-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مؤتمر المحشر العام

عمار يزلي
  • 1437
  • 1
مؤتمر المحشر العام

لم أعرف كيف جئت إلى هذا المكان الذي بدا وكأني أعرفه دون سابق معرفة! إنه مثل ذلك الذي يسمى بالفرنسية “ديجا في” (الذي سبق وأن شوهد). ثم بدأت أفهم أني قد مت وانتهى تاريخ ميلادي بنهاية صلاحيتي في هذه الدنيا كأي دواء أو منتج تجاري لم يعد صالحا للاستعمال. رمي بي في “قصر” لا يتجاوز عرضه الشبر، أنا الذي طالما سعيت لأبني دارا دون أن أتمكن حتى من شراء “براكة”! عشت كرايا ومت كاريا، لأجد نفسي الآن وسط المكان الذي تلتقي فيه الخلائق لتقديم الحساب على ما فعلته وعلى لم تفعله. كل الناس كانوا هنا: من لا نعرفهم ومن نعرفهم. من كنا لا نراهم إلا في التلفزيون أو وقت الانتخابات أو صلاة الأعياد من مسئولين لم يسألوا عن أحد (ولا عن جمعة)! لا عن بوجمعة ولا عن رمضان! الأغنياء و”الفقاقير”، بوش مع صدام، بن لادن مع أوباما، القدافي مع ساركوزي، عرفات مع شارون، مصر مع الجزائر ، ديغول مع مصالي، عبان رمضان مع بومدين، الشاذلي مع نزار، بوتفليقة مع عمار يزلي، الحسن الثاني مع بن بركة، السيسي مع مرسي، الأسد مع الذئب وبشار مع تندوف..الكل كان حاضرا ذليلا! هذا الرجل أكل لحم الحلوف، وهذا الحلوف أكل لحم هذا الرجل. هذا حرق نفسه تنديدا بالحقرة، وهذا حقر الآخرين في الدنيا، وهذا حرق البحر لكي يعيش، وهذا عاش لكي يحترق. هذا قتل هذا وهذا ذبح هذه، وهذه فعلت كذا، وكذا، فعل كذا.. ! سياسيون، وزراء، ملوك، وأباطرة، لم يكن أحد يعتقد أن يشاهدوا بهذه المسكنة وبهذا الذل وهم ينتظرون حفاة عراة! عراة! السي سي..القذافي، الأسد، شارون! غولدا مائير، تسيفي ليفني.. القدماء منهم والمحدثون! معظمهم لا أعرفهم ولم يسبق لي أن شاهدت “كماميرهم” لا على كاميرات ولا على صور كتب التاريخ! بالمقابل، كان هناك المصلحون والعلماء والفقهاء والناس الطيبون ممن زهدوا في الدنيا حتى ولو كانوا أغنياء (من التعفف)..نساء ورجال، كانوا هنا، يضلهم الله في هذا اليوم الذي لا “ذل إلا ذله”..فيسعى كبار الأباطرة وأغنياء العالم عبر التاريخ القديم والحديث من قارون إلى روكفلير إلى أوناسيس إلى فورد، إلى ساويريس..! بريجيت باردو “بردو” كانت هنا تعضها كلابها، وتخمشها قططها المدللة! ، وتنطحها كباش المسلمين وتقول لها: بعععع!! ألأم تنددين يوما بذبح المسلمين للكباش وتشتمين المسلمين لأنهم ضد حقوق الحيوان يا حيوانة؟؟! الكل كانوا هنا!

كنت خائفا وأنتظر دوري تحت شمس محرقة، مع ذلك، لم أشعر لا بالحرارة ولا بالعطش.. لست أدري..ربما لأني كنت أستظل بظل أحد الصالحين؟ لا أعرف! فأنا لست ملكا ولست أيضا شيطانا! ارتكبت من العاصي ما لا يحصى ولا يعد ولا أتذكر أني فعلت الخير الكثير، صليت صلواتي أحيانا.. ولم أصم إلا شهر رمضان نائما نهارا “مقصرا” ليلا! ولم أحج ولا مرة لأني لم أخرج في القرعة أبدا مع أني كنت دائم التسجيل دون أن يكون معي مال لكي أحد.. لكني كنت سأبيع كلية واحدة مقابل ذلك لو خرجت في القرعة! المزية الوحيدة التي اعتقد أني فعلتها وأن الله يكون قد شفع في نبيه بشأنها، أني لم أنتخب يوما! لم أنتخب  أحد ولم أشارك في استفتاء إلا بقولي “لا”! لم أنتخب بنعم على أي كان ولم أزك أحدا ولم أنتم إلى أي حزب أو تنظيم لا إسلامي ولا لائكي ولا وطني ولا وثني! عملت في شغلي بإخلاص ولم أنافق ولم أتغيب ولم أكذب إلا عندما كنت أسأل عن مرتبي من طرف زوجتي!

بقيت لفترة بدت لي أعواما أسير وأنا أتفرس وجوه الناس وأسأل هذا وذاك عن ذاك وتلك، فلا من مجيب مع أننا كنا نقرأ الأفكار في أدمغة بعضنا! فهنا، لغة التواصل هي التخاطر!..بقيت هكذا إلى أن التقيت بزميل صحفي قتل أيام العشرية الملعونة! سلمت عليه، ورحنا نسأل بعضنا بعضا! الرجل كان فيما يبدو يعرف أحسن مني الكثير من الجماعات والأفراد! سألته عن جماعة كان يقودها تسعة من الملائكة الغلاظ الشداد، يضربون أدبارهم وبطونهم بمقامع من حديد! سألته عنهم فقيل لي: هذوك المجاهدين طايوان! الذين زوروا الوثائق ودخلوا الثورة من أجل الثروة، باللف والملفات من أجل مكاسب دنيوية رخيصة!: مقهى، بار، كار..ليسانس سيارة..دار!..إلخ..إنهم الآن يجنون نتائج أعمالهم بعشرة من أمثلها..والعشرة هنا تساوي مليون! ثم رأيت مجموعة أخرى وهم يساقون كالبهائم إلى المشرحة والسكاكين والسواطير تقطعهم أربا إربا وهم أحياء لا يموتون..يتصارخون ويلعن بعضهم بعضا، سألت عنهم فقيل لي: هؤلاء من أكلوا لحم أخوتهم في الدنيا! سرقوا، نهبوا، تعدوا، ظلموا، فسقوا، زوروا، كوروا، تسيسيوا فنسوا، تنوبوا فلم ينيبوا، غدروا، وعطلوا مصالح الناس، باعوا واشتروا في الحرام والربا، طففوا المكيال، استوردوا المحرمات وأفسدوا الناس بالمخدرات ومختلف أنواع الفسوق والفجور، غيروا خلق الله في الأجساد وفي الإنتاج الصناعي وباعوها للمستهلكين فأهلكوهم ماديا وصحيا: هؤلاء من باع واشترى مع الصينيين باستعمال الفساد والإفساد، هؤلاء المسئولون ما عاشوا إلا ليعيشوا، وهاهم ماتوا ليجدوا أنفسهم أمام أعمالهم وأمام خصومهم! كلهم هنا حضروا ومعهم الأشهاد!

رحت أرتجف وأنا أنتظر دوري! فأنا أيضا لم أقم بما يجب! أعطيت الرشوة ليردوا لي الهاتف المقطوع منذ سنة وأشهر، سخرت من الرئيس ومن الحكومة ومن المسئولين عندما كانوا يخطبون في التلفاز!، شتمت ولعنت المسئولين في الإدارة بعد كل دخول ثم خروج من أي مكتب أدخله..خائبا! منشرت في الإمام، لأنه يفتي بما لا يعلم، ويكسر العربية بما لا يعلم! يصلي بنا كأننا راكبين “تيجيفي”! ويغلق المسجد “بالكادنة” خمس دقائق بعد كل صلاة، لا يفتح في الوقت، ويغلق  بوقت!..

وإذا بصوت مدوي ينادي! زماااااار..زمااااار!

وأستيقظ وأنا أتصبب عرقا! لقد كانت زوجتي تناديني بغضب خلف الباب المغلق من الداخل الذي نسيته عندما كنت أحسب مرتبي الشهري.

http://ammar-yezli.blogspot.com

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جزااااااااااائررررية

    دااااااااااااااااااااااااااااااااااااك مااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااا بقىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىىى غييييييييييييييييييييييييييير التمسخيييييييييييييييييييييييير بالدييييييييييييييييييييييين