-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ماذا يُرضي الغربَ من التيار الإسلامي؟

بقلم: طهراوي رمضان
  • 596
  • 0
ماذا يُرضي الغربَ من التيار الإسلامي؟

تطوّرَ خطابُ التيار الإسلامي في مختلف البلاد الإسلامية وفي غيرها خلال العشريتين الأخيرتين خصوصا بعد الهجمات على برجي التجارة في نيويورك في 11 سبتمبر 2001، فتحوّل في مجمله إلى خطابٍ استرضائيٍّ اعتذاريٍّ، يحاول أن ينفي عن نفسه تهم الإرهاب وغائلة مناكفة القيم المدنية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

ينبغي في هذا الإطار التنبيه إلى أن التيار الإسلامي لا يمثل نمطا فكريا أو نسقا عقليا واحدا بل هو مشارب متنوعة، يجمع بينها الولاء لأساسيات الدين المشتركة. كما تجب الإشارة إلى أن التوجهات الإسلامية السياسية والجهادية ثم بعدها بمسافة التوجهات السلفية هي التي تعرَّضت أكثر من غيرها إلى حملات الشيطنة والوصم بالإرهاب والتشدد. ولم تتساو ردات فعل التيار الإسلامي تجاه تلك الحملات بل تعددت حسب المساحات الفكرية والجغرافية القائمة.

للإنصاف، فإن أحداث سبتمبر 2001، وحملات الشيطنة المنظمة التي تلتها لم تكن الباعث الأول للمراجعات وردات الفعل الفكرية والمنهجية والعملية، بل إن الحوار الداخلي انطلق وجملة من الأحداث الداخلية في بعض الأقاليم العربية والإسلامية على شاكلة مصر وسوريا وإيران وأفغانستان سبقت المراجعات الفكرية الثورية المذكورة منذ سبعينيات القرن الماضي. لقد تولت مدرسة الإخوان المسلمين بمختلف تفرعاتها زمام تلك المراجعات، وذلك ليس غريبا بالنظر إلى طبيعتها الدعوية والسياسية، وذَيْعِ صيتها وانتشارها.

لقد تولت رموزٌ متفرعة عن حركة الإخوان المسلمون مثل د. حسن الترابي والشيخ راشد الغنوشي ود. يوسف القرضاوي ود. عبد الله النفيسي وبدعوى الواقعية أمر بالقيام بصدمات اجتهادية في قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة والمدنية. ولم تجد بعض من تلك الآراء نقاشا مستفيضا أو مقاومة تُذكر داخل منظومة الإخوان المسلمين الرسمية، بل كان هناك ما يشبه سكوت التزكية والرضا، ومن هناك بدأت كثير من المفاهيم العلمانية في التسرب إلى القواعد والعقل الجمعي لأبناء التيار الإسلامي الدعوي والسياسي.

ماذا يُرضي الغرب من التيار الإسلامي؟

حتى يسالم الغربُ المسلمين عموما والتيارَ الإسلامي خصوصا، يرغب منه أن يتخلى عن فكرة الاستقلال والنِّدِّية الحضارية، وأن يندمج ضمن قطعان الأمم التابعة التي لا تجرؤ على المعارضة. والغرب يرضى منه إسلاما طقوسيا وفولكلوريا أو حتى فلسفيا باردا، ركّزَ ذلك الإسلامُ على مجاهدة النفس، أو عانى من سذاجة الفهم ومحدوديته، أو حلّق بعيدا في عالم الخيال. وهو لا يريد بحال أن يتجاوز التيار الإسلامي تلك الحدود المريحة، فيؤذيه بفكرة الشريعة والقانون، لأن الشريعة ترجمة عملية لفكرة الدولة، وهي التنزيل العملي لمعاني الإسلام الكبرى وأولها التوحيد. ولأن الدولة تحتاج في ديمومتها إلى قوة تسندها وتحميها، فإن الغرب يكره الجهاد ويحارب أحكامه.

من الواقعية الاعتراف أن الغرب قد نجح بعد عقود طويلة من الإنهاك الفكري والسياسي والمعيشي أن يخترق جبهة المسلمين الداخلية، فتشكلت أقطابٌ تابعة له، منها الصريح الذي ارتدّ عن الإسلام عمليا وأصبح يحارب أحكامه جهرة، ومنها التابع الجاهل الذي يمارس الحياة بمنظور غربي، ومنها التابع اللامبالي الذي يعيش كالسوائم. كما تسرّب الوهنُ الفكري والعملي إلى بعض الرموز والقواعد المقاوِمة من أبناء التيار والصحوة الإسلامية، ففضلت الموادعة على المجابهة، وبدأت تعرض عليه سيلا من التنازلات.

ولأن كل ذلك يحتاج إلى تعليم وتربية، فإن الغرب يحارب التعليم الإسلامي بمختلف وسائل الترهيب والإرجاف والضغط والاستمالة.

من الواقعية الاعتراف أن الغرب قد نجح بعد عقود طويلة من الإنهاك الفكري والسياسي والمعيشي أن يخترق جبهة المسلمين الداخلية، فتشكلت أقطابٌ تابعة له، منها الصريح الذي ارتدّ عن الإسلام عمليا وأصبح يحارب أحكامه جهرة، ومنها التابع الجاهل الذي يمارس الحياة بمنظور غربي، ومنها التابع اللامبالي الذي يعيش كالسوائم. كما تسرّب الوهنُ الفكري والعملي إلى بعض الرموز والقواعد المقاوِمة من أبناء التيار والصحوة الإسلامية، ففضلت الموادعة على المجابهة، وبدأت تعرض عليه سيلا من التنازلات.

دفع إجهادُ الغرب الحضاري للتيارات الإسلامية وتحكّمه السياسي والاقتصادي، وتحالفه مع أكثر الأنظمة المستبدة التابعة له بالبلاد الإسلامية، وندرة الإنجازات المحققة خلا الامتداد الشعبي والأفقي الواسع، وإخفاقات التنفيذ ومشاريع الوحدة، ومحدودية قيم الجندية والصبر، وضعف التخطيط، وطفوُّ الفقاعات المؤقتة (حركات شعبوية تحرق المراحل وتُلهب مشاعر الناس بالشوارع وتقلّد صنوف النضال التروتسكي)، دفع كل ذلك التيارات الدينية إلى القيام بمراجعات فكرية خطيرة منها ما يلي:

  1. التخلي جزئيا أو كليا عن فكرة التغيير الشامل.
  2. التخلي جزئيا أو كليا عن فكرة التميّز الإسلامي.
  3. التخلي جزئيا أو كليا عن مفاهيم التربية والإعداد الروحي والخُلقي والفكري للأفراد.
  4. تقبّل أو تبنّي قيم ليبرالية غربية المنشأ، مثل المدنية والتعايش وحقوق الإنسان والديمقراطية واقتصاد السوق وهلُمَّ جرا.
  5. هجران بعض القيم الإسلامية الأصيلة كالجهاد والخلافة والولاء والبراء والشريعة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  6. إبرام اتفاقات وتحالفات ظرفية فضفاضة مع قوى علمانية، ومصادقة الفاسدين والمتورطين في قضايا تمس بالشرف والقيم.
  7. التعسف في استخدام مفهوم المصلحة والضرورة الملجئة.
  8. اللهاث وراء هدف كسب الأنصار المؤقتين في المواعيد الانتخابية.

كل هذه الاتجاهات استنزفت الوعاء الإسلامي، وقضت على جزء كبير من مصداقيته، فتشظى وانفرطت حبيباتُ عقده، فمال لفيفٌ منه نحو الاعتزال وأصابته أعراضُ الشيخوخة الفكرية، واستلذّ لفيفٌ منه طعم الحياة الجديدة فراح يكرع منها بلا ارتواء، واستنكر قومٌ وخارجوا إخوانَهم، وظل لفيفٌ صابرا يصطلي ضروبا كثيرة من النيران.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!