-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
الكاتب والمفكّر رضا بلحاج لـ"الشروق":

ماكرون يتسابق لترضية الصهيونية العالمية لظنه أنها مركز القوة العالمي

ماكرون يتسابق لترضية الصهيونية العالمية لظنه أنها مركز القوة العالمي
أرشيف
المفكر والكاتب التونسي رضا بلحاج

يحلل المفكر والكاتب التونسي رضا بلحاج، المواقف المتطرفة للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون حيال جرائم الإبادة الصهيونية في غزة، ويؤكد انه ناتج عن سياق غربيّ متشابه معاد مبدئيا لكلّ قضايا العرب والمسلمين بوصف أنّ الأمّة عدوّ تاريخي لهذا الغرب.

ويقول بلحاج في هذا الحوار مع “الشروق”، إن فرنسا المزعومة لمناصِرةً حقوق الإنسان، هي في الحقيقة نظام استعماري قمعي.

كيف تقرأ المواقف المتطرفة للرئيس الفرنسي تجاه ما يحدث في غزة، وهو المسؤول الغربي الوحيد الذي دعا لتشكيل تحالف دولي لمحاربة حماس بزعم أنها مشابهة لداعش؟
موقف فرنسا الصّاخب في تأييد الكيان الغاصب في عدوانه ناتج أوّلا عن سياق غربيّ متشابه معاد مبدئيا لكلّ قضايا العرب والمسلمين بوصف أنّ الأمّة عدوّ تاريخي لهذا الغرب نازعها القيادة المحليّة والعالميّة وبوصف الأمّة تمثّل ولو بعد حين منافسا محتملا، بهويّة حضاريّة مغايرة.
وفرنسا تحديدا هي بطبعها، ولقرون دولة استعماريّة ماكرة وتحت خطّ الإنسانيّة ومنها انطلقت الحروب الصليبيّة ضدّ البلاد الإسلاميّة، وثانيا اللّوبي الصّهيوني في فرنسا متغلغل ومتحكّم إلى حدّ بعيد. ويكفي التذكير أنه يوجد بفرنسا أزيد من مائة تنظيم وجمعيّة يهوديّة موالية للكيان الصهيوني وهي ناشطة ومؤثرة، وقد سبق لشارل ديغول أن عبّر عن تضايقه من هذا النفوذ الصهيوني فاتُّهِمَ بمعاداة السّاميّة!!
هذا ما جعل فرنسا تسارع إلى تمكين الكيان الغاصب منذ الخمسينات من لوازم محطة نوويّة لتصبح دولة نوويّة مارقة غير معلنة!! وثالثا فرنسا الآن في تدحرج إقليمي ودولي لا يخفى، لذلك تُسابق لترضية الصهيونيّة العالميّة لظنّها أنّها مركز القوّة العالميّ ويمكن أن تسعفها.
ويعلم الجميع أنّ أوروبّا ومنها فرنسا أقامت الكيان الغاصب في قلب العالم الإسلامي للتخلّص من عبء اليهود ومشاكلهم في أوروبّا، والخوف كلّ الخوف اليوم من عودتهم إليها، فوجه المساندة الغربيّة لليهود في فلسطين المحتلّة هو حبٌّ وخوفٌ عليهم، وهذه المساندة هي النفورُ منهم والخوفُ منهم ومن عودتهم.
أمّا دعوة فرنسا إلى مؤتمر دولي ضدّ حماس فهي مهزلة تؤكد أنّ مقترحات فرنسا صارت بلا وجاهة ونصيبها من النجاح يُقارب الصّفر، فهي لم تعترف بضعفها وتحاول أن تتصرّف تصرّف الأقوياء، ولكن بتهافت وعجرفة.
وهذا يذكّرنا بما حدث لها بعد انقلاب النّيجر ومن قبلُ مالي وبوركينا فاسو، إذ اقترحت فرنسا، بل حاولت إيجاد حلف عسكري ضدّ النّيجر، ولكنّها خُذلت ولم تجد الاستجابة وأصبحت محلّ تندّر!!!
وفي قضيّة الحال، أي الحلف المقترح ضدّ حماس الأمر أكثر سخافة ولن يجد الأرضيّة الدوليّة المعقولة والمقبولة في حدّها الأدنى، لأنّه، بالمنطق وبالواقع وبالقانون وبكلّ الأعراف، هي حركة تحرّر وطني في وجه دولة احتلال، والقول بخلاف هذا هو تخصيبٌ لتناقضات الغرب و كلّ مرجعيته الحقوقيّة!!!
وقياس حماس على داعش قياس مفضوح لا يَنطلي، لأنّ داعش غلّبت الحروب الأهليّة على مقاومة المحتلّ وجاءت أصلا لتنحرف بالثورات العربيّة وتفكّك جيوش المنطقة، أمّا حماس فهي متلبّسة بفرض صحيح صريح لا لبس فيه ألا وهو المقاومة على أرض محتلّة أفظع احتلال، علما وأنّ فرنسا من أكثر البلدان التّي تموّه وتخادع بموضوع الإرهاب فهي تستعمله لتطويع الدّول المتمرّدة على نفوذها.
“وقع مثل ذلك الاصطناع للإرهاب في النيجر أخيرا بعد أن اندحرت منها على قاعدة إذا أردت أن تسيطر فاصنع المشكلة ثمّ قدّم الحلّ” ومثل ذلك فعلته في تونس والجزائر.

هل تخلت فرنسا عن بعض قيمها، نذكر هنا مواقف متقدمة لشيراك أثناء غزو أمريكا للعراق العام 2003؟
ما ظهر من ممانعة فرنسيّة لأمريكا عند غزوها العراق، أو عند زيارة جاك شيراك للأراضي المحتلّة ومخالفته الكيان في مسألة الإستيطان، فقد كان ذلك محاولة لإحياء الديغوليّة سرعان ما انطفأت بمفعول اللّوبي الصّهيوني، ويكفي التّذكير هنا بموقف رئيس الحكومة الفرنسيّة حينها “ليونال جوسبان” الّذي قال وهو في فلسطين المحتلّة: أنّ المقاومة هي حركة إرهابيّة، وحين استدعاه الرئيس شيراك لمساءلته رفض الحضور!!!

قبل ذلك ما هي محددات السياسة الخارجية الفرنسية، وما قوة اللوبي الصهيوني في دوائر صنع القرار؟
كلّ المرجعيّة الدّيمقراطيّة والحقوقيّة التّي تدّعي فرنسا أنّها عنوانها المميّز، وتسعى لتعميمها على الشّعوب والدّول، تبيّن بالمكشوف، للقاصِي قبل الدّاني أنّها فقط للاستدراج والتّمويه.
ويكفي التّذكير أنّ استعمار فرنسا الوحشيّ لبلدان عربيّة وافريقيّة كان من حكوماتها الجمهوريّة المتبجّحة بالحداثة والدّيمقراطيّة، وما بالعهد من قدم!!
ويكفي التّذكير بقول جاك شيراك بعد خروجه من السّلطة في فلتة لسان معبّرة “لولا استغلال فرنسا لإفريقيا لكانت في مصافّ العالم الثّالث”!! ما يعنى أنّ الاستعمار أصيل ومطلوب في سياسة فرنسا الخارجيّة.
لقد وَلّدت فرنسا، المزعومة مناصِرةً لحقوق الإنسان، نقيضَها الإستعماريَّ القمعيَّ الّذي لا وجه له ولا وجاهة، ليعلِّم أحدا معاني الحريّة وحقوق الإنسان!!! والقضيّة الفلسطينيّة وتحديدا العدوان على غزّة عدوانا قلّ نظيره في الإرهاب والإجرام خير دليل على النّفاق الفرنسيّ الّذي انحاز منذ الأيّام الأولى للكيان الغاصب بطريقة مستفزّة للعرب والمسلمين.

سفراء فرنسيون نبهوا في مذكرة داخلية لسوء تقدير الرئيس من طريقة التعامل إزاء المحرقة الصهيونية في غزة، هل يمكن أن يشكل هذا تحولا في موقف ماكرون؟
التّدارك فيه حين أنفضح الكيان الغاصب عالميّا، واستقال بعض الدّبلوماسيين الفرنسيين كان تداركا على مضض، ملطّفا في شكل لفت نظر، لا نقدَ ولا إدانةَ فيه للكيان كأنّه يقول له حسِّن شروط وظروف العدوان لتضمن الإنتصار!!
على العرب والمسلمين من حكّام وشعوب أن ينأوْا بأنفسهم عن فرنسا الّتي استهترت بنا وأمعنت في احتقارنا، وبيننا وبينها ثأرٌ حضاريّ لم تُشف منه الصّدور، علينا أن نمثّل مع إخواننا في إفريقيّا تيّارا تحرّريّا كاسحا من التبعيّة الفرنسيّة المُصرّة على تجديد عدوانها والقامعة لكلّ جهد نهضويّ سياديّ ومستقلّ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!