الرأي

لن تسمح الجزائر العميقة بذلك

محمد سليم قلالة
  • 4752
  • 0

عندما تَنتقل إلى الجزائر العميقة، إلى المداشر والقرى والمدن الداخلية، وأحيانا حتى عندما تزور عُمقَ المدن الكبرى حيث تعيش فئاتٌ مختلفة من المواطنين بمستوياتٍ اجتماعية مختلفة جنبا إلى جنب، بعيدا عن صالونات الحديث في السياسة وافتراض السيناريوهات، تتأكد مِن أمر أساسي: أنَّ حالة الاضطراب والانقسام والصراع لا وجود لها إلا في مُخيِّلة مَن أراد بالبلاد سوءًا.

طموحات الجزائريين بحق كبيرة، وتطلُّعهم إلى حياةٍ أفضل هاجس لا يُفارقهم باستمرار، وحُلمهم بالدولة العادلة والقوية لا يزال يكبر، وإحساسهم بأنهم يعيشون دون مستوى ما يستطيعون يؤلمهم، وشعورهم بأنهم يَمتلكون من الطاقات الكامنة التي لم يُفجِّروها بعد يُؤَرقهم… إلا أن كل ذلك لم يُزعزع ثقتهم بأنهم قادرون ذات يوم على تحقيق كل هذا من غير أن يُلحِقوا أذى ببلدهم أو وطنهم.

هناك اتفاقٌ غير مرئي بين الجزائريين أنهم لن يسمحوا بالعبث ببلدهم مرة أخرى، لا باسم الربيع العربي، ولا باسم الديمقراطية، ولا باسم العرقية، أو حقوق الإنسان، ولا تحت أي شعار كان… لقد دخلوا الاختبار وعرفوا النتيجة وحفظوا الدّرس وانتهى الأمر، ولا مجال لتكرار التجربة مرة أخرى..

كل السيناريوهات واضحة لديهم، بما في ذلك التي تُريد أن تَدخل من باب المشكلات الاقتصادية الداخلية، ومسألة الهوية، والوضع الإقليمي المتفجِّر… ولا مجال لتمريرها بطريقة أو بأخرى.

أي مواطن في أي مستوى كان في عمق الجزائر، يَعرف ما يُراد له وقبل ذلك يَعرف ما يُريد… وهنا يَكمُن العامل الحاسم الذي لا يستطيع أن يُدرِكه المبشِّرون بالسيناريوهات الكارثية، أو صانعو السياسات المختلفة تجاه بلادنا.

هذا الأمر الشعبي العميق، غيرُ القابلِ للقياس مِن قِبل مختبرات صناعة السياسة وصالونات الحديث فيها، الذي لا يُمكن معرفة درجته لدى الناس لأنه خاص بهم وحدهم، مكَّنتهم منه سنواتُ المحنة، بل وكل تاريخ الجزائر العميق، وتَرَسَّخ في اللاشعور الجمعي، هو العامل الحاسم في صناعة مستقبل البلاد.

فليكتب من أراد أن يكتب عن المخاطر القادمة، وليُمنِّ نفسه من أراد أن يُمنِّيها بأن الجزائر العميقة ستَتَصارع مع نفسها، وهو في الأعالي أو ما وراء البحار يتفرج… ذلك لن يحدث، لسبب أساسي أنه في الوقت الذي يُعتَقد أن كل عوامل الفرقة قد اجتمعت، وكل مسبِّبات الأزمة قد تضافرت، وكل توابل الصراع قد تم تحضيرها، سيتصرّف الجزائريون عكس كل التوقعات تماما، ولن يتحقق أي من هذا.

هي مسألة لها علاقة بطبيعة شعب، ولا أتصور أنها ستتغير ذات يوم، وذلك ما يَصنع باستمرار القوة والأمل.

مقالات ذات صلة