لغة دولة ماسينيسا لم تكن الأمازيغية
صرح المحافظ السامي للأمازيغية الأستاذ الهاشمي عصاد لجريدة “الخبر” عدد 17/9/2014 بما يلي: “إن هدف عقد ملتقى دولي حول ماسينيسا بقسنطينة ابتداء من يوم 20 سبتمبر 2014 هو الخروج باللغة الأمازيغية من 11 ولاية وتوسيع دائرتها نحو ولايات أخرى”.
ومعنى هذا أن لغة دواوين الدولة النوميدية دولة ماسينيسا كانت الأمازيغية. وهذا غير صحيح، فلغة هذه الدولة والدول البربرية، كانت الكنعانية الفينيقية البونيقية التي كانت اللغة المكتوبة الرسمية في سائر أنحاء المغرب العربي قبل الإسلام ولمدة سبعة عشر قرناً، محاطة بلهجات شفوية بربرية أمازيغية. كما تختلف الدوناتية عن الكاثوليكية لغويا وثقافيا، فلغة المذهب الدوناتي الأمازيغي هي الفينيقية أي الكنعانية، فالدوناتيون يصلّون في كنائسهم بالفينيقية.
توجد بالمغرب الكبير منذ القدم وقبل الإسلام لغة فصحى هي الفينيقية التي تعتبر لغة الحضر والدواوين والعبادات، محاطة بلهجات أمازيغية شفوية، وكلاهما ينتمي إلى أرومة واحدة هي العروبية، وخير من يوضح هذه المسألة هو المستشرق الفرنسي هنري باسي H.Basset عندما قال: “إن اللغة البونيقية لم تختف من المغرب إلا بعد دخول العرب. ومعنى هذا أن هذه اللغة بقيت قائمة، هذه المدة بالمغرب، سبعة عشر قرنا، وهو أمر عظيم“ (1). وجاء الإسلام بالعدنانية لغة القرآن الكريم فحلت محلّ الكنعانية في القرن السابع الميلادي، واستمرت البربرية الأمازيغية لهجات شفوية حولها، وهذا هو الذي يفسر انتشار العربية بسرعة بالمغرب الكبير.
فحتى في عهد الاستعمار الروماني كانت لغة الأمازيغ البربر المكتوبة هي الفينيقية، فالكنائس الدوناتية في القرن الرابع الميلادي وما بعده كانت لغة الصلوات بها تتم باللغة الفينيقية كما ذكرنا. فالأب دونا النڤريني المولود في مدينة نقرين جنوب ولاية تبسة بالقطر الجزائري الحالي، والمتوفى سنة 355 م بسجون روما لأنه كان المحارب الشرس للاستعمار الروماني بالمغرب، كان يصلي في الكنائس الدوناتية في باغاي باللغة الفينيقية ويخطب الجماهير بالأمازيغية. وكان القديس أوغستين والرومان يصلون في كنائسهم بالمغرب باللاتينية. وقد وضح ذلك المؤرخ الفرنسي سانتاس P.CINTAS فقال: “لقد بينت الكتابات البونية المكتشفة بالمغرب، والتي تحمل تاريخ 162 و147 ق.م، أي في عهد حكم ماسينيسا (مسنّ سنّا)، مدى ارتباط الأهالي بقرطاج دينياً من خلال عبادتهم لبعل عمون، الإله القرطاجي، وهذا يؤكد السيطرة المستديمة للديانة القرطاجية على السكان المحليين. أريد التحدث عن استمرار البونيقية، فقد بقيت منتشرة بالمغرب بعد تدمير قرطاج وفي العهد الروماني، وحتى عهد القديس أوغستين الذي ذكر مرارا أن السكان الذين كانوا يحيطون به، يتكلمون البونية. إن اللغة البونية استمرت بين بعض البربر كلغة ثقافة، بل إن الدوناتية (مذهب مسيحي شعبي كان سائدا بالمغرب) كانت مقدِّمة لإلغاء الإسلام للمسيحية، وللثقافة الرومانية بالمغرب، ويقول غوتيي: (إن أوغستين عندما كان يسأل هؤلاء الأهالي في دروسه الواعظة: ما هو أصلكم؟ كانوا يجيبونه: نحو كنعانيون)” (2).
أما إذا قيّمنا سياسيا ماسينيسا قلنا بأنه ارتكب خطأ كبيرا في حق الأمازيغ بتحالفه مع روما المستعمرة، والقضاء على قرطاج الإمبراطوية المتكونة من عنصرين عروبيين من الفينيقيين الكنعانيين والأمازيغ القحطانيين، فبتدمير قرطاج خلا الجو للرومان فبسطوا استعمارهم على شمال إفريقيا وراحوا يجردون الفلاحين الأمازيغ من أراضيهم ويكوّنون منها اللوتيفوندات يملكها كولون إقطاعيون رومان. وقد أدرك حفيد ماسينيسا يوغورطا بن مستعن بعل بن ماسينيسا خطورة الاستعمار الروماني على نوميديا والمغرب فثار عليهم بعد سبعة وثلاثين سنة من وفاة جده ماسينيسا أي سنة 111 ق. م. ولنلاحظ أن اسم ماسينيسا مسنْ سنّا أي مسن المسنين وهي تسمية كنعانية عروبية، واسم ابنه أبو يوغورطا مستعن بعل أي المستعين بالله، وهي تسمية كنعانية.
الخلاصة:
أولا: يقام في مدينة قسنطينة، المدينة الجزائرية، مؤتمرٌ دولي عن ماسينيسا بدعوة من البربريين المعادين لانتماء الجزائر العربي بين 20 و22 إيلول سبتمبر 2014، بهدف نشر دعوتهم لترسيم اللغة الأمازيغية كضرّة للعربية تدخل معها في صراع لصالح الفرنسية المسيطرة على دول المغرب العربي. علما بأن الاسم الأصلي لقسنطينة هو قِرطا (وليس سرتا) وهي تسمية كنعانية، وأن كل التراث الثقافي لها والمسجّل بالنقوش القديمة، مكتوب باللغة الكنعانية الفينيقية.
ثانيا: حضر الكنعانيون الفينيقيون إلى المغرب في النصف الثاني من الألفية الثانية قبل الميلاد وساعدوا إخوانهم الأمازيغ القحطانيون من الخروج من العصر الحجري ودخول التاريخ، وكوّنوا معهم سنة 814 ق. م امبراطورية قرطاج، التي أسسها عنصران: الكنعانيون والبربر الأمازيغ، فقرطاج كانت تعتبر عروبية جنوب البحر المتوسط في مواجهة روما الأوروبية.
ثالثا: لعب ماسينيسا دورا حاسما في القضاء على قرطاج بتحالفه مع روما المستعمرة، وكانت قرطا (سرتا) عاصمة نوميديا يحكمها سيفاكس الذي رفض التعاون مع روما والاستمرار في تحالفه مع قرطاج، وبانضمام ماسينيسا إلى الجيش الروماني بقيادة سيبيون تم احتلال قسنطينة وقتل سيفاكس سنة 203 ق. م، وانتهت المؤامرة بحرق قرطاج بطريقة بشعة سنة 146 ق. م.
ويروي المؤرخ اليوناني بولبيوس “أن سيبيو أميليانوس مدمر قرطاج بكى تأثرا بما آل إليه عدوه، فاستعرض أمامه الحقيقة المتمثلة في أن الأفراد والأمم والإمبراطوريات نهايتها محتومة، وكذلك نصيب مدينة طروادة العظيمة، ونهاية الإمبراطوريات الأشورية، والميدية، والفارسية، والتدمير الأخير لإمبراطورية مقدونيا الكبيرة. تمعّن في هذا كله ثم ردد بقصد أو بدون قصد، كلمات هكتور في إلياذة هوميروس: (سيأتي اليوم الذي تسقط فيه طروادة المقدسة، وكذلك الملك بريام وجميع رجاله المسلحين معه)”، وعندما سأل المؤرخ اليوناني بوليبيوس، سيبيو: “ماذا تقصد بهذا؟“، التفت إليه القائد الروماني وقال بتأثر: “هذه لحظة عظيمة يا بوليبيوس.. إن الخوف يتملكني من أن نفس المصير سيكون لوطني في يوم من الأيام“. وكأن سيبيو أميليانوس وهو يلقي بنبوءته هذه، كان يستشف أحداث المستقبل ويتحسسها، تحسس أحد رجالات الدنيا الكبار، بأنه سيأتي أحد أحفاد أرومة القرطاجيين العروبيين بعد ثمانية قرون، لينهي الإمبراطورية الرومانية الظالمة، لكن بغير الأسلوب الوحشي اللاإنساني الذي أنهيت به مدينة قرطاج. ولم يكن هذا الحفيد سوى محمد صلى الله عليه وسلم.
رابعا: أود توضيح أنني أمازيغي بربري أنتمي إلى أكبر قبيلة أمازيغية وهي قبيلة اللمامشة، وأنني أعتبر ماسينيسا (واسمه الأصلي الأمازيغي العروبي مسن سنّا أي مسن المسنين، وهي تسمية عربية أخذها الأوروبيون فسمى مجلس الشيوخ (سينا)، أعتبره غير جدير بالاحتفال به وأن الجدير بذلك هو سيفاكس الذي مات شهيدا وهو يدافع عن قرطا ونوميديا وقرطاج ضد الاستعمار الروماني. إن البربر عرب واللغة البربرية الأمازيغية عربية حميرية وقد أثبتُّ في كتابي (معجم الجذور العربية للكلمات الأمازيغية) بأن تسعين في المائة من كلماتها عربية عاربة أو مستعربة. وأن أبا النهضة الجزائرية عبد الحميد بن باديس امازيغي صنهاجي.
خامسا: منذ القرن الثاني الهجري شعر الأمازيغ بأن الخلفاء الأمويين والعباسيين قد انحرفوا عن الإسلام الراشدي، فثاروا عليهم وكوّنوا دولا، وحُكم المغرب العربي من تسع قبائل أمازيغية لم يحدث أن قال أمير منهم إنني غير عربي وإن لغتي العربية غير لغتي، بل خدموا اللغة العربية، فأول من نظم النحو العربي في ألف بيت هو ابن معطي الزواوي القبائلي من الجزائر سابقاً ابنَ مالك في ألفيته بقرن من الزمن، وأول من ألف كتابا في النحو اسمه (الأجرومية) هو ابن أجروم من بربر المغرب. وأن البصيري صاحب قصيدة البردة الشهيرة أمازيغي من قبائل الجزائر. واستمر الوضع هكذا إلى أن جاء الاستعمار الفرنسي إلى المغرب العربي سنة 1830 فرفع شعار النزعة البربرية Berberisme من باب “فرِّق تسد“، وتكوّن بذلك البربريون المعادون لانتماء المغرب العربي إلى العروبة.
المراجع:
[1] Henri Basset : Les influences Puniques chez les Berberes : Revue Africaine V 62 P 340
[2] P.CINTAS, Ceramiques Puniques,Paris 1950,