الرأي

ماذا عن أزمة الثقة؟

حفيظ دراجي
  • 5184
  • 0

الكل في الجزائر يُجمع على أن أزمتنا أخلاقية قبل أن تكون سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وتحدياتنا المستقبلية لن تقتصر على تراجع المداخيل بسبب تدهور أسعار النفط، وتراجع القيم والأخلاق وطغيان المادة على علاقاتنا وممارساتنا، بل سيكون أكبر تحد هو الثقة المفقودة بين كل الفاعلين في كل المجالات نتيجة تراكمات تاريخية وسياسية ونفسية، ونتيجة تحولات كبيرة وسريعة يعيشها البلد، ويصنعها جيل صاعد يريد فرض وجوده وتحقيق ذاته بعيدا عن كل الاعتبارات السياسية والتاريخية.

صحيح أن الجزائر مقارنة بدول ومجتمعات أخرى تملك الكثير من الإمكانات والقدرات البشرية والطبيعية والمادية، التي تجعلها قادرة على مواجهة تدهور أسعار النفط، ومواجهة كل التحديات، لكن التحدي الكبير يبقى مواجهة فقدان الثقة فيما بيننا، والثقة فيمن يتولون شؤوننا السياسية والاقتصادية والاجتماعية بسبب التشكيك والتخوين والتخويف، وبسبب عدم قدرة ولاة أمورنا على إقناعنا بسياساتهم وخياراتهم، وبسبب فشلهم في تحقيق التنمية الشاملة والفوز بثقة الأجيال الصاعدة!

قد يبدو انهيار أسعار النفط مشكلة عويصة يصعب تجاوزها إلا إذا ارتفعت الأسعار مجددا، وقد نقدر على تجاوز تراجع القيم والأخلاق بفرض مزيد من الصرامة والانضباط والعدالة والمساواة وتنشئة أبنائنا على القيم والمثل العليا، لكن استرجاع الثقة المفقودة يتطلب جهودا كبيرة وتغييرات عميقة في الذهنيات والممارسات وفي الأشخاص، الذين فشلوا وأفسدوا رغم كل الفرص التي أتيحت لهم ورغم كل الظروف والإمكانات التي توفرت لديهم!

استعادة الثقة المفقودة يزداد صعوبة في جزائر اليوم بسبب سياسات التخوين والتشكيك والإقصاء، وبسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي نقبل عليها نتيجة تراجع المداخيل، وبسبب تقلص حجم الخيارات والحلول لمشاكلنا التي تتزايد مع تزايد حاجيات الأجيال الصاعدة التي تعودت على الامتيازات والتسهيلات بأقل المجهودات وصارت تركز على الحقوق أكثر من الواجبات، وترتكز على المطالبة بتلبية الحاجيات من دون المساهمة في تحقيقها، لذلك ازدادت همومنا وتعقدت مشاكلنا ومتاعبنا، وازداد خوفنا من المستقبل.

استعادة الثقة يتطلب الجهد والوقت والكثير من الصبر، وقد يكون أولى وأهم من إيجاد الحلول لمشاكلنا الاجتماعية والاقتصادية، لأن التشكيك في نوايا بعضنا بعضا سينعكس سلبا على كل السياسات والإجراءات التي نتخذها مهما كانت صائبة، وينعكس سلبا مع الوقت على المعنويات، ويزيد من حدة التذمر واليأس في الأوساط الشعبية التي تصبح عرضة لكل أنواع الابتزاز والمساومات والمؤامرات.

استعادة الثقة يبدأ أيضا من الذات ويمر عبر الأسرة والمدرسة والمؤسسة والجمعيات والنقابات وبمساهمة كل وسائل الإعلام، وفي كل ذلك تبقى مسؤولية الدولة بمؤسساتها المختلفة كبيرة جدا، لأنها مازالت تتحكم في كل شيء وتملك الإمكانات والميكانيزمات التي تسمح لها بتجاوز كل الأزمات والتحديات.

مقالات ذات صلة