الرأي

لرجال الدين أخطاؤهم

مثل سياسة مختلف الوزارات الجزائرية المتعاقبة، التي تمسح الفشل السابق بفشل أكبر، عجزت وزارة الأوقاف في الجزائر منذ عقود عن المساهمة في إصلاح ما أفسده “الدهر والعطار معا”، وتبدو صيحة المفتش المركزي لوزارة الشؤون الدينية الداعية لمحاربة التكفيريين، والتشديد على غلق الباب أمام المذاهب والأفكار القادمة من الخارج، متجهة إلى نفس المصير، فمن عهد المرحوم أحمد حماني الذي حاول أن يسدّ المنافذ في وجه مختلف الأفكار التي عصفت ببعض شباب الصحوة الإسلامية، فتحوّلت إلى أبواب مشرّعة، استقبلت كل التيارات، بما فيها الممزوجة بالماسونية والصهيونية، وكانت النتيجة أن صار المسلم الجزائري يقتل أخاه المسلم الجزائري وباسم الدين، إلى عهد محمد عيسى الذي كلما حذّر من مذهب إلا وشهّر له من دون أن يدري.

وإذا كنا متيقنين بأن الإمام ليس وحده المُذنب في الوضع الاجتماعي والعقائدي الحالي، فإنه وجب عليه أن يعترف بأنه شارك مثل الإعلامي والسياسي والمثقف في بلوغ المجتمع هذا الوضع، الذي لن نبالغ إذا وصفناه بالخطير، حتى صارت كلمة الإمام كصرخة في واد، ولقطة “فايسبوكية” يختطفها الملايين من الجزائريين، متابعة وإعجابا وتطبيقا.

فقد شهدت الجزائر في الأيام الأخيرة، أنواعا جديدة من جرائم القتل البشعة من قناص تبسة الذي ركن سيارته ورمى رصاصه بـ”نجاح” من بعد عشرات الأمتار ليسدّد في رأس ضحيته، إلى مجزرة تبسة التي أدّت إلى إبادة عائلة بريئة بطريقة توحي بأن الوازع الديني مُجمّد إلى أجل غير مسمى، وانتهاء بتلميذ تيارت الذي قتل حارسه في مدرسته بسبب إجراء تأديبي بسيط…

وعندما “تنجح” الجريمة بصورها المرعبة “كمّا ونوعا” وفي كل مناطق الجزائر، فإن اهتمام الأولياء بالتقصير والشرطة بالعجز والدولة بعدم مقدرتها على الردع والمعلمين بالإفلاس والإعلام بالاهتمام بتوافه الأمور، لن يكون مكتملا، إذا لم نضف إلى هؤلاء هذا الكمّ من الأئمة الذين يُمنحون أغلى وقت، حيث لا بيع فيه ولا تجارة ولا لهو، في أفضل مكان أسّس على التقوى، ليلقوا أعز وأفضل كلام من المفروض أن يتحوّل إلى أفعال.

المفتش المركزي لوزير الشؤون الدينية تحدث عن مرض التكفير، وتحدث عن نيّة العلاج، ولكنه لم يتحدث عن الوسائل، ونأمل أن يُمنح القول لمن بإمكانه أن يحوّله إلى فعل إيجابي، أما إذا تواصل الأداء بنفس الوجوه، فلن يزيد في مرض التكفير سوى تكفير إضافي. فقد سقط الكثير من الأئمة في “جزأرة” آلام الخليجيين أو المشارقة في خطب يخرج منها المتلقي فضوليا، يسعى لمعرفة مذهب أو حتى دين لم يسمع عنه في حياته، فيضيّع وقته في التعرف على الخزعبلات وتراجم رجالات قد لا يكونون موجودين أصلا، وأسوأ ما في الحياة -كما قال جمال الدين الأفغاني- أن نصنع لأنفسنا أعداء، أو نقوّي في ذهننا من كانت شوكتهم ضعيفة، ثم نعلن حربا، بالتأكيد لا خاسر فيها.. سوانا.

مقالات ذات صلة