-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا أفادتنا الديمقراطية؟

ماذا أفادتنا الديمقراطية؟
ح.م

مَرَّت أكثر من ثلاثة عقود على ما عُرِف بسياسة الانفتاح السياسي والاقتصادي، ولم نَتَمكَّن بعد من استخلاص العبرة منها. لم نَتَمَكَّن إلى حد اليوم من الإجابة على السؤال التقييمي الكبير: ماذا أفادتنا الديمقراطية؟ وما الذي يُمكن أن تفيدنا به في المستقبل؟

العشر سنوات الأولى، بدل أن نُبادر إلى سياسات إصلاح اقتصادي واجتماعي ونتريَّث في الجوانب السياسية إلى حين تتهيَّأ الظروفُ تدريجيا، فتحنا باب الديمقراطية على مصراعيه، وسمحنا لكلّ من هب ودب أن يزعم الاشتغال في السياسة. وكانت النتيجة التي نعرفها جميعا: حرب أهلية ذهب ضحيتها عشرات الآلاف من أبناء الشعب البسطاء، ناهيك عما تَركته من مآسي كارثية على الصعيدين النفسي والاجتماعي والاقتصادي…

العشر سنوات الثانية بدل الاستفادة من الدّرس، ووضع غاية إستراتيجية لبلدنا تتمثل في إعادة بناء الاقتصاد الوطني وحل المشكلات الاجتماعية، ومخلفات العشرية السوداء، جعلنا من التوازنات السياسية شُغلنا الشاغل، ومن محاولة إرضاء جميع الأطراف هدفا استراتيجيا، فكان التوزيع غير العقلاني للريع، وغَضَّ الجميع الطرف عن نهب المال العام لأجل تحقيق الاستقرار السياسي وشراء السلم الاجتماعي، وضاعت العشر سنوات الثانية ومعها الملايير من الدولارات.

وبَدت للكثير مخاطر العقد الثالث، ونبَّه العشراتُ من الخبراء والسياسيين إلى أننا نسير نحو المجهول، وبدل الشروع في تصحيح الأوضاع في حينها، منذ الإشارات الأولى في سنة 2011، وما تبعها من احتجاجات متقطعة في السنوات اللاحقة، فإن الخيار الاستراتيجي للمتحكمين في القرار راهن على كسب مزيدٍ من الوقت لعل معطيات جديدة تُغيِّر الموازين، إلا أن ذلك لم يحدث.. ولم تنته العشرية الثالثة حتى طفت كافة العيوب على السطح، وبات واضحا أن الخيار الاستراتيجي لم يكن صائبا، وأن الرافضين له كانوا على حق.

وها نحن اليوم ندخل العقد الرابع، ونكاد نُكرِّر ذات الخطأ للإجابة على ذات السؤال الذي طرحناه منذ ثلاثين سنة: ماذا نريد من الديمقراطية وماذا تُريد مِنَّا؟ وينبغي ألا نُخطئ للمرة الرابعة في الإجابة عن هذا السؤال، وفي التعامل مع هذا الوافد العالمي الجديد، المفروض أحيانا.

ينبغي ألا نفرض أولوية السياسي على الاقتصادي مرة رابعة؛ ذلك أننا لا يُمكن أن نتفق على مشروع سياسي واحد ولن يتركونا نتفق حتى وإن أردنا. النقاش بين الإسلامي والعلماني المحافظ والليبرالي الرأسمالي والرافض للرأسمالية، الصادق والكاذب، عبارة عن معادلة غير قابلة للحلِّ في بلادنا في الظرف الراهن، ولن يَحُلّ هذه المعضلة الشريرة، لا النظامُ السياسي الحالي، ولا المرغوب فيه، ولا المتوقع ولا حتى المثالي! على الأقل في المستقبل المتوسط (15 سنة)، لذا ليس أمامنا سوى إعادة صوغ الغاية الإستراتيجية لبلادنا مما نريد في العقدين القادمين إذا أردنا بها خيرا. ولن ينفعنا اليوم في تقديري سوى تسبيق المشروع الاقتصادي على السياسي على الطريقة الصينية، وبدل أن تتصارع الأحزاب والتيارات المختلفة بما فيها عموم الناس سياسيا بمن يفوز بالسلطة للشروع بعدها في التفكير في آليات تطبيق برنامج اقتصادي واجتماعي.. على الخبراء الوطنيين اليوم في الداخل والخارج المبادرة ببلورة مشروع اقتصادي واجتماعي للعشر سنوات القادمة ضمن رؤية كلية واضحة، يتم عرضُه على الشعب ليصادق عليه ويُصبح ملزِما للجميع، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون لإعادة إحياء الأمل لدى الناس.

أي طريق آخر تبدو لي مخاطره جمّة، يدخل ضمن السيناريو الذي ينبغي تجنبه، إذا أردنا البقاء.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • خالد

    يا أستاذ قلالة السياسة هي عقد تفاهم متين بين الحاكم و المحكوم أو ما يجب أن يكون من أجل السير الحسن و الآمن لحياة الناس و أمن البلد و الإقتصاد القوي المتطور ما هو إلا ثمرة من ثمار هذا التفاهم آليا ...إشكالنا السياسي ينبغي الفصل فيه بكل شجاعة و لا ينبغي تأجيله ( نحن في 2021 نعيش إشكال سياسي قديم منذ خمسينيات القرن الماضي عقّد كل شيء و لم يتم الفصل فيه.......النتيجة لا سياسة و لا اقتصاد !!؟ )
    السياسة القوية يصنعها المحكوم و ينفذها الحاكم فيولد الاقتصاد القوي المنشود.