الرأي

لماذا لا يستفيد المغاربة من منطق القوقاز؟

محمد سليم قلالة
  • 5601
  • 10
ح.م

ينبغي أن نستفيد نحن المغاربة مِمَّا حدث في القوقاز. مفتاح الحل لأزمة “ناغورني قرة باغ” كان في تولي القوى المحلية زمام المبادرة (روسيا، تركيا، أذربيجان، أرمينيا)، بعيدا عن الولايات المتحدة وفرنسا الأعضاء في مجموعة منسك (منذ 1992) التي كان يُفترض أن تجد حلا سلميا لها، ولم تفعل…

لمَّا تم تحييد فرنسا والولايات المتحدة، توصَّلت الأطراف المتنازعة إلى حل. وبدأ مسار قوقازي محلي يبشّر بأن المنطقة ستعرف حقيقة سلاما تاريخيا عادلا، وتبتعد عن الحرب التي ما فتئت تُغذِّيها القوى الخارجية البعيدة عن المنطقة وتَسهر على ديمومتها، بحجة الدفاع عن الأرمن تارة، والمسيحية أخرى، وحماية أوروبا من عودة الهيمنة العثمانية تارة ثالثة، بل إن المؤشرات الأولى تدلُّ أن تقاربا واسعا بين أرمينيا وتركيا بدأ يلوح في الأفق لطيِّ صفحة نحو قرن من الخلاف، وأن هناك إمكانية لإعادة فتح الحدود بين البلدين بما يخدم مجموع السكان الأرمن والأتراك والأذريين وقاطني الإقليم المتنازع عليه.

ولأن الاستعمار الغربي لا يقبل أن تُحَلَّ المشكلات الدولية بعيدا عن إرادته، بل لا يُريدها أصلا أن تُحَل، لكي يستمر في ابتزاز الأطراف المتصارعة والهيمنة عليها ومَدِّها بالسلاح لتتقاتل أكثر، فقد كان الموقف الفرنسي من هذا القبيل.

لقد قام البرلمان الفرنسي في 25 نوفمبر الماضي، بخطوة غريبة وغير مسبوقة في التاريخ بإصدار لائحة تطالب الحكومة الفرنسية بالاعتراف بإقليم “ناغورني قرة باغ” دولة مستقلة، برغم أن أرمينيا ذاتها -التي تزعم فرنسا الدفاع عنها ومن خلالها عن المسيحية- لم تُطالب بذلك، ولا توجد دولة في العالم دعت إلى ذلك…

وفي هذا تأكيد آخر على أن القوى الدولية الغريبة عن الإقليم أو عن الدولة إذا كان النزاع داخليا، عندما ترى بأن المحليين تَمكنوا (فيما بينهم) من حل مشكلاتهم بطريقة أو بأخرى، لنتترد في تأجيج الصراع مرة أخرى وبجميع الوسائل، بما في ذلك استغلال برلماناتهم وديمقراطيتهم التي تتحول إلى رافضة للسلام داعية للخلافات والصراع والحرب. وهو الأسلوب الذي مورس في ليبيا، ثم تُرِكت إلى حد الآن تتخبط في حرب أهلية، وفي مالي لكيلا تقوم قائمة لهذا البلد الشقيق، وفي العراق وسوريا واليمن والسودان، ويسعون إلى ممارسته اليوم على حدودنا الغربية، لكي لا تقوم قائمة لوحدة المنطقة المغاربية، وتستمرّ الحدود مغلقة بين الجارتين الشقيقتين، وتستمرّ هذه الدولة الاستعمارية وغيرها من الاستعماريين الجدد والقادمين للتو، في نهب ثرواتها والهيمنة على حكوماتها وشعوبها.

إن موافقة البرلمان الفرنسي على استقلال إقليم “ناغورني قرة باغ” التي كادت تكون بالإجماع (صوت واحد فقط كان ضدّ اللائحة في مجلس الشيوخ و13 صوتا فقط ضدّ بالغرفة السفلى)، بَعد أن وضعت الحرب أوزارها واتفقت الأطراف المحلية على تسوية سلمية برعاية روسية، تدلُّ دلالة قاطعة على طبيعة السياسة الخارجية لهذه الدولة التي مازالت تتحرك بمنطق استعماري استعلائي لا شك فيه مع بقية العالم. الأمر الذي ينبغي أن يَدفع بجميع القوى الوطنية في منطقتنا المغاربية المُوسَّعة إلى دول الساحل الإفريقي وإلى عمق افريقيا، إلى ضرورة التوجه نحو حلٍّ محلي لمشكلاتنا المختلفة سواء أكانت حدودية أو داخلية، وأن ننتبه بالدرجة الأولى إلى الدور الفرنسي غير المحايد وغير البريء وغير السلمي، وإلى أدوار بقية القوى الأجنبية الغريبة عن المنطقة.

ولماذا لا نلجأ إلى حلٍّ على الطريقة القوقازية التي باتت تُبشِّر بأن مناطق الحدود التي كانت مُغلَقة، أو تُستعمَل كفتيل لتحريك النزاعات، ستتحول إلى مناطق توحيد ومصالح مشتركة وأمل بين الشعوب؟

مقالات ذات صلة