الرأي

لكل عهد دليل، ودليل هذا العهد خليل

عابد شارف
  • 6413
  • 17

الحرب سجال، يوم لصالح شكيب خليل، ويوم لصالح عمار سعيداني…. وقد التقى الرجلان في مرحلة ما، ليصبحا رموزا لمرحلة من تاريخ الجزائر… ثم افترقا من جديد…

وصل كل من شكيب خليل وعمار سعيداني إلى أعلى المسؤوليات في عهد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، لكن طريقهما افترق منذ سنوات. فبينما انطفأ نجم عمار سعيداني، الذي شغل منصب رئيس المجلس الشعبي الوطني خلال العهدة الأولى للرئيس بوتفليقة، بقي نجم السيد شكيب خليل يلمع، وأصبح الرجل من أكثر الناس تأثيرا على الاقتصاد الوطني، كما كان أكثر الجزائريين تأثيرا على الاقتصاد العالمي، بفضل سلطته على قطاع المحروقات، وقدرته على التأثير على الصفقات، وقدرته على تغيير القوانين، إلى جانب نفوذه كعنصر بارز في المجموعة التي تحكم البلاد.

وفجأة، تغيرت الأوضاع، وانطفأ نجم شكيب خليل، وأصبح الرجل يشكل رمزا سلبيا في البلاد، واعتبر الكثير أنه يكون قد سافر إلى الخارج وأنه لن يعود أبدا إلى الجزائر. وفي نفس الوقت، يتردد كلام عن عودة عمار سعيداني إلى الواجهة السياسية، ليفرض نفسه كأمين عام لحزب جبهة التحرير الوطني، مما سيفتح له بابا ليبدأ حياة سياسية جديدة.

وما أغرب مسار هذين الرجلين، لأنهما مختلفان جذريا، وكان من المفروض ألا يلتقيا أبدا. وشكيب خليل ينتمي إلى الجيل الأول، من أولئك الذي تجاوزوا سن العشرين قبل الاستقلال. وقد كان من المحظوظين حيث تكفلت الدولة الجزائرية بتكوينه قبل الاستقلال، ليكون ضمن إطارات الدولة الجزائرية التي كان يحلم بها ذلك الجيل. وشكيب خليل تقني، متكون في المدرسة الغربية. وهو من المقربين من الرئيس بوتفليقة، وصديق له، وتوصل إلى السلطة بفضل علاقته هذه لا أكثر ولا أقل. ويعيش السيد خليل في عالم خاص، يجول بين العواصم، ويتكلم مع المختصين في الاقتصاد ومن يتحكمون في بوصات العالم، وكان مقيما في أمريكا، ويحمل الجنسية الأمريكية.

قضية عامل سعيداني أخطر من قضية شكيب خليل، لأن خليل هرب لما انفضح أمره، أما سعيداني، فإنه يتعامل مع الأوضاع وكأن كل شيء عادي، أي أن الفساد شيء عادي جدا، يجب قبوله في حياتنا السياسية والاقتصادية، بل وفي أخلاقنا.

أما السيد سعيداني، فإنه من الجيل الثاني، ودخل السياسة من باب النقابة، ويقال عنه إهن لم يكن يتردد على المواجهات والمعارك، ويفضل “الدبزة” على النقاش. وأدى به هذا المشوار إلى مواجهة الإسلاميين، فحمل السلاح ضد الإرهاب في مرحلة صعبة، وبرهن أنه قادر على التصدي، وأنه لا يخشى الحرب، ولا المعارك الصعبة.

ولم يدخل الرجل أبواب الجامعة إلا بعد أن دخل المجلس الشعبي الوطني وأصبح رئيسا له، ويمكن القول أنه مارس السياسة “بالمقلوب”، حيث ترأس المجلس الشعبي الوطني قبل أن يعرف دوره الحقيقي، ودخل في حروب قبل أن يتضح له جيدا ما هي الأطراف التي كانت تشارك في المواجهة وما هي القضايا الكبرى المطروحة. وسيكتب التاريخ لهذا الرجل أنه ذهب إلى الجامعة وبذل مجهودا حقيقيا ليواصل دراسته في العلوم السياسية في سن كان آخرون يعتبرون أنهم وصلوا سن التقاعد.

ولكن رغم كل هذا الاختلاف، اجتمع شكيب خليل وعمار سعيداني في تعاملهم مع المال، حسب ما جاءت به الصحافة. وحسب ما تم نشره لحد الساعة، فإن السيد شكيب خليل قد يكون متورطا في قضايا بلغت إحداها 257 مليون دولار. والواضح أن الرجل يتعامل بالعملة الصعبة التي يتداولها مع أصدقاء آخرين بين نيويورك ودبي وهونغ كونغ وغيرها من عواصم المال في العالم. أما السيد عمار سعيداني، الذي جاء من الجنوب، وزحف نحو العاصمة، فإن القضايا التي ذكر اسمه فيها متعلقة بأراضي فلاحية، وبأموال كانت موجهة لاستصلاح الأراضي، وقيل إن هذه المبالغ قد تصل 32 مليار دينار، أي حوالي 220 مليون دولار، وهو رقم يقترب من القضية التي تورط فيها السيد شكيب خليل.

ونصل إلى بيت القصيد، وهو أن الرجلين، ورغم كل ما يفرقهما، فقد التقيا في قضية الاستيلاء على المال العام بطريقة غير قانونية، مع وجود مبالغ هائلة. وسيشترك الرجلان، مهما كان مصيرهما، في مساهمة لا مثيل لها في انتشار الفساد، حيث قال أحدهم على الأنترنات أنه يعتبر من أن اللغة العربية قد عرفت دخول مصطلح جديد، وهو فعل “شكب”، أي استولى على مبالغ هائلة بطريقة غير قانونية.

وإذا كان السيد خليل قد أصبح أسطورة ستدخل تاريخ الفساد، فإن السيد سعيداني سيكون الرجل الذي جعل من الفساد شيء عاديا. فرغم كل ما قيل وكتب عنه، فقد عاد الرجل اليوم، وهو ينوي أن يترشح ليقود أشهر حزب في البلاد، وكأن شيئا لم يحدث. وأقول صراحة: هذا أخطر من قضية شكيب خليل، لأن خليل هرب لما انفضح أمره، أما سعيداني، فإنه يتعامل مع الأوضاع وكأن كل شيء عادي، أي أن الفساد شيء عادي جدا يجب قبوله في حياتنا السياسية والاقتصادية، وحتى في أخلاقنا، وأنه لا مانع من وصول رجال متهمين في قضابا الفساد إلى أعلى المناصب… أيوجد رمز أخطر من أن يصبح رجل متهم في قضية فساد قائدا منتخبا لأول وأشهر وأعرق حزب في البلاد؟

مقالات ذات صلة