الرأي

لمن تقرأ زبورك يا أويحيى؟!

قبل يومين، مرّ اليوم العالمي لمحاربة الفساد، المصادف للتاسع ديسمبر من كل سنة مرور الكرام في الجزائر، في وقتٍ لفت الوزيرُ الأوّل أحمد أويحيى، خلال اختتام اجتماع الحكومة بالولاّة قبل أيّام، إلى هدر المال العام من طرف مسؤولي الإدارات في تنفيذ الصفقات العموميّة.
وبالأرقام، كشف أويحيى أن تأخير إنجاز المشاريع كلف خزينة الدولة تخصيص 50 ألف مليار سنتيم لتغطية فارق الكلفة، وحمّل الولاة مسؤولية إعادة التقييم، وحذّرهم من التهاون في صيانة المال العام، مشدّدا على تطبيق بنود الصفقات العمومية لخفض تكلفة عروض المؤسسات المكلفة بالمشاريع العمومية، لأنّ أسعار العقود لم تتغير برغم تراجع أسعار المواد الأولية كالإسمنت وحديد الخرسانة.
صراحة الوزير الأوّل تؤكّد أنّ بعض القائمين على الشأن العام حريصون على تنمية ثروات الخواصّ والدفاع عن مصالح المقاولات، تحت ذريعة “حسن سير المرفق العام”، لكنهم غير معنيّين تمامًا بحراسة المال العامّ من جشع المتعاملين وهُم يلتهمون دون حسيب ولا رقيب.
ما معنى أن تصرف الدولة ضمن نفقات الميزانية الجارية 15 ألف مليار (ما يعادل 1.2 مليار دولار) لتغطية عمليات إعادة تقييم في مشاريع السكن والأشغال العمومية، بينما لم نسمع أنّ ولاية واحدة قد استرجعت ولوْ مليارًا واحدًا لصالح الخزينة العموميّة، جرّاء مراجعة الأسعار المنخفضة بفعل نهاية المضاربة في المواد الأوليّة التي زاد إنتاجُها المحلّي عن الكفاية؟!
لا ندري إنْ كان المشكل مطروحًا أساسًا على مستوى التشريع، أم أنّ القضيّة تتعلّق بهيمنة اللصوص على سلطة النصوص، إذ يفعّلونها ذودًا عن مآربهم الخاصّة وقت الحاجة، بينما يعطلونها إذا مسّت بمنافعهم الضيّقة؟
لا نُريد أن نُصدر الأحكام في حق أيّ طرف، لكننّا سنعود بشيء من التفصيل لبنود قانون الصفقات العموميّة الجاري العمل به ومبادئه الأساسيّة، ونترك التعليق والإفادة للمختصين.
من الواضح أنّ المشرِّع الجزائري قد أخذ بمبدأ الحق في التوازن المالي، وفق نظريتيْ “فعل الأمير” المعروفة لدى المختصين في القانون الإداري، وكذا “الظروف الطارئة”، على غرار ارتفاع أسعار المواد الأولية للإنجاز، وذلك بهدف حماية المتعاقد المتعامل من الخسائر الناجمة عن الأعباء المستجدّة، سواء بفعل قرارات الإدارة العامّة أو لأسبابٍ خارجة عن نطاق الطرفين المتعاقدين، ما يفرض ضرورة إعادة تقييم الكلفة النهائية تفاديًا لإفلاس المؤسسات المُنجزة.
ودون شكّ، فإنّ المبدأ القانوني المُشار إليه مشروع، لكنّ المرسوم الجديد (247/15) المنظِّم لإجراءات الصفقات العموميّة تضمّن بندًا مهمّا في عشر مواد (من 97 إلى 107) يخوّل أطرافها مراجعة الأحكام المالية، من خلال تغيير السعر أو تحيينه مع العوامل والظروف الطارئة، غير أنّ اللافت للانتباه أنّ المشرّع وضع ذلك ضمن حقوق المتعامل المتعاقد، فلماذا تمّ إغفال حقوق المصلحة المتعاقدة التي تمثلها الإدارة العمومية، طالما أنّ الأسعار يمكن أن ترتفع أو تنخفض؟
قد يكون القانون قابلاً للتأويل بهذا الشأن لصالح الإدارة العموميّة وليس مقتصرًا على حقوق المتعاملين الخواصّ، ذلك ما يوحي به توجيه الوزير الأوّل للولاة بتفعيل بنود الصفقات العموميّة، وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يُدرَج مثل هذا التقاعس الإداري تحت طائلة التجريم المشمول بالقانون 06/01 المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته، كونه يمنح امتيازاتٍ غير مبررة تحت عنوان الصفقات العمومية؟!

مقالات ذات صلة