-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مأساة غزة، وسقوط بغداد، واستسلام القاهرة

عابد شارف
  • 4096
  • 0
مأساة غزة، وسقوط بغداد، واستسلام القاهرة

أثارت الجريمة الإسرائيلية في غزة ردود فعل وتعاليق ركزت على خمس نقاط أساسية: حجم الجريمة الإسرائيلية، والتواطؤ الغربي، والسكوت العربي، وعزم الشارع الفلسطيني، وتفتت الصف الفلسطيني.

  •  ومن الطبيعي أن يسود في مثل هذا الظرف خطاب يتغلب عليه الطابع الدعائي، لأنه يهدف بالدرجة الأولى إلى التجنيد وتوسيع الدعم. لكن من الضروري أن ندخل بعد ذلك في مرحلة جديدة لطرح أسئلة جديدة: لماذا يستطيع الإسرائيليون أن يقوموا بجرائم ويحصلوا على الدعم أو التعاطف، ولا يستطيع الفلسطينيون أن يدافعوا عن ذويهم ولا تتحرك القوى الفاعلة في العالم لصالحهم؟ وبكلام آخر، يمكن أن نواصل نفس الخطاب للتنديد بالجرائم، والطلب بأخذ الثأر، لكن يبدو من الأجدى أن نتساءل: لماذا نجحوا وفشلنا؟
  • 1 – نجح الإسرائيليون لأنهم يعرفون كيف يتعاملون مع الظرف الدولي. والعالم كله يعرف اليوم أنه كان لإسرائيل مهلة شهر لتغيير ميزان القوى لصالحها في ملفين أساسيين: الوضع في غزة وقضية الملف النووي الإيراني. وكان من المنتظر أن تقوم إسرائيل بمبادرة في إحدى القضيتين، أو في كلاهما، قبل وصول الإدارة الأمريكية الجديدة التي يتزعمها الرئيس المنتخب باراك أوباما.
  • 2 – إن التفوق الإسرائيلي لا يقتصر على الميدان العسكري، لكنه يتمثل أولا في طبيعة النظام السياسي. ويمكن تلخيصه في نقطتين أساسيتين: حرية التصرف في كل القضايا الداخلية، وإجماع لما يتعلق الأمر بقمع الحقوق الفلسطينية. عكس ذلك، فإن الفلسطينيين ما زالوا يحسنون الخطاب حول الوحدة الوطنية ومزاياها، لكن تصرفهم اليومي يقضي تدريجيا على الوحدة الوطنية.
  • 3 – إن النظام الإسرائيلي يعرف أن العالم يدخل فترة جديدة بعد شهر، مع بداية عهدة الرئيس الأمريكي الجديد. ولذلك اختار قادة إسرائيل أن ينظموا انتخابات حتى تتميز قيادتهم التي ستتعامل مع باراك أوباما بشرعية قوية لا غبار عليها. عكس ذلك، ما زال الطرف الفلسطيني يتمسك بشرعية وقع الطعن فيها داخليا وخارجيا. وما زالت الأطراف الفلسطينية تتمسك بأشكال تنظيمية قديمة بالية، تشبه طريقة التنظيم السائدة في أغلب البلدان العربية. ويشكل بقاء هذا النوع من التنظيم سببا كافيا لبقاء البلدان العربية في موقع الضعف.
  • 4 – إن الموقف العربي لم يتميز بالسكوت، مثلما قيل في أكثر الأحيان، إنما تميز بالعجز المطلق. فالبلدان العربية لم تكتف بأن تصبح مكتوفة الأيدي، غير قادرة على مساندة الشعب الفلسطيني، إنما دخلت مرحلة أخرى: إنها اقتنعت أنها عاجزة، وأن زمام الأمور ضاع من أيديها. إنها استسلمت أمام الأمر الواقع، واقتنعت أنها غير قادرة على التأثير على مجريات التاريخ. واجتهادها اليوم لا يدور حول البحث عن طريقة للخروج من هذا المأزق، إنما كل طاقاتها مجندة من أجل البقاء على الوضع الحالي.
  • 5 – إن التمييز التقليدي بين الأنظمة العربية الفاشلة، التي قد تتواطأ مع العدو، وشعوب مجندة ومستعدة للمواجهة، تمييز قد تجاوزه الزمن. والواقع المر يشير إلى أن الشعوب العربية انهزمت هي كذلك، لأنها عجزت على فرض أنظمة تحترم الحريات، وحقوق الشعوب. ولا يمكن لشعوب مستعبدة أن تنصر الشعب الفلسطيني المستعبد. ومن الممكن أن يقول أصحاب الخطاب الشعبوي وأهل الحماسة إن هذا موقف انهزامي. لكن الواقع يفرض أن نفتح أعيننا لنفهم جيدا ما يجري أمام أعيننا: إن العبيد لا يحررون العبيد قبل أن يحرروا أنفسهم.
  • 6 – إن انهزام الشعوب ليس أبديا، لكنها مرحلة تاريخية صعبة يجب تجاوزها، وسيتطلب ذلك وقتا طويلا سيدفع خلاله الشعب الفلسطيني ثمنا غاليا. وليس له ما يدفع إلا أغلى شيء يكسبه: حياة أبنائه. وفي انتظار ذلك، لا بد من استخلاص دروس التاريخ. وأول درس هو إسرائيل، حيث أن اليهود كانوا قبل أقل من قرن مضطهدين، لا قوة عسكرية لهم ولا دولة. ماذا فعلوا للوصول إلى ما هم عليه؟
  • 7 – كل ما تقوم به إسرائيل يبقى مبنيا على عامل دعائي لا مثيل له. وقد شاهدنا وزراء إسرائيليين يتكلمون في اليوم الثاني للجريمة عن تقديم مساعدة إنسانية للفلسطينيين… وسمعنا كلاما يشير إلى أن الجريمة قد جاءت للرد على قصف مدن إسرائيلية بقذائف تقليدية… وكأن الفلسطينيين ثاروا لأنهم جائعون لا لأن أرضهم اغتصبت… بالمقابل تقوم دعاية حماس على صور لعسكريين ملثمين يقومون باستعراضات لا يمكن أن تهدد أحدا، ولا تؤدي إلى نتيجة باستثناء الإساءة لصورة الفلسطينيين.
  • 8 – وأخيرا، فشلنا لأن كلا من فتح وحماس أخطآ في تحديد العدو، ودخلا جدالا لا فائدة منه، دفعهما في نهاية المطاف إلى مزايدات وحرب دعائية ثم حرب حقيقية استغلت إسرائيل لتتصرف مثلما شاءت. وقد دخل محمود عباس وقيادة فتح في سلسلة من المفاوضات والتنازلات التي أدت به إلى المأزق، حيث لم يحصل على شيء. وأخطر من ذلك، فإنه لم يدرك لحد الساعة أنه يسلك طريقا لا مخرج منه. وبالمقابل، اتخذت حماس موقفا عدميا مدمرا، أدى إلى تمزيق الصف الفلسطيني. وظهر التصرف الأعمى لمنظمة حماس لما ذهب أحد قادته لينشر عبر تلفزيونات العالم ما اكتشفه عن تصرفات المخابرات الفلسطينية، وذلك عشية العدوان الإسرائيلي. وأكد الرجل أن ما يجلب اهتمام حماس هو تصرف المخابرات الفلسطينية، لا تصرف المخابرات الإسرائيلية التي كانت تحضر للعدوان الذي وقع أربعة وعشرين ساعة بعد مشاركة الرجل في حصة على قناة “الجزيرة” ليبوح بكل الأسرار الفلسطينية.
  • ومن هذه النقاط، يمكن أن نستنتج أن الأمل سيعود إلى فلسطين لما يحتمي الفلسطينيون بالوحدة الوطنية، ويتفقون على تحديد هوية العدو، ويقيمون نظاما أقوى من نظام إسرائيل، ويبنون إجماعا في السياسية الخارجية. وسيتضامن العرب مع فلسطين بصفة ناجحة لما تقيم الدول العربية أنظمة تحترم شعوبها، وتعمل لتحريرها لا لاستعبادها، حتى تستعيد هذه الشعوب أملها، وتؤمن بالحرية، وتكسر قيودها. عندها، ستعود البلدان العربية للتأثير في التاريخ، والمشاركة فيه. وإذا تحقق ذلك، سيتضح يوما أن غزة، رغم المأساة، لم تكن إلا عثرة في التاريخ… وأن مأساة غزة لم تكن أصعب من استسلام القاهرة
  • ويجب أن نقرأ التاريخ جيدا، حتى نعرف هل أن التاريخ يصنع المآسي، مثل بغداد والفلوجة والقدس وغزة، أم أن المآسي هي التي تصنع التاريخ
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!