يخطر على قلب بشر #ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ (49)# الدخان

  • كمال

    على أي جهاد تتكلم؟
    أهو ما يحصل حاليا في الأوطان الإسلامية؟
    و هل القمصان و اللحى هي التي تحدد الهوية الإسلامية؟
    و هل ستراجع موقفك من ما قام و يقوم به الأتراك حياز سوريا؟
    و هل أنت مع أو ضد استمرار تدفق الذين خربوا سوريا و الذين دخلوها من كل حدَبٍ و درب بمباركة أردوغانية؟
    أضن أن الأيام و الأحداث الأخيرة قد أسقطت أقنعة كثيرة. تشتيت الأوطان و ترهيب الناس و ابعادهم عن أوطانهم و إفساد الحرث و النسل في سوريا و اليمن و ليبيا، كلها أمور لا يرض بها ديننا الحنيف.

  • Nostradamus

    دراسة التربية الاسلامية في الجامعة. لماذا ارسلت ابنك البار للجامعات الامريكية للدراسة؟

  • عزيز

    ايدك بنصره

  • hocheimalhachemi

    الحق والباطل في صراع الى يوم الدين.

  • Fennec

    بإيعاز من الأزهر لأن المسكين قدم مقترحا رائعا آنذاك حين دعى المسلمين إلى العودة إلى الرسالة القرآنية الربانية العالمية وهي تتمثل في سور القرآن المكية أما السور المدنية فهي مجرد أحداث تلتزم بسياقها الزماكاني ولا تتعداه.للأسف شنق بإتهامه بالكفر من طرف الخفافيش المتأسلمة الإرهابية في مصر والسودان.

  • Fennec

    منذ 14قرن مازالت تحرك وجداننا وتحدد سلوكاتنا كقولهم "الرزق على ربي" اللي خلق مايضيع" ووو.ثم عن الجهاد والقرآن تتكلمون نعم تفاسير القرآن للقصاصين والدجالين الذين غلبوا الرؤى الأخرى (مثل تفاسير العقلانيين المعتزلة وغيرهم) تحث على العنف والإرهاب والقتل.ولاتقل لنا بأن من قتلنا في التسعينات الجيا والآيياس والدواعش والبوكوحرامات و القواعد اليوم إستوحوا وإستنبطواعنفهم وإرهابهم من ملحمة هوميروس أو جلجامش أو من كتب الهندوس والفيدا.سيدي أنت تعرف جيدا محمود محمد طه الذي شنقه أترابك في السودان بإيعاز من ا

  • بلقاسم

    ....ألا ترى أن كل المنابع الطبيعية ....جفت........والعوامل الطبيعية من قوة الله.....ولا حول ولا قوة لنا عليها....

  • بوزيد

    اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا
    فالمقال يجب ان يوجه الى حكامنا حتى يعلموا علم اليقين ان الأمر جد وان الشعب لايتنازل عن قيم دينه قيد انملة.لن مصيبة الدين ليس بعدها مصيبة .والله المستعان.

  • م انس

    بارك الله فيك ياشيخ .انا الحل هوفي االحفاض عىى ديننا ....

  • جعفر

    فلما لا ؟ إن كان المقصود هو تجفيف منابع الإرهاب الفكرية ؟ فلما لا ؟ إن كان المقصود تقديم خطاب ديني بديل، ومشروع حضاري ثقافي إبداعي متكامل يروج لثقافة تقدمية عقلانية ويحصن الأجيال القادمة من الوقوع في الإرهاب والتطرف الديني ؟

  • نحن انشاء الله على عهد الشهداء الابرار

    نحن انشاء الله على عهد ابن باديس والابراهيمي والعقبي والتبسي والميلي والشيخ الحداد والمقراني والثعالبي وبلوزداد وعلي لابوانت وزبانا والعقيد لطفي وبن مهيدي وبن بولعيد وكريم بلقاسم والعقيد شعباني ......رحم الله الشهداء الابرار .

  • كسيلة

    انتشرت الطباعة و المصاحف وانتشرت الإذاعات والقنوات التلفزيونية والكمبيوترات،ومواقع النت،والهواتف النقالة،وكلها مشبعة بالقرآن مكتوبا ومسموعا،القرآن محفوظ بشتى الطرق،فلماذا الحفظ والتحفيظ للأطفال في المدارس القرآنية؟! إن شئت هذا لنفسك وأنت عاقل راشد فهو شأنك أما أن تمارس سلطتك كأب أو ولي أمر، فتلزم به طفلا لا ذنب له، فتعذبه نفسيا بالحفظ، فأنت جلاد قاسي القلب، يا سيدي لدينا متوسط بشري ضعيف في مستواه العقلي، نلاقي بلاياه في كل شبر من العالم، وقد تشكل عقله أساسا بفعل مساوئ الخطاب الديني الحالي.

  • Fennec

    سيدي أنتم مغيبون بكلامكم عن تحديد النسل هل تعلم كم من إنسان يعيش فوق سطح الأرض وهل تعلم بمقدرات الكوكب؟البحوث الأخيرة تؤكد بأن البشر بإستهلاكهم تجاوزوا حدود العام بثلاث أشهر يعني في سبتمبر 2017 نكون قد إستهلكنا مقدرات 2017 ونبتديء في الاستلاف من عام 2018.المجاعة ونقص المياه والتغيرات المناخية والحروب والإبادات الجماعية والأسى والحزن من أجل لقمة عيش.كوكب الأرض لم يعد قادرا على إستيعاب الكثير من البشر وعلى كل إنسان أن يؤمن بالأرقام والعلم وليس بمقولات ماقبل منطقية لمشعوذين تكلموا بخرافات قيلت من

  • يوسف

    تحية و سلام عليكم يا حماة العقيدة وحرّاس الدين : أخبركم أن هؤلاء " المستحثات " لم يبق نظريا و حسابيا
    لمشروعهم سِوي تاريخ : 04 ماي 2017 م .وإننا مقبلون على امتحان صعب فيه يكرمُ 'المرءُ' أو 'يهانُ'.............
    [ إنَّ اللهَ لا يُغَيّــــرُ مــَـا بِقُــــومٍ حتَّى يٌغَيّـــرُوا مَــــا بِأنفُسِهم ] ..صَدقَ اللهُ العظيــــم.

  • أحمد

    لا فض فوك ياشيخ، وندعو الله أن يطيل في عمرك ويبارك فيك وأن يحفظ بلادنا من المدسوسين في أمتها ، وأن يهدي القائمين على التعليم، وأن يبصرهم بعيوبهم، إنه نعم المولى ونعم النصير.