الرأي

ليقف هذا الخطاب…

محمد سليم قلالة
  • 762
  • 7

بدل سعي الكثير من السياسيين إلى استقطاب الملايين من الشباب الباحث عن أمل حول أفكار جديدة أو على الأقل فكرة جديدة تخص المستقبل، هذا الزمن الذي ينتظرونه بشغف ويتطلعون إلى العيش فيه بأمان، هاهي أغلب التوجهات تغرق اليوم أكثر من ذي قبل، في متاهات الحاضر ولا تُصرُّ إلا على البقاء ضمن حدوده من خلال الاستثمار في وجه واحد ووحيد من وجوهه تارة من باب التمجيد إلى حد التنزيه والتقديس وأخرى من باب التحقير إلى حد الشَّيْطنة.
هل بهذه الكيفية تُبنى الأمم وتتقدم؟ هل من خلال التعنت والمكابرة وتبييض ما هو أسود وتسويد ما هو أبيض يُمكنها أن نتقدم؟ أم من خلال المكاشفة والمصارحة والاعتراف بالأخطاء لتصحيحها والتمكين للأجيال الصاعدة من قيادة نفسها بنفسها بدل دفعها نحو الشك في كفاءتها وقُدراتها أو رمي نفسها في البحر بحثا عمن يُمكنُّها من تحقيق ذلك؟
لست أدرى هل الذين ما زالوا يُردِّدُون مثل هذا الخطاب المانع للتفكير في المستقبل، الضاغط، والمثير للحساسية، يَعلَمُون حقيقة ما يجري في الواقع؟ أم إن همَّهم الأول والأخير هو مصيرهم الضيّق وحياتهم الخاصة وتصديق أنفسهم داخل القوقعة التي ضمنها يعيشون؟
لعلي أزعم أني لم أدَع مرة شعاع أمل أراه هنا وهناك إلا وتعلقت به لثقتي التامة أن رجال هذا البلد ونساءه لا يستسلمون لليأس أبدا ولا يتركونه يتحكم في مصيرهم ورقابهم برغم شدته عليهم وصعوبة تحمُّل وقعِه في كثير من الأحيان، إلا أنني أجد نفسي هذه المرة مِن واجبي أن أُنبِّه إلى أن نوعية الخطاب السياسي السائد وطريقة إخراجه، والعبارات التي يستخدمها، والاستفزاز الذي يحمله، والضَّحالة الفكرية التي يتصف بها، واللاَّوعي العقلي الذي يتحرك من خلاله، والاستخفاف بذكاء الآخرين الذي يبرزه دوما، فضلا عن تلك الصفات الذميمة التي يكتسبها حتما من خلال الأفواه التي تنطق به على غير هدي وبلا إحساس بأن أمامها ملايين العقول الشابة القادرة على التقييم والتفكير والتعبير… إن هذا الخطاب، إنما يحمل مخاطر كبيرة على مستقبل البلاد.
هل يدري هؤلاء حجم الأخطاء التي يرتكبونها، وآثارها المستقبلية بعد حين أم لا يدرون؟ هل يدري هؤلاء أننا إذا لم يتم تجديد هذا الخطاب في ما بقي لنا من وقت قصير، ولم نُبادر إلى فتح الآفاق للناس والآمال لهم، وتمكينهم من لغة جديدة تكون في مستوى أحلامهم وأمانيهم وصبرهم، سندفع بالبلاد إلى المجهول وهذه المرة إلى يأس يصعب معه التقاط بصيص أمل…
لذا، لا أقول هذه المرة: يبدو لي، بل أقول: “علينا الانتباه”، إلى هذا الانحطاط في الخطاب السياسي الحالي، الذي لن يؤدي بنا من خلال إشاراته الكثيرة إلى بر الأمان، بل أضيف: ليقف هذا الخطاب تماما إذا عجزنا عن إفساح المجال لخطاب الأمل، وسيكون ذلك على الأقل أقل الخيارات ضررا، في انتظار قدوم أحسن البدائل ولو بعد حين.

مقالات ذات صلة