-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

لماذا غاب البُعد الوحدوي في تسمية الجامعات؟

لماذا غاب البُعد الوحدوي في تسمية الجامعات؟

عندما نلتُ شهادة البكلورية سنة 1977م كان في الجزائر –حسب علمي- خمس جامعات فقط وهي: (الجزائر 1886م، وهران 1950م، قسنطينة 1969م، عنابة 1975م، باتنة 1977م)، فضلا عن العديد من المعاهد العلمية العليا الكبرى والتي كان التسجيل فيها وطنيا. وكانت كل جامعة تحمل اسم المدينة الموجودة فيها، ثم جاءت عملية تسمية الجامعات فبدأت بعض الجامعات الموجودة تُسمى ببعض الشهداء فأخذت جامعة قسنطينة تسمية (الإخوة منتوري)، ثم تلاها تدشين جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية بقسنطينة سنة 1984م، لتحمل اسم الأمير عبد القادر رحمه الله، على أن تؤسس جامعة أخرى موازية لها في الغرب الجزائري وتسمى جامعة عبد الحميد بن باديس التي تأخرت وسُميت بها منذ عقد تقريبا جامعة مستغانم.

وظلت الجامعة الجزائرية سليلة ووليدة للدولة الجزائرية الوطنية الحديثة المستقلة كما كنا نحس ونشعر ونحيا فيها كطلبة جامعيين جزائريين وطنيين بالرغم من اختلافنا الإيديولوجي مع القائمين عليها يومئذ، وقد حاول الرؤساء الراحلون يرحمهم الله كل وفق توجهه ومنطلقاته (أحمد بن بلة ت 2012م، هواري بومدين ت 1978م، الشاذلي بن جديد ت 2012م) أن يبعث الروح في الجامعة على أساس أنها عماد نهضة الأمة، وقد تخرَّج منها العباقرة والمبدعون والباحثون والعلماء الأكابر.. يوم أن كانت مُنتِجة للرجال والعلماء سنوات 1964-1992م، ثم جاءت مرحلة تقويض ما بناه الأوائل وانخرطت الجزائر في الفتنة والحرب على الإرهاب والإرهاب المضاد حتى دفعت فاتورة تكلفتها غالية جدا من نهضتها وتقدّمها وكرامتها.. أعقبتها مرحلة 1999-2019م التي أجمعت كل الدراسات والتحليلات على نقدها وإدانتها والتحضيض بها ووصمها بوصمة الفساد وهيمنة المفسدين..

وهنا غابت معالم الدولة الوطنية الجزائرية التي كنا نحس بها في عهود الرؤساء الثلاثة الراحلين، إذ كانت العصبية المسيطِرة والموجِّهة والحاكمة –كما يقول ابن خلدون ت 808هـ 1406م- هي عصبية الدولة، بالرغم من سطوة وهيمنة عصبية القبيلة يومئذ، التي قتلتها الدولة الوطنية بمظهرها الوحدوي والاستقلالي العادل، وانكفأت الجزائر مجددا تحت ظلال عصبية القبيلة والجهة، وغابت فيها عصبية الدولة، بل وللأسف الشديد فقد ظهرت عصبيات أخرى جمعت المفسدين والفاسدين واللصوص والمرتزقة والغشاشين وناهبي أموال الأمة ومحطمي صرحها الديني والأخلاقي والقيمي والتاريخي.. ومعها برزت مسألة تسمية الجامعات التي غابت عنها روح الدولة الوطنية وأضحى كل أهل بلدة ينكفئون على أنفسهم وجِهتهم، وبدا ذلك جليا من خلال تسمية الجامعات، التي صارت تأخذ بعدا أنانيا وجهويا ضيقا..

وعلى الرغم من نجاة بعض أجزاء من الوطن من الوقوع في مصيدة الجهوية والمحلية القاتلة، فإنَّ الكثير من ربوع الوطن وقواه الحية للأسف الشديد انكفأتْ على نفسها وانطوت على إنيتها المحلية، لما رأت من عجز الحكومة المركزية عن ضمان التوزيع العادل للثروات والمساواة بين الجزائريين.. وبدا ذلك جليا في إطلاق التسميات على الجامعات، وارتكستْ للأسف الشديد مدن وقرى الجزائر على نفسها وأعلامها ورجالها، تطلق أسماءهم على مجمل المباني والمنشآت والمؤسسات والهيئات والمرافق.. وصرتَ قلّما تجد من يعتبر أن هذا الشهيد أو ذاك المجاهد، أو تينك العالم أو المفكر أو الفقيه جزائريٌّ وطني ينتمي إلى الجزائر كلها عموديا وأفقيا، ولا ينتمي إلى مدينة أو قرية أو دشرة بعينها، بل ينتمي إلى الجزائر كلها.

وعدا بعض الجامعات التي برئت من مرض العنصرية والعصبية القبلية كجامعة قاصدي مرباح بورقلة، علي كافي بتندوف، وجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم، وأحمد دراية بأدرار.. وغيرها القليل، نجد غيرها سقط في وحل المحلية والجهوية بل الأنانية الضيقة والمقيتة جدا، فهذه جامعة الشيخ العربي التبسي بتبسة، وهذه جامعة حمّة لخضر بالوادي، وهذه جامعة الحاج لخضر بباتنة، وهذه جامعة مصطفى بن بولعيد بباتنة، وهذه جامعة العربي بن مهيدي بأم البواقي، وهذه جامعة فرحات عباس بسطيف، وهذه جامعة البشير الإبراهيمي بالبرج، وهذه جامعة باجي مختار بعنابة، وهذه جامعة الشاذلي بن جديد بالطارف، وهذه جامعة عمار ثليجي بالأغواط، وهذه جامعة صالح بوبنيدر وعبد الحميد مهري بقسنطينة، وهذه جامعة محمد بوضياف بالمسيلة، وهذه جامعة محمد الشريف مساعدية بسوق أهراس.. وهذه.. وهذه.. والقائمة تطول..

والمعضلة الكبرى والسؤال المحوري هنا هل جاهد واستشهد العربي بن مهيدي من أجل ولاية أم البواقي؟ وهل ذاب جسد الشيخ العربي التبسي في القار والزيت المغلي من أجل تبسة؟ وهل جاهد واستشهد المجاهد الشهيد حمة لخضر من أجل وادي سوف؟ وهل وهل..؟

والحقيقة التي يجب أن نصارح بها أنفسنا والأجيال أننا أخطأنا وضللنا الطريق عند ضيقنا الواسع، وأننا ساهمنا من قريب أو من بعيد في تمزيق هذا الوطن سواء أعلمنا أم لم نعلم، وأننا أعنّا أعداء الجزائر في الداخل وما أكثر الأوفياء من العبيد المشبَّعين بالقابلية للاستعمار لذل العبودية والعيش في ظلال المتغطرسين، كما أننا أعنّا كل المتربصين لها في الخارج وعلى حدودها، وعلى رأسهم العدو التقليدي فرنسا التي لا ولن يهنأ لها بالٌ حتى تستعمرنا من جديد.. هذا العدوّ الذي شارك بقوة في الحروب الصليبية (491-699هـ 1095-1299م)، وفي حروب البلقان ومصر واقتسام ممالك وإرث الدولة العثمانية (1798-1912م)، التي أطلقت عليها وصف “الرجل المريض”، وساهمت في العدوان على الجزائر سنوات 1534-1830م.. والتي شاركت بقوَّة في قمعنا وإذلالنا وقهرنا وتركيعنا وتجويعنا وسحقنا طيلة الفترة الاستعمارية البغيضة 1830-1962م، وكان لها حضورٌ بارز في فتنة 1992-1999م، والتي مازالت تساهم في إثارة الحروب والفتن والمشاكل عبر حدودنا الشاسعة ولاسيما في دول الساحل الإفريقي بغرض تعويقنا وإضعافنا وشغلنا بمشاكلنا اليومية..

كما يجب أن نصارح أنفسنا ونقول بكل جدِّية وعزم: لقد غدرنا بعهد الشهداء ونقضنا عهودنا مع المجاهدين الذين ضحُّوا من أجل جزائر موحدة شكلا وروحا، ظاهرا وباطنا، قلبا وقالبا.. فهل استشهد العقيد علي سواعي وعلي النمر وشريط لزهر.. من أجل تبسة أو باتنة؟ وهل ناضل مولود معمري وعبد الرحمن ميرة وفرحات عباس وبن يوسف بن خدة وأحمد بن بلة.. وغيرهم من أجل قراهم أو مدنهم أو عشائرهم أو قبائلهم أو أسرهم؟

على بناة الجزائر الجديدة أن يبادروا إلى إعادة تسمية الجامعات على حسب أقدار الرجال؛ فالرجال الكبار جماعة الستة مفجّري الثورة التحريرية يجب أن يكونوا في مقدمة الجامعات الكبيرة مثلا، وكبار المجاهدين والشهداء يلونهم، ثم علماء وفقهاء وأدباء الأمة كل حسب تخصصه، وكما أعدتم تنظيم خارطة تعيين رؤساء الجامعات خارج ولاياتهم كما كان معمولا به سابقا وهو تصحيحٌ شجاع، فعليكم أن تعيدوا النظر في التسميات مراعين أفق الوحدة الوطنية، فلِـــمَ لا يُطلق اسم الشهيد عبد الرحمن ميرة أو مولود معمري على جامعة تبسة، ويطلق اسم مالك بن نبي على جامعة تيزي وزو مثلا، واسم أحمد بن بلة على جامعة البرج، واسم البشير الإبراهيمي على جامعة عنابة، واسم الشاذلي بن جديد على جامعة الجلفة.. وهكذا.. تتم وتُرسم صورة جميلة للوحدة الوطنية كما كانت حينما كنا طلبة في جامعة عنابة وكان زملاؤنا من كافة أنحاء القطر الجزائري.. يديرها العالمان قادة علاب، ثم عبد الحميد أبركان أطال الله في أعمارهما ومتَّعهما بالصحة والعافية، وقد بدا لي تصديقُكم والوثوق بكم ولاسيما أن اتجاه بوصلة الجزائر الجديدة يتأكد بتعيين ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب كوضعكم مؤخرا الأستاذ الدكتور القدير المستقيم والنزيه والمحترم جدا عبد الكريم قواسمية على رأس جامعة تبسة وهو الذي أصلح وسيصلح ما أفسده غيرُه فيها.. وهكذا انطلقوا بنا نحو أفق النهضة والتقدم، وأقلعوا بالجزائر حقيقة لا دعاية وتمويها.. يؤتكم الله أجركم مرتين.. أللهم اشهد أني بلّغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • الوطني الغيور

    يجب علينا نحن الجزائريون أن لا نترك أي فرصة من اجل تدعيم الوحدة الوطنية الشاملة.. لأن الجزائر مهددة من الداخل والخارج.. لا يهنأ لأعدائها بال مالم يفككوا وحدتنا.. أللهم نصرك وسترك الذي وعدتنا به..