لهذه الأسباب تركت التلفزيون الجزائري
تسوقنا الأقدار حيثما تشاء، ويأخذنا الطموح في أفق الإبداع، لنرسم مسارا مختلفا لكنه يشبهنا إلى حد ما. “آنيا الأفندي”دعتنا إلى بيتها لتحدثنا عن تجربتها الإعلامية، بأناقتها المعتادة ورزانتها المعهودة، أكدت حضورها على صفحات الشروق العربي في هذا الحوار.
*كيف كانت أولى خطواتك نحو مبنى شارع الشهداء؟
القدر لعب دوره في حياتي وفي دخولي للتلفزيون وأنا لم أسع لهذا الميدان، الكل كان ينتظر أن أكون هذا الشبل من ذاك الأسد.لأني متحصلة على شهادة الحقوق وشهادة الكفاءة المهنية في المحاماة، وأول تجربة كانت مع جعفر قاسم الذي عرفتني به “جارتي”في برنامج “المصباح السحري” والذي قال لي”آنيا انت وجه تلفزيوني وستنجحين في هذا المجال لو مشيت فيه”. وانتقلت بصفة تلقائية للتلفزيون الجزائري .انهيت دراستي في الحقوق وانتقلت بصفة مباشرة للتلفزيون لأقدم برنامج “خليكم معنا” وكان برنامج ثقافي فني اجتماعي مناسباتي وهو النسخة عن برنامج “مساء الثالثة”.ثم جاء برنامج “بقلب مفتوح” وهو برنامج يشبه برنامج “كلام نواعم” فيه منشطة من السودان، وأخرى من تونس، ومن السعودية وأنا كنت من الجزائر نتناول مواضيع اجتماعية ونقوم بإسقاطات، خاصة وأن لكل مجتمع خصوصيته .قدمت أيضا برنامج “لكل العرب”، يتناول ملفات عربية لمدة سنة. ثم برنامج “صباح الخير”، ثم “عزيزي المشاهد”، ثم “للعائلة”. وأظن برنامج “عزيزي المشاهد”هو الذي عرفني بالمشاهد الجزائري حتى أنهم يطلقون عليا”آنيا عزيزي المشاهد“.
*الكثير ممن يلجون مبنى شارع الشهداء يبدأون بالبرامج المنوعة ولكنهم يطمحون مع الوقت لتقديم النشرات الإخبارية هل كان ذلك هدفك أيضا؟
للأمانة هو مازال طموح كل الصحفيين وهناك اعتقاد سائد أن كل من يقدم الأخبار فهو رقم واحد، أنا نظرتي مختلفة جدا وبالنسبة لي تقديم الأخبار يتطلب خامة صوتية قوية و قراءة وآداء جيد للأخبار، لكن تقديم البرامج يختلف إذ يتطلب مستوى وإبداع وكذا التفاعل مع الضيوف.وتقديم الأخبار ليس طموحي بحد ذاته، وأنا أرى أن التفاعل مع الناس ومحاورتهم أصعب مئة مرة من تقديم الاخبار.ولا أنفي أنه ربما في يوم من الأيام أدخل هذا العالم.
*يتسع أفق الإعلام ويرسم الكثير من الصحفيين أهدافا للظهور على الساحة العربية ولما لا العالمية هل كانت هذه الافكار أحد أحلامك؟
أبدا القدر لعب دوره في دخولي للإعلام وانتقالي أيضا لقناة الجزيرة ونظرا لأني تعرضت لموقف من التلفزيون الجزائري بسبب دورة تكوينية، فقررت الانتقال لهذه القناة، لكنه لم يكن حلما ولا هدفا ولم أخطط له .
*ما هي ظروف انتقالك لقناة الجزيرة؟
قبل أن انتقل للجزيرة كنت أدرس في مركز الجزيرة للتطوير والتدريب، وهو مركز تابع لمركز الجزيرة وفيه الكثير من الفروع وأنا اخترت التقديم الإخباري وأردت تعلم أصول التقديم الإخباري وذهبت بإمكانياتي الخاصة، وانتقلت على مراحل من المرحلة الابتدائية فالمتوسطة فالنهائية.ومن بعد القناة قامت باختيار أفضل 06 من عدد المتدربين في هذا الفرع وهذا على هامش حفل العيد 15 لتأسيس قناة الجزيرة ارتأت تكريم أفضل المشاركين في الدورات التدريبة وأنا لم أكن أعلم بهذا ذهبت لتقديم الدورة النهائية فتفاجأت بمدير المركز يقول “أنتم أفضل مقدمي وستقومون بالتقديم على المباشر على قناة الجزيرة .وسيقوم الجمهور بالتصويت لأفضل مقدم برنامج أخبار”.أنا كنت في الدوحة ولم أخبر التلفزيون الجزائري بذلك لأني ذهبت بإمكانياتي الخاصة تكاليف الدراسة والإقامة.ولا يوجد قانون في العالم يمنع الإعلامي من تطوير نفسه وأعتبر أن الإعلام كغيره من الميادين يجب أن يتطور، فالمشاهد ينتظر منا الكثير .
*كيف تعاملت مع وقع نقل تقديمك للأخبار على المباشر في شاشة الجزيرة في نهاية الدورة التدريبية؟
تفاجأت كثيرا عندما تم إخباري بأن البرنامج سيبث على الهواء، وسيحضر البرنامج لجنة تحكيم مكونة من ألمع نجوم الإعلام في الوطن العربي على غرار خديجة بن قنة وهي مدرسة في حد ذاتها.ثم دخلت في صراع فمن حقي كواحدة من أفضل المتدربين أن أكمل الدورة النهائية.خفت من ردة فعل التلفزيون الجزائري ووقعت في حيرة من أمري وكنت بين خيارين، هل أعود للجزائر وأنهي كل هذه الحيرة؟.أو هل أكمل مشواري التكويني وكيف سيكون مصيري؟.ووقعت في صراع نفسي اتصلت بحفيظ دراجي فقال لي: واصلي مشوارك وتأكدي أنك ستكونين من بين 03 المتوجيّن :”نحن الجزائريون أينما نذهب نتفوق”.كنت هادئة وخجولة وغير مندفعة، وطرح عليّ سؤال واحد:ما الذي تعلمته على مدار الدورة التدريبية؟ فأجبت بأني تعلمت التواضع لأن “خديجة بن قنة” وهي رقم 01 في الجزيرة ولكنها متواضعة إلى درجة لا يمكن وصفها .اكتفيت بهذه الإجابة ولم استعرض عضلاتي.نال المصري المرتبة الأولى وحزت المرتبة الثانية ورفعت علم الجزائر في القاعة وكان موقف رائع.
*قلت أن التلفزيون امتعض بمعنى تم ايقافك؟
لا لم يتم ذلك، ولم يفصلن عن العمل كما تردد عند البعض، إدارة التلفزيون لم تكن ضد الموضوع ولكنها تأسفت لأني لم أخبرهم منذ البداية، فأمتعض وحوّل برنامجي للزميلة، نجية خثير ولم يعجبني هذا التصرف، ووجدته قرار مجحف لأن البرنامج كان من إعدادي وتقديمي، لكن في الأخير احترمت قراره، وانسحبت بكل هدوء واحترام.وجاء هذا الموقف ليساعدني في أخذ قرار بخصوص العرض الذي قدمته لي قناة الجزيرة، فوافقت على قبول العرض.
*هل ندمت على انتمائك للتلفزيون الجزائري، بعد الموقف الذي حصل لك منه؟
أبدا، أنا فخورة أني بنت التلفزيون الجزائري، وهناك من يعلقون على التلفزيون بأنه “اليتيمة”، و”المحتمة”، بل بالعكس احترمه كثيرا لأنه آمن بي، وأعطاني فرصة وبقيت فيه 09 سنوات وحظيت بحب المشاهدين واحترامهم .أنا كنت املك الموهبة والتلفزيون أعطاني الفرصة والمساحة لأعبر عن ذلك وأنا فخورة به ومدافعة عنه ومتابعة لبرامجه إلى آخر لحظة وأتمنى أن يصبح قناة منافسة.ولا يمكن أن نقول أن كل برامجه سيئة . فأحسن الإعلاميين الجزائريين في الجزيرة وهي لم تختارهم من عدم مثلا برنامج “وكل شيء ممكن” لرياض بوفجي من أحسن البرامج وهو الآن ينسخ ف”جاك المرسول”، “الحان وشباب” ، “تغطية الجزائر في حرب العراق”، “فرسان القرآن”، وغيرها.
*كيف كان هذا الانتقال وأنت لم تتعود على هذا النوع من البرامج؟
للأمانة البرنامج لم يكن تخصصي هناك الكثير من الإعلاميين يعتبرون هذا العالم رجالي محض، وأنا أجده جميل جدا وبسيط أيضا لا هو كيمياء ولا فيزياء ومادام أن هناك خاسر ورابح وروح رياضية تجمع الناس فهو عالم رائع، مثلا ليلى سماتي هي من الإعلاميات الجزائريات اللائي كن السباقات في هذا الميدان عندها 16 سنة في الجزيرة، وحفيظ دراجي وكنت محاطة جيدا وعرضوا عليا مساعدتهم.
*ماذا عن أول البرامج الذي قدمتها؟
“الصباح الإفريقي” هو برنامج صباحي ويتأقلم مع الحدث ولما كانت كأس الأمم الإفريقية أصبح “الصباح الإفريقي” وهو برنامج لديه امكانيات ضخمة، منوع فيه من الرياضة –الطبق الدسم-الفن، الثقافة السياحة وهناك مراسلين من كل مكان .والحمد لله أنا عندي ثقافة مغاربية مشرقية وظفتها في هذا المجال، ومثلا عندما احتضنت بولندا كأس الأمم الأوربية لكرة القدم يورو 2012 الأستوديو كان مزارا للناس من كل الجنسيات.
*كيف هي علاقتك بالإعلاميين الجزائريين في قناة الجزيرة؟
كنت محاطة جيدا وكلهم عرضوا عليا مساعدتهم،وخديجة بن قنة هي كانت سببي في الإقدام على التسجيل في الدورة التكوينية لقناة الجزيرة، وبعد التحاقي بالقناة زرتها في بيتها انسانة رائعة جدا وهي تتصل بي دائما وأيضا حفيظ دراجي.فخورة جدا بكل الأسماء المتميزة على غرار ليلى سماتي، وغيرها.ونحن لم ننتقل من العدم فأغلب الإعلاميين الذين ذهبوا كانوا متميزين فمثلا حفيظ دراجي عندنا في القناة الرياضية يحظى باحترام الجميع بشخصه البسيط والمتواضع وبفضله حبيت الرياضة التي كانت في وقت قريب بعيدة عني وكانت بالنسبة لي عالم ذكوري وما شاء الله الجزائريين متمكنين وأثبتوا أنفسهم والأمثلة كثيرة.
*هل تسعين للشهرة؟
أبدا، الشهرة التي تأتي بسرعة هي كالفقاعة سرعان ما تنتهي، أنا بدأت بتقديم برامج ثم أصبح ل برنامج مستقل خاص بي أعده وأقدمه وعام ونصف وأنا اتكون وأدرس وطورت قدراتي.وبعد 09 سنوات في العمل في التلفزيون الجزائري، وبعد الدراسة كان من المنطقي أن أتواجد في قناة بحجم الجزيرة.أعتقد أن الذي يبني نفسه في دقيقة سيتهدم في دقيقة. يجب أن يأخذ الإعلامي وقته ليصعد السلم درجة درجة ليكوّن نفسه ويحسّن امكانياته.أما من يبحث عن الشهرة فلن يطول تواجده.
*كيف تقبلّت الحياة الجديدة؟
تذكرت أن لما كنت في الجزائر أقدم برامج في الأعياد ولما يتصل أناس من الغربة كانوا يتكلمون عن الوطن بحرقة وأتكلم معه وأخفف عنهم ولكن دون أن أعرف حجم حرقتهم وحنينهم لوطنهم.واليوم أنا مغتربة وأعرف جيدا هذه الحرقة وكم هي قاسية.الجزائر بلدي تعني لي الكثير أحسست أني فقدت الأهل والأقارب والأصدقاء وتبدأ معالم حياة جديدة ونبحث عن اصدقاء جدد .
*أنت أصولك سورية؟
نعم أنا أصولي سورية وما زاد من مرارتي، ما يحصل في سوريا ولأن ما يحدث في سوريا هو جريمة في حق الإنسانية ويزيد من الحرقة هذا الصمت العربي المطبق تجاه ما يحصل في هناك حرام صور الأطفال الغارقة في الدماء .أنا أكره السياسة وأعتبرها شر لابد منه .
*كيف تجدين موقف الجزائر؟
استغرب موقف الجزائر تجاه ما يحصل خاصة أن الشعب السوري احتضنت الأمير عبد القادر وحاشيته وكثير الدول العراقيين واللبنانين وهي كانت حاضنة لهم كلهم وما يقلقني أنهم مازالوا يقولون أنها مؤامرة .
*لو نتكلم عن حياتك الخاصة؟
أنا سيدة متزوجة وأم ولكني لا أحب الخوض في تفاصيل حياتي الخاصة، أسرتي وحياتي هي عالمي الخاص وأنا أحب الخصوصية وأتمنى احترامها لأنها بعيدة عن الإعلام وأعتبر هذا تطفل على الحياة الخاصة،هناك من يرغب في ذلك لكن أنا لا اجدد سببا للحديث عن ذلك.
*من أين لك بكل هذه الفصاحة واللغة الجميلة؟
الأب كان أستاذا للغة العربية وهو الآن محامي والأم أستاذة للغة العربية.نشأت في أسرة اللغة العربية فيها شيء مقدس، والخطأ لا يغتفر في العائلة.واللغة العربية هي أشمل لغة فيها جمالية وإبداع.ولأنني أتكلم مع كل طبقات المجتمع أختار اللغة البسيطة السليمة والسهلة التي يفهمها الناس.
*ماذا تقرأين الآن وما هي أكثر العناوين التي تحفل بها مكتبتك؟
الآن اقرأ للكاتب “رجاء النقاش” وهو مؤلف مصري.أقرأ كل ما يقع تحت عيني وبين يدي، وأقرأ في كل مكان، وهذا ورثته عن أبي عندنا مكتبة كبيرة فيها الكثير من الكتب المهمة والأب يؤمن بالقومية العربية، وهو مثقف جدا وهو محام ويؤمن بحقوق الإنسان وكان مع المد التحرري .فأنا ورثت عنه شغفه بالمطالعة والكتاب مقدس في بيتنا وعلاقتي به وطيدة جدا وأذكر أنه لما تحصلت على شهادة التعليم الأساسي أهداني أبي مجموعة المنفلوطي “العبارات”، “النظارات” وأميل للكتب التي تصور الواقع خاصة، وأحب أيضا قراءة السير وأعشق التاريخ.
*من هو مثلك من بين الإعلاميين الجزائريين والعرب؟
خديجة بن قنة وحفيظ دراجي رقم واحد، تعجبني أيضا صورية بوعمامة وفريدة بلقسام.
*ماذا عن هواياتك؟
بعد القراءة أحب الموسيقى خاصة الكلاسيكية منها، وكان من بين أحلامي أن أعزف على البيانو.
*هل أنت إجتماعية؟
نعم أنا كذلك ولكن بحدود، أحيانا أحب الاعتزال وعلاقتي مع الجميع مبنية على أساس الاحترام لا أحب الاختلاط كثيرا لا أذهب مثلا للأعراس كثيرا، أحب بيتي أنا بيتوتية وأعشق الطبيعة وأحاول ان أدخلها لبيتي من خلال الديكور، الذي فيه من النباتات والاخضرار الشيء الكثير.
*فريقك المفضل؟
البرصا ومن المنتخبات طبعا الفريق الوطني والفريق الإسباني .
*ماذا تعني لك الجزائر؟
افتخر جدا بأصولي السورية، ولكني جزائرية قحّة أنا بنت الجزائر أحملها في قلبي أينما ذهبت فهي تسكنني.ولدت في الأبيار وتربيت في حي الينابيع.وكنت أتنقل بين العاصمة ووهران.وسأعود للجزائر متى احتاجتني.
*هل أصبح اليوم الجمال طرف هام في معادلة النجاح؟
من الجيد أن يكون الشكل جميل لكن الصورة لا ترسخ أبدا. مثلا هيفاء وهبي صورة جميلة ولكنها لسيت فنانة.جميل عازم، وابرا وينفري ليسا على قدر من الجمال لكن فيه كاريزما وشخصية وثقافة وتكوين وحضور ولباقة .
*كيف ترين مستقبل القنوات الجديدة؟
هذه القنوات هي إضافة وكل شيء في بداياته يبدأ متعثرا هي تجربة فتية وتحتاج لوقت وأنا أشد على أيديهم للمواصلة والتحدي حتى قناة الجزيرة قبل 16 سنة بدأت هكذا ولم يظن أحد أنها ستكون رقم 01.وعلى فكرة قناة الشروق تيفي وجهت لي دعوة للعمل بها ولكن للأسف كنت قد انتقلت للجزيرة.