الرأي

لا نريد للثقافة المغاربية أن تتحرر من “الممنوع” لتدخل “المحرم”

أمين الزاوي
  • 5009
  • 12

نص كلمة الكاتب: أمين الزاوي في لقاء الرئيس التونسي المنصف المرزوقي

فخامة الرئيس السيد  المنصف المرزوقي

سلاما

ماذا يقول مثقف، أديب  وروائي  مثلي لرئيس دولة ومناضل في حقوق الإنسان سابقا، في عالمنا العربي اليوم وهو يعيش مخاض مرحلة تحول تاريخية مفصلية.    

السيد الرئيس

بلغة و خطاب المثقفين أحدثك،

بدءا، أقول لك مرحبا بك في بلد محمد بن اشنب ومفدي زكريا  وابن قيطون وكاتب ياسين ومحمد العيد آل خليفة و محمد ديب وابن كريو و السي محند أو امحند وعبد الحميد بن باديس وعبد الحميد بن هدوقة ومالك بن نبي ومولود معمري ومحمد خدة و إيسياخم و باية و عائشة حداد ومصطفى بديع والأخضر حامينة وياسمينة خضرا وأحمد راشدي ومرزاق علواش وبوعلام صنصال ورشيد بوجدرة وأبو القاسم سعد الله، وأبو القاسم خمار  وديلام والهيك واللوز والقائمة طويلة وطويلة. 

كتاب، روائيون، شعراء، مسرحيون، تشكيليون، سينمائيون، مفكرون  ومؤرخون، الشهداء منهم، ومنهم الأموات و الأحياء منهم ،  بكل اللغات يقولون لك مرحبا،

في وجودكَ التاريخي هذا، في تونس الجديدة هذه، سيدي الرئيس، يتجسد الحلم و الخوف معا. 

علمنا التاريخ، في فقه الفن و الرواية و الشعر، أنْ لا حلم بدون خوف، لا حلم بدون مقاومة.

لا حلم بدون مغامرة.

لا غبداع بدون مغامرة، و الثورات إبداع.

لذا أقول لك، السيد الرئيس، إن خوفنا على تونس كبير، لكن افتخارنا و اعتزازنا بها أكبر من هذا الخوف.

خوفنا على تونس لأنها و لأننا نريدها أن تظل وطنا و ليس بلدا فقط  للطاهر الحداد و أمثاله، و من لم يقرأ “امرأتُنا في الشريعة و المجتمع”، و ما عاناه هذا المثقف و ما بذله للدفاع عن أفكاره و فلسفته، لا يعرف نضال المثقف المغاربي، و لا يعرف مدى الضرر الذي قد يصيب المثقفين و العلماء جراء  الخلط ما بين الإيمان و العلم، ما بين الاجتهاد و الالحاد، ما بين الفلسفة و العقيدة.

في معاناة شخصية الطاهر حداد يتجلى التنوير و الأصالة و بعد النظر.   

نريد لتونس اليوم  أن تتصالح  مع أفكار و منهج الطاهر الحداد و ألا نعيد إنتاج المأساة، لأن في ذلك و من ذلك تصالحَنا  مع أفكار الحداثة و الشجاعة الفكرية و حرية الرأي و احترام الاختلاف في ذلك و من ذلك تصالحنا مع الأمير عبد القادر و السي امحمد برحال بما يرفع من قيم الثقافة المغاربية في سُلَّم التسامح والحرية الفكرية و الجمالية.

نريد لتونس اليوم، تونس الجديدة، بلد الأديب علي الدوعاجي، و من لم يقرأ “جولة في حانات البحر المتوسط” أو “سهرت منه الليالي” لا يمكنه أن يفهم التكسير و عشق الحرية لدى المبدعين، معك، مع حلمك الذي هو حلمنا في التغيير و التداول و حقوق المواطن في المعرفة و الجمال ،  نريد لتونس أن تحتفل برمزية الدوعاجي و منه و به نقرأ فصلا من معنى الحرية  الإبداعية، لأن في احتفالكم به هو احتفال عندنا بالسي محند أو محند، بالزاهري، بعبد الله بو خالفة و بصفية كتو.

نريد لتونس الجديدة، تونس الثورة، ألا تغمض عينيها عن  محمود المسعدي، و من لم يقرأ “حدث أبو هريرة قال” و “السد” و “من أيام عمران” و “مولد النسيان” لا يمكنه أن يفهم أوراق تاريخ معاناة تشكل الحداثة المغاربية و العربية، معك نريد أن تكون الحداثة و المعاصرة تنطلق من ركب كتابات المسعدي كي تتلاقي و بكل شجاعة مع كتابات محمد أركون و عمار بلحسن و عبد القادر جغلول …

نريد من خلالكم لتونس الجديدة، بلد ألبير ميمي و من لم يقرأ “صورة المستعمِر و المستعمَر” (بتقديم من جون بول سارتر) لا يمكنه أن يعرف سرّ المقاومة و فداحة الاستعمار الذي يدعو البعض إلى تمجيده اليوم، على الضفتين، لأننا في الاحتفال بألبير ميمي كاتبا إنسانيا و شاهد قرن نحيي في بلدنا جاك دريدا و مريم بان و فيرناند إيفتون … و غيرهم.

لأن المسرح خطاب انقلابي فمن لا يعرف و يحترم اجتهادات  عزالدين المدني و المنصف السويسي و فاضل الجعايبي  و أمين النهدي و جليلة بكار و محمد إدريس و رؤوف بنيغلان  و ما سُجل من أيام قرطاج للمسرح في مسيرتها الطويلة المقاوِمة لا يمكن فهم لماذا اغتالت أيدي الضلال و الظلام عبد القادر علولة و عزالدين مجوبي  و الطاهر جاووت و محمد بوسليماني…

السيد الرئيس لقد كانت الجزائر  ذات يوم من خلال مدرسة برج الكيفان عاصمة للمسرح المغاربي ، فلا تقتلوا مغاربية المسرح في ظل هذا التحول الرئيس في بلاد أبناء الأمازيغ الأحرار و التي توحَّدت في كلٌ شيء و تفرَّقت في شيء واحد هو السياسة.  

السيد الرئيس طويلا تسيست الثقافة، بل تسوست (من السوس)، فلم تفرخ سوى ثقافة السلطة من جهة و بؤس السياسة من جهة ثانية.

 

أما حان الحين  سيدي الرئيس و قد دقت ساعة التغيير في غرف نوم السياسيين النائمين،  كي تتثقف السياسة، و حين تتثقف السياسة  تتنظف،

 حين تتثقف السياسة تتخلق،

حين تتثقف السياسة تتجمل، و بالتالي تكون قابلة للتغيير و قابلة لرؤية وجهها و بكل شجاعة في مرآة التاريخ.

سيدي الرئيس، لطالما عادَتْ (من العداوة) الثوراتُ و الانتفاضاتُ العربيةُ عبر التاريخ المثقفين و همشتهم و سجنتهم و اغتالتهم تحت شعارات متعددة:

منطق الدولة تارة

و باسم الوحدة الوطنية المزعومة ثانيا

أو ضد الفتنة و التفتين المكذوبة ثالثة.

وحين أُقصيَ أو اغْتيلَ أو هُمِّش أو نُفيَ أو سُجِن أو كُمِّمَ المثقفُ المبدعُ عانت هذه الثورات من الشيخوخة المبكرة و أبانت عن عجزها و عن جفاف خيالها فتحولت إلى دكتاتوريات متخلفة و تحولت البلاد إلى مزرعات خاصة قابلة للتوريث.

لا ثورة دون خيال.

لا ثورة دون شعراء.

لا ثورة دون جمال.

لا ثورة دون امرأة.

 

السيد الرئيس الإبداع توأم الحرية فلا تَقُصُّوا جناحيه، لقد حزنا كثيرا لما قرأناه من تصرفات بعض الغوغاء الظلامية في معاداتها لحرية السينما و ذلك باستعدائها و اعتدائها على  فيلم تونسي، لا نريد أن يحدث هذا  في تونس الجديدة  التي نريدها كبيرة أكبر من جغرافيتها و أضيق  من أحلامها الكبيرة.

لا نريد للثقافة المغاربية أن تتحرر من “الممنوع” لتدخل “المحرم”.

لقد سقط الخوف عن الشارع العربي، سيدي الرئيس، و لكن مصاحبة لهذا السقوط ننتظر صعود الحرية و المواطنة المشتركة التي هي حصانة الدولة الحديثة.    

سيدي الرئيس لا ثقافة بدون حرية و لا ثقافة بدون تعدد و اختلاف في الرأي، و الديمقراطية ليست صناديق للأوراق، الديمقراطية هي الثقافة أولا.

سيدي الرئيس، و لأن الثورات العربية وضعتنا أمام سؤال مفصلي متعلق بعلاقة مركبة ما بين الدولة والدين و الديمقراطية و الثقافة و حقوق الإنسان،  فإننا نقول: الشعب المثقف هو القادر على بناء الديمقراطية و على حمايتها أيضا من لصوص السياسة و سماسرة السلطة.

أربعون سنة، سيدي الرئيس، هو عمركم في النضال من أجل حقوق الإنسان، و لكن دعني أقول لك إن المعركة، في نظري كمثقف، لم تنته بعد،

ألَيْسَ الكتاب حق من حقوق الإنسان؟

ألَيْسَ المسرح حق من حقوق الإنسان؟

ألَيْسَ الفيلم حق من حقوق الإنسان؟

لهذا أتساءل: متى ينزل المواطن التونسي إلى شارع الحبيب بورقيبة ليبحث عن كتاب جزائري فيجده، و يذهب إلى المسرح البلدي ليشاهد مسرحية مغاربية و يعرج على قاعة السينما ليستمتع بفيلم مغربي أو موريتاني أو ليبي؟

و معك أيضا أتساءل: متى ينزل المواطن الجزائري لمكتبة أو قاعة سينما أو مسرح بشارع العربي بن مهيدي ليستمتع بحق في الثقافة التونسية أو المغربية أو الليبية أو الموريتانية؟

تلك هي بعض حقوق الإنسان التي يدافع عنها المثقف المبدع المغاربي اليوم.

السيد الرئيس، لا نريد للثقافة المغاربية في تواصلها و اتصالها و سيولتها بين أقطار المغرب الكبير أن تكون رهينة المهرجانات و المواسم السلطوية أو معارض الكتب السنوية  ذات طابع البازاري، إننا نريد ومن منطق حقوق الإنسان أيضا ومن منطق حرقة الكُتاب أن تكون الثقافة المغاربية حياةً يومية ً، أن تتحول إلى جزء من عاديات العلاقات اليومية، إلى جزء أساسي في تعريفية المواطنة.

شكرا لك السيد الرئيس إن أنت استطعت، الآن و من موقع الرياسة، أن تؤسس لسلوك جديد في الدفاع عن حقوق المواطن المغاربي في الثقافة و الإبداع، شكرا لك إن استطعت أن تفتح طريقا سيارا سالكا ما بين المثقفين المغاربيين دون حواجز سياسية أو جمركية أو أمنية.

وذاك حلمنا، وذاك كان حلم ابن خلدون، ذات زمن، يا حفيد ابن خلدون يا سيدي الرئيس يا المنصف المرزوقي.

والسلام.

مقالات ذات صلة