-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا لو كان ساركوزي مجرد انتهازي: لا عنصري ولا يميني ولا يساري ولاشيء آخر؟

الشروق أونلاين
  • 2270
  • 0
ماذا لو كان ساركوزي مجرد انتهازي: لا عنصري ولا يميني ولا يساري ولاشيء آخر؟

على غير العادة، حتى الذين لم يتعودوا على التصويت أقسموا هذه المرة أن لا يتركوا الصناديق شاغرة يفعل فيها المنافسون ما يشاءون.باريس التي من عادتها الخلود إلى الراحة في العطل الأسبوعية والنوم إلى غاية منتصف النهار أيام الأحد، اشتغلت في هذا اليوم السادس من شهر ماي 2007 وشهدت حركة غير طبيعية منذ الصباح الباكر. وسائل النقل العمومية بدت وكأنها في أيام الأسبوع في ذهاب وإياب تنقل الناخبين الذين بدوا أكثر عددا من الذين تكفلت بهم في الدور الأول من الرئاسيات.الميترو لم يبق وحيدا إلى غاية بعد الظهر كما عوّده مرتادوه، وشرطة باريس كثفت من الحواجز الأمنية على طول الشوارع الباريسية وأحاطت بضواحيها ذات الحرارة السياسية غير الطبيعية. البعض يفسر ذلك بالتحسب لإمكانية حدوث اضطرابات في حال فوز نيكولا ساركوزي الذي لا يكن له شباب الضواحي لا الود ولا الاحترام ، فيما يعتبره آخرون استفزازا جديدا من النظام اليميني الحاكم إذ يوحي بحكم مسبق على سكان هذه الأحياء الشعبية أو حتى يدفعهم ضمنيا إلى ارتكاب حماقات لا شك أن هناك من سيجيد استغلالها إذا وقعت.

القنوات التلفزيونية نقلت أن مصالح أمن باريس ألقت في الميدان بـ: 3000 شرطي وكثفت من حضور رجال الحماية المدنية و المطافئ وكأنه استعداد لإدراك سيارات ستحترق، خصوصا وأن الضواحي لا تحسن الغضب والتمرد إلا عن طريق إضرام النار إلى درجة أن العديد من أسواق السوبرماركت شددت خلال أحداث 2005 الرقابة بالكاميرات على رفوف المواد الحارقة.لماذا تكره الأحياء الشعبية مرشح اليمين؟ “لأنه لايترك لهم الحبل على الغارب كما فعل اليسار” يرد روبير دون تردد. بالنسبة إليه شباب الضواحي أو الذين أطلق عليهم ساركوزي تسمية “الحثالة” في خرجة إعلامية مدروسة قبل عامين يخربون استقرار البلاد بفرضهم لإرادتهم على الناس بدلا من إرادة قوانين الجمهورية وعدم احترامهم للنظام. “الكثير منهم، يضيف روبير الذي لم يبلغ خمسيناته بعد، لا يبذل أي جهد من أجل الاندماج المهني ويعيش عالة على المساعدات الاجتماعية التي ندفعها نحن المواطنون المكدون من أجورنا وعرق جبيننا، ويتسترون خلف العنصرية كلما انتقدناهم على ذلك”.

مصطفى، الفرنسي الجزائري الأصل العاطل عن العمل منذ أن تم تركه لصفوف الجيش الفرنسي، يقول: “هذا غير صحيح بالضرورة، حتى وإن كان ينطبق على أقلية لا تمثل شيئا عدديا ثم أن من بينها الكثير من الفرنسيين الأصليين كما يقال الذين تفتح في وجوههم كل أبواب المساعدات الاجتماعية عندما يطلبونها، فيما تغلق أغلبها في وجوهنا لأننا ننحدر من المهاجرين ولأننا نختلف في أصولنا وثقافتنا. الحقيقة إنهم لا يحبوننا حتى وإن ابتسموا في وجوهنا..هم هكذا”. حوار الطرشان، هذا ما يمكن استشفافه عند الاستماع إلى الطرحين النقيضين السائدين في الوقت الحالي في فرنسا بين المنحدرين من الهجرة والذين “لا يحبونهم” كما يقال. مصطفى الذي توخينا تغيير اسمه، نزولا عند رغبته لم يتجاوز 22سنة بعد، يجد صعوبة كبيرة في العثور على عمل لأنه غير حامل لشهادات عليا وليست لديه علاقات، كما أنه فقير يعيش بمفرده مع أمه التي تركها أبوه منذ أكثر من 10 سنوات ليستقر نهائيا في منطقة البويرة في الجزائر. داخل الجيش شعر أنه عسكري من درجة دنيا ولا يُتعامل معه بنفس المستوى من الثقة والاحترام الذي يعامل به جنود آخرون من “فرنسيي الجذور”، مما تسبب له في “العديد من المشاكل والشبهات التي لاسند لها في الواقع” انتهت إلى التراجع عن الخدمة في الجيش. اليوم، اكتشف شيئا آخر رهيبا وهو أن اسمه و شكله “العربي” يشكل حاجزا كبيرا في وجه طموحاته المهنية ولا يسمحان له في أقصى الحدود، إن ابتسم له الحظ في المستقبل، بأكثر من مهن التنظيف والحراسة أو الخدمة في المقاهي والمطاعم.. وليس كل المقاهي و المطاعم….

في فرنسا توجد بطارية كاملة من القوانين والمؤسسات التي تكافح العنصرية بمختلف أشكالها، لكن كل هذه الإجراءات لم تنجح حتى الآن من طرد التمييز من العقول. بطبيعة الحال، عقول نسبة معينة من الفرنسيين وليس كل الفرنسيين لحسن حظ فرنسا. ولا أحد يستطيع أن ينكر، على سبيل المثال، وجود العنصرية المهنية في القطاع الطبي حيث لا يسمح للأطباء الأجانب بتقاضي نفس الأجر الذي يتقاضاه الطبيب الفرنسي رغم قيامهم بنفس العمل وحتى ولوفاقت كفاءة الأجنبي كفاءة الفرنسي…الساعة تشير إلى الخامسة مساء،صحيفة “لُوسْوَارْ” البلجيكية نشرت على موقعها الإلكتروني نتائج غير رسمية تقول أن نيكولا ساركوزي فاز بالرئاسيات بنسبة 54 بالمائة.حشود المناضلين والمتعاطفين مع الحزب الاشتراكي الذين كانوا متجمعين أمام مقر الحملة الانتخابية يبدو عليهم الإحباط ولم يعودوا يأملون كثيرا في انتصار مرشحتهم. الذين جرى الحديث معهم متخوفون كثيرا من نسبة المشاركة القياسية التاريخية التي بلغت على الساعة الخامسة بعد الظهر 75,11 بالمائة والتي حسب بعضهم لا شيء يضمن أن قاعدة اليميني المتطرف جان ماري لوبان لم تلتزم بتعليمات زعيمها بالامتناع عن التصويت وتقف وراء نسبة المشاركة المرتفعة. والخوف كل الخوف أنهم قرروا منح أصواتهم لنيكولا ساركوزي الذي أحسن مغازلتهم في أخر تجمع هام له في مدينة مونبولييه جنوب فرنسا.

أنصار سيغولين، حافظوا رغم ذلك على مرحهم وهتافاتهم بحياة مرشحتهم في انتظار “المعجزة” على حد تعبير أحدهم مبتسما.يرن الهاتف فجأة؛ زميلي شادي شلالة، الصحفي اللبناني بإذاعة مونت كارلو الدولية على الخط: “أعتقد، وأغلب الناس هنا يعتقدون، أن التضخم الذي شهدته نسبة المشاركة التي تعتبر قياسية سببه التصويت الكثيف للذين لا يريدون لسيغولين روايال أن تفوز”. شادي كان يتحدث من مقر مكتب الحملة الانتخابية لمرشح اليمين نيكولا ساركوزي. ويضيف:”أنصار ساركوزي مقتنعون بفوز مرشحهم ولا يساورهم شك في ذلك”.

على كل، الأخبار تؤكد أن سيغولين ستتوجه بخطاب إلى الفرنسيين مهما كانت نتيجة التصويت من “بيت أمريكا اللاتينية” في الدائرة الباريسية السادسة. على مقربة من ضفاف نهر السين، في شارع سان جيرمان، عبد الناصر، الصديق الجزائري الذي أصبح منذ أشهر فقط مزدوج الجنسية يحيي ملوحا بوثيقته الانتخابية: “لا أريد أن أرى ساركو في الإيليزيه.. وقد صوتت لسيغولين روايال”. لكن ما الذي تلوم عليه هذا الرجل؟ عبد الناصر:” هذا الشخص لو نفذ ما قاله في حملته الانتخابية، حتى وإن كنت لا أعتقد أنه سيفعل ذلك لخطورة الأمر على فرنسا، لأحدث شقاقا عميقا داخل الجسد الفرنسي لا تحمد عقباه وسيكون كارثيا على الجميع، بل حتى على البلدان المرتبطة بعلاقات كثيفة مع هذا البلد”. عشية التصويت في الدور الثاني سمعت هذا الكلام من صديق آخر؛ رجل سياسي تونسي وطبيب جراح وأديب وناشط حقوقي معروف ومحلل سياسي كان قد نافس زين العابدين بن علي على كرسي الرئاسة في الاستحقاقات الرئاسية التونسية الأخيرة وهو الدكتور منصف المرزوقي. المرزوقي قال إنه متخوف كثيرا من إمكانية فوز ساركوزي حتى وإن لم يكن راضيا على سيغولين روايال. لماذا؟ المرزوقي قال: “هذا الرجل قد يكون سببا حتى في دخول، أو بالأحرى، عودة الإرهاب بقوة إلى فرنسا وسيعاني من هذا الاحتمال الفرنسيين والمهاجرين على السواء.. والعرب والمسلمين بشكل خاص”. المرزوقي كرر هذه الأقوال بعيد لحظات على مسامع مستمعي قناة إذاعية فرنسية دولية كبيرة.

لكن ماذا لو كان ساركوزي مجرد شخص يطمح فقط إلى تولي رئاسة الفرنسيين والاستفادة ومسانديه من أرباب المال والإعلام من ريوع المنصب.. والبقية مجرد كلام لتحقيق حلمه على حساب الغلابى؟ هذا ما ستكشفه لنا الأيام…

فوزي سعد الله

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!