لم كل هذا الإذلال لمبارك؟ !
“عندما يسقط الثور تكثر السكاكين” مثل ينطبق تماما على ما يتعرض له الرئيس المصري المخلوع، هذه الأيام من إمعان في الإذلال في قاعة المحكمة وداخل السجن وفي الصحف والفضائيات، وحملة التنكيت التي طالته وهو في أضعف موقف وأهون رواق.
صحيح أن مبارك ونظامه البائد ألحقا أضرارا جسيمة بالشعب المصري، ورميا به في واد سحيق من الفقر والحرمان، وورطاه في معاهدات ومعاملات مرفوضة مع الصهاينة، ونال جزاءه بالخلع والمثول أمام المحاكمة في صورة “مذلة” أثلجت صدور كل ضحاياه من أبناء الشعب المصري.
لكن أن يتحول الأمر إلى تعذيب للرجل أمام العالم، وتسريب كل ما يحدث له داخل السجن من مواقف مهينة، ونشرها في الصحف إمعانا في الإذلال والإهانة لرجل قاد المصريين أربعين سنة، وكانت كلمته مسموعة بينهم وكانت نسبة كبيرة منهم تدين له بالولاء والحب.
“ارحموا عزيز قوم ذل”، هذا ما يقوله ديننا الحنيف، وتحث عليه كل الأعراف، ثم إن الوفاء صفة نبيلة كان على الإعلام المصري الذي كان يتسابق لنيل رضا مبارك وحاشيته والمقربين أن يتصف بها، ويحتفظ بالقليل من الوفاء لهذا الرجل الذي حكم المصريين لأربعين سنة
لا يمكن أن يكون بطلا أو شجاعا من ينتقد مبارك ويهينه هذه الأيام، فالأبطال الحقيقيون قالوا كلمتهم في عز أيام مبارك، ودخلوا من أجل ذلك السجون والمعتقلات، أما وأن تتسابق الفضائيات والصحف في إهانة الرئيس المخلوع والتنكيت عليه والتلذذ بذلك فو الجبن بعينه.
كان على هؤلاء أن يراعوا ظروفه الحرجة، وأن يحترموا فيه مبارك الإنسان وأن لا يحولوا محاكمته إلى فرصة للانتقام والتشهير والإهانة والإذلال، وكان عليهم أن يقدروا بعض الجوانب الإيجابية فيه وفي نظام حكمه، في عدة مجالات حيوية كالسياحة والتعليم والخدمات وغيرها.
المشكل أن مبارك حوسب على أخطاء وفساد النظام السابق كله، وفيما نال هو كل هذا القدر من الإهانة والتشهير، لا زال بعض أركان حكمه طلقاء، يخططون للعودة إلى الحكم، بل إن واحدا من المحسوبين على النظام السابق ترشح وفاز في الدور الأول في واحدة من أغرب الأحداث السياسية.
فهل قدّم فلول النظام السابق الرئيس حسني مبارك، قربانا ليحاكم ويسجن ويهان إرضاء للمصريين، بينما يعودون هم للحكم عبر مرشحهم أحمد شفيق؟ ثم ألا يستحق الرجل معاملة جيدة وقليلا من الرحمة والعفو إكراما واحتراما لرغبة الملايين من المصريين الذين لازالوا يكنون له الحب والتقدير.