الشروق العربي
روى قصته مع عبد الحليم.. المخرج أحمد راشدي للشروق العربي:

لو قدمت الدولة للسينما 20 بالمائة ما تقدمه لكرة القدم لكنا في الريادة

صالح عزوز
  • 746
  • 1
ح.م
أحمد راشدي

نال العديد من الجوائز في المهرجانات الدولية  والمحلية ، وتقلد عدة مهام في قطاع السينما والثقافة في الجزائر، ويعتبر من الرعيل الأول للسينما الجزائرية في عصرها الذهبي، كما  عاصر أكبر الفنانين، على غرار العندليب عبد الحليم حافظ، الذي كادت أن تتوج صداقتهما بإخراج فيلم من بطولته، لكن الظروف المحيطة كانت عائقا في عدم رؤية الفيلم للنور إلى حد الساعة وبقي “لا” حبيس الأدراج.. عن هذه العلاقة والكثير من قضايا السينما والإخراج في الجزائر والوطن العربي، كانت لنا هذه الجلسة مع المخرج الفذ أحمد راشدي في مكتبة بحي “ديدوش مراد” بالجزائر العاصمة.

من خلال أعمالكم، هل تكتبون للتاريخ، أم تحملون بداخلكم ميلا للثورة؟

 لا أدري هل نحن نساهم في كتابة التاريخ، أم في إعادة الذاكرة، عن طريق السينما؟ ممكن نحن نكتب للتاريخ، كما يمكن من خلالها، فتح نوافذ أخرى نحقق بها رغبة المشاهد في جزء من التاريخ وليس كله، ونعرض شخصيات تاريخية يسمع عنها المتتبع، لكنه لا يعرفها، والمؤرخون هم من يكتب التاريخ من خلال شهادات عديدة تمر عبر مرحلة غربلة الأحداث، لتصبح في الأخير مادة أولية، نقوم بمزجها مع الإبداع والخيال لنصل بها في الأخير إلى تقديم فيلم من ساعتين أو اكثر.

ألا ترى أن اللهجة الجزائرية بقيت عائقا لنقل الرسالة للعالم الخارجي؟

 نعم، يقال هذا، لكن السينما في الأخير هي لغة في حد ذاتها، ولو نرجع إلى البدايات الأولى لها، نجد أنها عاشت تقريبا أربعين سنة صامتة، لهذا لا يجب أن نجعل هذا حاجزا أساسيا لتوصيل أعمالنا للغير، خاصة في المشرق العربي، لو تلاحظ جل أعمالي مثلا تجد أنني أحاول أن أقدمها في لغة وليست لهجة جزائرية، أي الوسطية التي يمكن من خلالها ايصال الرسالة للطرف الآخر مهما كان جنسه، تصور مثلا في مصر يوجد مخرج يسمى “رضوان كاشف” من أروع المخرجين، أصله  من الجنوب المصري، عمل فيلما اسمه “عرق البلح”، لما حان عرض فيلمه في مصر طلبوا منه ترجمته الى اللهجة المصرية.

الأفيون والعصا1969، تحيا الجزائر 1972، الطاحونة 1986، بن بولعيد 2009، أسوار القلعة السبعة  2018، لماذا هذا التباعد الزمني في الإنتاج؟

أنا مستعد لإنتاج فلمين في السنة، لكن هذا التباعد يرجع إلى عدم توفر الامكانيات لنا وللعاملين في هذا الحقل، لماذا مثلا لا ندرج مساعدات للسينما كما هو معمول به في كرة القدم، لو تقدم لنا مساعدات فقط بـ20 بالمائة لما يقدم للفريق الوطني، يستطيع من خلالها كل مخرج عرض 30 فيلما سنويا، ومن هنا تستنتج الموقع والاهتمام المقدم للثقافة في بلدنا.

قلتم أن السينما الجزائرية لن تموت وكأنكم تجزمون بوجود إمكانيات في هذا المجال، كيف هذا؟

نعم، هناك إمكانيات بشرية في شباب بمهارات غير معقولة، صحيح أنها ضعفت كثيرا، فلا يخفى عليكم أننا مررنا بعشرية سوداء، وهذا أثر مباشرة على ذهاب المتفرج للسينما، بالإضافة إلى أن الجزائري انغلق في بيته لوجود آلاف القنوات التي من خلالها يستطيع أن يشاهد آخر الأفلام العالمية وبتقنية وجودة عالية، وهذا فيه جانب ايجابي له شخصيا، حيث أنه أصبح لا يرضى إلا بأعمال موازية للأعمال العالمية، أما الجانب السلبي أن من خلال هذا الانغلاق تخلى عن فكرة الذهاب إلى السينما لمشاهدة الأفلام.

كيف نتحدث عن تطور السينما في الجزائر وما يقارب 500  قاعة سينما أغلقت وشباب تعدى العقد الثالث من عمره لم يدخل السينما اطلاقا؟

من المفروض يمنع غلق منشآت كانت موجهة في الأصل إلى بث أعمال ثقافية وتحويلها إلى مستودعات، ممكن كما أسلفنا الذكر الظروف السياسية والانغلاق هي التي كانت السبب المباشر في هذه الحالة التي نعيشها اليوم، نستطيع أن نقوم بما هو معمول به في العالم لإرجاع الجمهور للسينما وهذا من خلال وضعه في قالب يستطيع من خلاله المشاهد أن يأتي للسينما ويمارس حياته رفقة العائلة، ويكون لديه اختيار لعشرة أفلام مثلا في قاعة من 30 حتى 600 مقعد، كما يستطيع ترك أولاده في قاعة مخصصة لهم.

لماذا المناسباتية في العرض والإنتاج  بالرغم أن جل الأعمال صالحة لكل زمان ومكان؟

المناسباتية أصبحت اليوم الفرصة الوحيدة المتاحة للمخرج من أجل عرض إنتاجه، المطلب ليس ماديا، لكن فيه جوانب أخرى، مثلا ما هي الميكانيزمات التي من خلالها يستطيع المخرج أن يصل الى مشروع فيلم، كما أنه لا يوجد استثمار خاص بالأفلام في الجزائر، ولا أظن أنه سوف يكون مستقبلا، لأنه لا توجد أصلا سوق، لذا لن يستثمر شخص في قاعة للسينما مثلا وهو يدرك أنه لا توجد شبابيك للعرض، كما أنه لا يوجد تشجيع من أجل الاستثمار في هذا الميدان، كحال الكثير من المجالات الأخرى.

هل أنت راض عن السينما الجزائرية عربيا؟

توجد قنوات عربية عديدة، لو يكون هناك إجراء قانوني يفرض عليهم تخصيص حيز لكل الأعمال العربية ولو لمدة 5 دقائق لكل الأعمال العربية وليس للجزائرية فقط، سوف يستمتع المشاهد العربي ويتعرف أكثر على  كل الأعمال لمختلف الجنسيات، هذا ما يسمى بالاستثناء الثقافي المعمول به في أوروبا، حيث أن كل قناة تلفزيونية تخصص 40 بالمائة من فضائها لعرض كل الأعمال الأوروبية، لهذا فرنسا مثلا كانت تنتج 30 فيلما وبموجب هذا الاستثناء الثقافي أصبحت تنتج 200 فيلم، لأن العمل بهذه الطريقة يسمح للقنوات أن تتحول إلى المصدر الأساسي لتمويل الأفلام آليا، وتخرج من خلالها من دائرة السبنوسور والإشهار المعمول به.

من يدخل تحت مظلة دعم الدولة في العمل السينمائي يرضخ لشروط قد تقتل مضمون الرسالة، ما رأيكم؟

أنت حر، ولست مجبرا في هذا، وبالنسبة لي  لو تكون الشروط من الدولة الجزائرية لا يهمني وأقبل بالعرض، لكن لما دول أخرى تمولك بملايين وبأفكار مدسوسة فهو أمر غير مقبول، لدي الكثير من العروض من دول عديدة،  لكنني رفضتها، لأنها تحمل في طياتها نوعا من الفرض وهذا لا أقبله، ولهذا  أحيانا الكثير من الشباب  يبقى ينتظر عشرات السنين لتقديم إنتاج ما، ولما تأتيه مساعدات حتى ولو كانت ملغمة يقبل بها من أجل الظهور فحسب.

ماذا تضيف الأعمال المشتركة للسينما؟

الانتاج المشترك يقلل من حجم الميزانية ويزيد رقعة المشاهدين، ولكي يكون هناك عمل مشترك يجب أن يكون اهتمام مشترك.

حدثنا عن صداقتك مع العندليب عبد الحليم حافظ التي كادت أن تتوج بإخراجك لفيلم من بطولته؟

عرفته كمطرب، في البداية لم تكن تجمعنا علاقة شخصية، لكنه كان يعرفني كمخرج جزائري معروف عند المصريين كثيرا، ومن هنا بدأت قصة الصداقة بيننا من أجل عمل فيلم “لا”، تطورت العلاقة بعدها وأصبحنا مقربين جدا.

لماذا اختاركم أنتم ولم يختر مخرجا مصريا للعمل معه على الفيلم؟

لما اكتملت القصة، ذهبت للقائه أول مرة بمصر  للحديث عن مضمون السيناريو وكيفية العمل عليه، قلت له أنني أرى في عبد الحليم حافظ ممثلا في الفيلم وليس مطربا كما عهدنا، قال لي لهذا اخترتك لتكون مخرج هذا الفيلم، لأنني أريد في هذه التجربة أن أظهر بزي ممثل وليس مطربا على غرار الأعمال التي قمت بها من قبل.

من هو كاتب القصة الأولى للفيلم؟

هو الكاتب “مصطفى أمين”، مدير مجلة أخبار اليوم في مصر، حكم عليه بعشر سنوات سجنا في عهد جمال عبد الناصر، كان يكتب من  زنزانته كل يوم حلقة في ورقة واحدة، ويرسلها إلى العندليب الذي وضع له شبكة تمكنه من تهريب ما يكتبه، وحصل على كامل القصة التي بلغت 43 حلقة، أرسلها إلي إلى الجزائر وطلب مني المساعدة من أجل إخراج منها سيناريو يليق بهده القصة.

ما هو مضمون قصة فيلم “لا”؟

هي قصة مواطن عربي وجد نفسه في السجن، نسوه لمدة ثلاث سنوات من دون محاكمة، ولما تغير مدير السجن، طلب أن يحضروا له كل ملفات المساجين الموجودين وهم 1700، غير أنه لم يجد لهذا السجين ملفا، فقال له المدير أنت عالة على الحكومة مادمت تأكل وتشرب دون مقابل ولا تملك ملف سجين، إذا  ليس من حقك التواجد هنا، فطلب منه السجين الخروج، فقال له مدير السجن يجب أن نجعل لك ملفا، والطريقة الوحيدة للحصول عليه هو ارتكابك لجريمة، وبين الأخذ والرد، توقف الأمر على ارتكاب جريمة ضد زوجته، باقي القصة تشاهدونها في الفيلم حين يرى النور.

لماذا لم ير الفيلم النور في زمان عبد الحليم حافظ؟

توقف المشروع، لأن الشركة المنتجة للفيلم طلبت تأمين الفيلم، ومنه يجب أن يكون هناك فحص طبي للمخرج الرئيسي وهو “أحمد راشدي”، وللمثل الرئيسي للفيلم وهو “عبد الحليم حافظ”،  ولا يمكن في تلك الفترة عرض فحص طبي للمطرب عبد الحليم حافظ.

مقالات ذات صلة