لا نامت أعين الجبناء
أظهرت صورُ فرار جنود الاحتلال مذعورين خلال عملية بئر السبع التي نفذها قبل يومين شاب من فلسطينيي 1948، مدى جبن هؤلاء الجنود وشعورهم بالرعب خلال أي مواجهة حقيقية مع الفلسطينيين.
اليهود لا يقاتلون إلا في قرى محصّنة أو من وراء جُدر، وهم عاجزون عن المواجهة وجها لوجه، مع أنهم نسجوا أسطورة حول جيشهم بعد أن أوهمهم انهيارُ الجيش المصري في سيناء بعد 5 ساعات فقط من المواجهة معه في 5 جوان 1967، أنه “لا يُقهر”.
اليوم تسقط صورة هذا الجيش تباعاً؛ فقد مُرّغ أنفه في التراب بجنوب لبنان وغزة مراراً، وها هم جنوده الآن يفرّون من شابّ فلسطيني في العشرين من العمر لم يكن يحمل في يده “أر بي جي” أو سلاحاً فتاكاً آخر ولا قنابلَ، بل كان يحمل فقط مسدسا آليا إفتكّه من جندي صهيوني قام بطعنه بسكين.
خلال حرب صيف 2014 التي دامت 51 يوماً، ألقى الجيشُ الصهيوني على غزة أكثر من 2 مليون طن من المتفجّرات، وقتل الكثير من النساء والأطفال.. ولكنه في كل التحامٍ مباشر مع أسود المقاومة، كان يُفاجَأ بما لم يخطر ببال جنوده، وقد رأينا في إحدى العمليات كيف شلّ الرعبُ جنود الاحتلال وهم في معقلهم حينما فوجئوا بأسود المقاومة يقتحمونه، فلم يجرؤوا على استعمال أسلحتهم، ما مكّن المقاومين من الإثخان فيهم، وبعد نهاية الحرب اعترف بعض جنرالاتهم أن بسالة المقاومين فاجأتهم، ولولا التغطية النارية الكثيفة لسلاح الجو الصهيوني لما عاد أي جندي منهم حيا من غزة.
وإذا كان المئاتُ من الجنود الصهاينة العائدين من غزة قد أصبحوا يخضعون للعلاج النفسي في مِصحّاتٍ متخصصة لتجاوز الصدمات العنيفة التي سبّبتها لهم الأهوال التي لاقوها على يد أسود المقاومة، فيبدو أن الجنود الذين يتعرّضون الآن تباعاً للطعن على يد شبان “انتفاضة السكاكين” قصد محاولة “غنم” أسلحتهم، سيخضعون بدورهم لجلسات علاج نفسي قد تطول، ماداموا يفرّون -على كثرتهم- كالأرانب المذعورة من فلسطينيٍ واحد.
الجيش الذي أرعب الجيوش العربية ودفع أنظمتنا إلى الاستسلام ورفض خوض أي حرب منذ أكتوبر 1973، ليس في الواقع سوى جيش من الجبناء الذين ينهارون عند الالتحام المباشر مع مجموعات مسلحة صغيرة العدّة والعتاد ولكنها مؤمنة بقضيتها، ثابتة في مقاومتها.. هي حقيقة انجلت مراراً، وها هم شبّان “انتفاضة السكاكين” يرسّخونها، ولعلّهم الآن بصدد كتابة تاريخ جديدٍ لفلسطين والمنطقة تتغيّر معه خريطتُها كليا، ويكفي أن نذكر فقط أن أكثر من ثلثي اليهود الذين يحتلون القدس يؤيدون الانسحاب من ناحيتها الشرقية لتقليل الاحتكاك بالفلسطينيين، وبالتالي تخفيض مخاطر التعرّض للطعن والدهس.
إذا ثبُت شبابُ الانتفاضة أشهراً قليلة، فلا شكّ أن الكثير من الأمور ستتغيّر رغم أنوف نتنياهو وكيري و”الأصدقاء العرب”.. وعلى الأقل، ستتحوّل حياة الصهاينة المحتلين إلى جحيم لا يُطاق في القدس وحتى في الضفة بعد أن هنئوا بالأمن ورغد العيش طويلاً تحت حماية شرطة عباس تحت مسمى “التنسيق الأمني”.. لقد انتهى عهدُ السكوت مع ظهور الجيل الجديد من الفلسطينيين، ولا نامت أعينُ الجبناء.