الرأي

للأسف‮… ‬ضيعنا فرصًا عديدة‮!‬

حفيظ دراجي
  • 4499
  • 0

معروف في‮ ‬كرة القدم أن الفريق الذي‮ ‬يضيع فرصا كثيرة لتسجيل الأهداف وتحقيق الفوز هو الذي‮ ‬يتلقى أهدافا ويتعرض للخسارة،‮ ‬لأنه لم‮ ‬يستغل الفرص التي‮ ‬أتيحت له‮. ‬ولأن الكرة تبتسم لمن‮ ‬يستثمر في‮ ‬فرصها،‮ ‬فإننا أيضا لم نستثمر في‮ ‬مشاركة المنتخب في‮ ‬دورتين متتاليتين لنهائيات كأس العالم،‮ ‬من أجل إعادة بعث الكرة عندنا،‮ ‬من خلال التكوين وبناء المرافق ودخول عالم الاحتراف في‮ ‬التسيير‮. ‬فكانت النتيجة تضييعنا فرصة تطوير ممارسة كرة القدم في‮ ‬الجزائر،‮ ‬وربما تضييعنا منتخبنا الوطني‮ ‬الذي‮ ‬تراجع ولم‮ ‬يعد كما كان من كل الجوانب‮! ‬

‭‬أردت أن أسقط هذا المثال على أحوالنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية اليومية التي‮ ‬تميزت بتضييع كثير من الفرص للرقي‮ ‬بمجتمعنا وبلدنا إلى مصاف الدول المتحضرة والمتطورة‮. ‬وضيعنا على أبنائنا الوقت والجهد والمال من دون ضمان مستقبل واعد وأمن في‮ ‬كنف الحب والاحترام،‮ ‬وليس الحقد والكراهية التي‮ ‬نلمسها اليوم في‮ ‬ممارساتنا التي‮ ‬تتميز بكثير من الاحتقان بعدما اكتشفنا فشلنا على كل المستويات‮! ‬

ظروف كثيرة سمحت لبلدنا بأن‮ ‬يتوفر على موارد بشرية وطبيعية ومادية كبيرة لم نحسن استغلالها والاستثمار فيها،‮ ‬وعوامل أخرى لم تتوفر في‮ ‬كثير من البلدان كان بإمكانها أن تخرجنا من دوامة التخلف والإقصاء والتراجع الذي‮ ‬نتخبط فيه‮. ‬وكان بإمكانها أن تسمح لنا اليوم بتجاوز مرحلة تراجع المداخيل وانخفاض أسعار النفط وقيمة الدينار،‮ ‬وازدياد حدة الاحتقان في‮ ‬الأوساط السياسية والاجتماعية لنصل إلى حد أدنى من النمو والطمأنينة والقناعة والثقة‮!  ‬

طيلة العقدين الماضيين توفرت في‮ ‬الجزائر موارد مالية لم‮ ‬يسبق لها مثيل عندما بلغ‮ ‬سعر برميل النفط‮ ‬120‮ ‬دولار،‮ ‬وتوفرت فرص تحقيق التنمية الشاملة لو استثمرنا فيها من أجل إنتاج الثروة في‮ ‬مجالات السياحة والصناعة والفلاحة والخدمات،‮ ‬لكننا اكتفينا بالإنفاق العشوائي‮ ‬من أجل تحقيق السلم الاجتماعي‮ ‬وبتوزيع الريع على الجزائريين،‮ ‬وشراء ذممهم وإقصاء بعضهم والتضييق على بعضهم الآخر،‮ ‬اعتقادًا منا أن بناء دولة بحجم الجزائر‮ ‬يقع على عاتق السلطة فقط دون‮ ‬غيرها من الأحزاب وجمعيات المجتمع المدني‮ ‬والشخصيات الوطنية،‮ ‬ومن دون إعلام وطني‮ ‬حر ومسؤول‮ ‬يرافق كل مشاريع التنمية البشرية والمادية‮!   ‬

لم نستثمر أيضًا في‮ ‬الموارد البشرية والطاقات والكفاءات التي‮ ‬تتوفر عليها الجزائر في‮ ‬كل المجالات،‮ ‬فدفعنا بأكثر من مليون شخص إلى الهرب والهجرة في‮ ‬ظرف‮ ‬10‮ ‬سنوات‮. ‬وفي‮ ‬المقابل،‮ ‬شجعنا الرداءة والرديئين وأصحاب المال الفاسد،‮ ‬وأقصينا الكفاءة والذكاء وذوي‮ ‬الأخلاق والمبادئ،‮ ‬مما ساهم في‮ ‬تراجع نسبة النمو وزيادة الاحتقان السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬عوض المحبة والتعاون بيننا‮.‬

لم نستثمر في‮ ‬الاستقرار السياسي‮ ‬والاجتماعي‮ ‬الذي‮ ‬تميزت به الجزائر منذ بداية الألفية بسبب انشغال البعض بضرورة البقاء في‮ ‬السلطة،‮ ‬وتركيز البعض الآخر على الوصول إليها بكل الطرق،‮ ‬بينما راح الانتهازيون‮ ‬يزدادون ثراء وغنى باستعمال وسائل‮ ‬غير مشروعة أدت إلى فضائح نهب وفساد ليس لها مثيل في‮ ‬تاريخ الجزائر،‮ ‬وأدت إلى ظهور أثرياء جدد‮ ‬يبيعون ويشترون في‮ ‬كل شيء حتى في‮ ‬المناصب السياسية والإدارية بمساعدة جيش من المنتفعين سيصعب لاحقا محاسبتهم أو إبعادهم عن المناصب الحساسة‮!    ‬

ولأننا لم نشرك الجزائريين الخيرين في‮ ‬تحقيق التنمية الشاملة،‮ ‬ولم نستثمر في‮ ‬الإمكانات والثروات،‮ ‬ولم نستغل الفرص التي‮ ‬أتيحت لنا لبناء الدولة والفرد على أسس فكرية وأخلاقية وعلمية،‮ ‬فإننا وجدنا أنفسنا اليوم نتخبط في‮ ‬متاعب ومشاكل عديدة بمجرد تراجع المداخيل‮. ‬ووجدنا أنفسنا مهددين في‮ ‬أمننا وقوتنا ومستقبل أبنائنا بسبب الرداءة المتفشية في‮ ‬عديد المواقع‮. ‬وصارت حالنا تشبه حال ذلك الفريق الذي‮ ‬أتيحت له فرص تسجيل الأهداف وتحقيق الفوز،‮ ‬لكنه ضيعها وخسر المباراة بسبب أنانية لاعبيه وعدم التزامهم وانضباطهم فنيا وتكتيكيا داخل الميدان‮!

مقالات ذات صلة