-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مالك بن نبي.. لماذا لا نفهمه؟

صالح عوض
  • 13861
  • 29
مالك بن نبي.. لماذا لا نفهمه؟

مضى وقت طويل وأنا مندهش بمالك بن نبي كاسم وعنوان متميز في الثقافة العربية الإسلامية ولكن دون أن أدرك أن مالك بن نبي كان مشغولا في كل كتبه بالبحث عن التقاط اللحظة التاريخية والفكرة الملهمة التي تعري الزيف عن الحقائق وتعيد للأشياء ترتيبها وتدخل على الموات روحا تحيله كائنا حيا عضويا يقوم بمهماته في تنمية عناصر البناء الإنساني المتميز اليقظ لانبعاث الأمة برسالتها الإنسانية المتميزة..

كنت كأبناء جيلي اعتقد أن مالك بن نبي مشغول بما كان كتاب الجيل ومنظروه مشغولين به من الدفاع عن الإسلام في مواجهة التغريب والعلمانية والإلحاد والاشتراكية بشكله الشعاراتي والايدولوجي.. ولا أنكر أن كثيرا من أبناء جيلي كان حريصا على اقتناء كتب الأستاذ مالك ويحيطها بكثير من الاحترام وأحيانا الافتخار.. كنا نتخاطف بعض كلماته وجمله ونتفذلك بها ونزين بها بعض مقالاتنا وخطبنا ومناظراتنا ولكن دون تأمل نظرياته وسياق أفكاره..وكلما حاول أحدنا الإيغال في أحد كتب الأستاذ أصيب بالدوار والإرهاق  والنعاس والتعب من صعوبة الأفكار ودقتها وتركيبها الحساس، وقد يكون ذلك كله لأنه يتكلم عن ساحات معركة لا نراها بأعيننا القاصرة وتفكيرنا المعلب ..وكان الكثير من أبناء جيلي في السبعينات والثمانينات يصاب بالانقباض وهو يسمع عن مواقف للأستاذ كموقفه من الثورة الزراعية بالجزائر او نقرأ عن موقفه المؤيد لمشروع عبدالناصر الصناعي.. أو كان يقدم لكتاب له بمقولات من غير القرآن وعلماء الإسلام.. كنا نتهرب من هذه النقاط التي كأن الخجل يصيبنا عندما نطرحها على لسان مفكر إسلامي.. وبالمناسبة لم يكن الأستاذ يحب أن ينعت بأنه مفكر إسلامي وكنا نغرق في عدم فهمه..

تميز مالك بن نبي وهو احد طلائع جمعية العلماء المسلمين الجزائريين عن غيره من المفكرين والعلماء في المشرق والمغرب.. لقد كان أصيلا ولكن دونما تقديس للحواشي بل يذهب عميقا للمتن وبروح يقظة نابهة، فكان كتابه الأول “الظاهرة القرآنية” طريقة جديدة في التعامل مع النص منطلقا من التحدي الفكري والفلسفي المطروح على الإسلام ليجرده من كل ماران عليه من افهما تغبش رؤيته وتثير التساؤلات حول صلاحيته.. ان تلك العملية الجديدة كانت مستهجنة لدى قطاعات من جيل الصحوة الإسلامية التي كانت مغرقة بكلام سطحي عن الإسلام والقرآن.. لقد جهد مالك بن نبي أن يتحسس روح الوحي حية تهتف بالقرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم وتبعث الأمة من غار حراء بروح الرسالة الصافية النقية متحررة من كل العصبيات.

وقدم مالك بن نبي أفكارا تناقش الإنسان وذهنيات  تفكيره ومنظومة قيمه وكيف تتشكل وكيفية ترتيب منظومات القيم.. ودخل عالم المصطلحات بجدية متصديا للعملية الاستعمارية في إنتاج الأفكار والمفاهيم التي تريد قلب الوقائع وخلق مناخ مختلف عن سياق الصراع الحقيقي.. وناقش بعمق خلفيات الاستعمار إيديولوجيا واجتماعيا واقتصاديا وكيف يوظف الاستعمار كل الأشياء بعد تحريفها عن طبيعتها ليجعلها أسلحة فتاكة ضد الشعوب و ثقافاتها.. وكيف يصنع الاستعمار عوالم من الأشياء والاستهلاك ويغري بها الجهلة ليسحبوا شعوبهم نحو الهلاك والتلاشي.. وهنا تظهر الصرامة الفكرية والحسم الدقيق والواضح في الحكم على المواقف السياسية التي لا تراعي العالم بالآخر وإدراك قوته ودجله ولا تأخذ في الحسبان حجم المؤامرة.. هنا تتجلى عبقرية مالك بن نبي حتى يصبح كأنه يقرأ الغيب في حديثه عن التجمعات والمجتمعات والقوى السياسية ومسيرة الاستعمار.

وبحث مالك بن نبي عن عناصر القوة في جبهة الأمة.. ونفض عنها الغبار، كان المنطلق عنده الشرط الذاتي ونقطة الانطلاق فيه القرآن الكريم كما نزل على محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم يحل مشكلات واقعية ويطرح تحديا منهجيا لكل المناهج التي تعالج قضية الإنسان على الأرض.. ثم فتش عن الجماعات والمجموعات والاجتهادات في الأمة فاثني على الجميل فيها وحذر من الخبث وخطورته.. وسار حاديا لركب المسيرة الإسلامية واضعا النقاط على الحروف مشخصا أسباب سقوط الأمة ومحددا اللحظات الحاسمة التي أسست لما نحن فيه.. تكلم عن غار حراء ودور البعث الروحي في الأمة وكيف حصل الفصام بينه وبين البعد المادي في صفين حيث وقعت الهزيمة الأولى الكبرى لدفقة الروح أمام انتعاش العصبيات.. ومن صفين إلى سقوط غرناطة تكون الأمة قد استسلمت لضربة الإيقاف حتى جاء السقوط من ضياع غرناطة.. ناقش الأحداث الكبرى بروح المؤرخ الضليع ونظر الى النصوص بإحاطة المفسر البارع وحلل المجتمع كأروع ما يكون البحث دقة وعلمية..

ولقد ادخل مالك بن نبي على مصطلحات المثقف المسلم قائمة طويلة لم تكن معروفة لديه انتزعها من الحضارة المعاصرة ونقاها من ظلالها الرديئة وأعاد بعثها في جملة راشدة.. وادخل على أبجديات تفكيرنا منهجية التناول العلمي والتحليلي للظواهر والأفكار كما انه أدخلنا إلى عوالم الاقتصاد وكيف يجب أن ننظر إليه كأحد اخطر مجالات التحدي القائم.. نبهنا مالك بن نبي انه بدون تنظيم وإدارة لأفكارنا وأشيائنا وأشخاصنا نكون عابثين نضيع الجهد ونبعثر الطاقات.. كما أن مالك حذرنا من خطورة الالتقاء مع الاستعمار في أي أشكاله في منتصف الطريق لأنه حينذاك سيصرعنا على مسرح المعركة التي يكون قد اعد لها عدته.

مالك بن نبي المبشر بنهضة الأمة في حين كان غيره يبشر بالهزائم او يبشر بالتكفير والتفسيق.. لم ير ان حدود الأمة فقط من طنجة إلى جاكرتا بل أعطى للثقافة مداها في الفعل السياسي عندما وقف منظرا ومدافعا للفكرة الأفروأسيوية.. مالك بن نبي المتأمل في عناصر النهضة وشروطها والمكتشف بدقة لقوانين القابلية للاستعمار وكيفية تأديتها دورها في تخدير الأمة وصرف طلائعها عن العمل الجاد.. المتأمل بدقة لكيفية حدوث التحول الحضاري وكل عناوين الجمال الروحي والشكلي يستحق منا إعادة قراءة على ضوء ما نكتشف من فراغ في عالم الأفكار والفعل الايجابي.

هل من ضرورة الآن لإعادة الاعتبار للعقل بعد أن عبثت بنا الأفكار السطحية عن الإسلام والنعرات الحزبية الضيقة وبهلوانية الساسة والمتسلقين الانتهازيين الذين حولوا الإسلام إلى أداة لتحقيق غاياتهم الخاصة.. هل من ضرورة أن نحترم إرادة الحياة فينا ونحترم مسئولياتنا نحو امتنا وشعوبنا؟ إن كانت الإجابة بنعم فإننا سنجد صديقنا وأستاذنا المفكر الكبير مالك بن نبي ينتظرنا للنقاش وإثارة القضايا الأساسية في تشكيل وعي الأمة والإشارة الى سبيل نجاتها.. وهكذا نستطيع القول إن مالك بن نبي قد استثمر في ثقافة الأمة ووعيها ومحطة انطلاقها نحو فعل حضاري يخرجها من السبات أو الموت ألسريري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
29
  • sofiane bourekhoum

    السلام عليكم ورحمة الله شكرا لك علىالتحليل الموضوعى للمقال يا محمد بولحجل نتمنى مواصلة كتابة المقالات فى الموقع الجريدة اعجبنى تحليلك للمقال عن مالك بن نبى رحمة الله تعالى عليه نتمنى ان تتكتب مقالا لمالك ابن نبى حول سقوط الحضارات محب الاصلاح والمصلحين فى الامة سلام .

  • الجيلالي سرايري

    موضوع قيم عن رجل عظيم هو مالك بن نبي رحمه الله وهو خلاصة عامة او تلخيص ربما لضيق المكان
    ان الشي ءالاساسي الذي ركز عليه مالك بن نبي هو الفعالية اي الانجاز والابداع والتي فقدها المسلمون مع سقوط دولة الموحين حيث يتخذ من انسان الموحدين نموذجا للفعل الحضاري كما ركز على صراع الافكار الذي تطور وبتطور وسائل المعرفة والاتصال

  • الجيلالي سرايري

    موضوع قيم عن رجل عظيم هو مالك بن نبي رحمه الله وهو خلاصة عامة او تلخيص ربما لضيق المكان
    ان الشي ءالاساسي الذي ركز عليه مالك بن نبي هو الفعالية اي الانجاز والابداع والتي فقدها المسلمون مع سقوط دولة الموحين حيث يتخذ من انسان الموحدين نموذجا للفعل الحضاري كما ركز على صراع الافكار الذي تطور وبتطور وسائل المعرفة والاتصال

  • عيسى ربيعي

    بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله
    أحبتي في الله ما عساني أن أقول في الذين ضيعوا الامانة و ما عرفوا لها حقها الا قولى هذا:اذا قوم ضاعت أخلاقهم فأقم عليهم مأثما وعويلا.
    رحم الله ماللك بن نبي و أمثاله في كل العالم.

  • salim

    لم يكن مالك بن نبي عضوا في الجمعية بل قال فيه أحد العلماء : " قال جزائري يكتب بالفرنسية ....." و لا يزال حالنا كذلك الحال الذي قيلت فيه العبارة السابقة

  • عبد الصمد

    رحم الله من وصف سياسات العالم العربي بالزردة و الوعدة و المواعيد الفولكلورية.

  • عبد الصمد

    رحم الله من وصف سياسات العالم العربي بالزردة و الوعدة و المواعيد الفولكلورية.

  • محمد بولحجل - الجزائر

    بارك الله فيك على هذا المقال، لقد وفقت بالفعل رغم ضيق المجالين الزمني والمكاني في تقديم فكر ومنهجية مالك بن نبي رحمة الله عليه. جزاك الله خيرا مرة أخرى، ونرجو أن تستفيد أمتنا ويستفيد بالأخص صانعو القرار فيها من الجهد الجبار ذي القيمة العظيمة والفعالة لحال الأمة ومآلها. إننا نرقب بمنتهى الشوق واللوعة تلك اللحظة التاريخية والحضارية التي تعود فيه هذه الأمة إلى رشدها فتستفيد من تراث مالك بن نبي الضخم ليس بالمفهوم الكمي وإنما النوعي، في تشخيص وضعها ووصف الدواء الناجع الفعال لعللها وأمراضها، فبدل الهرولة غير الواعية ذات الشمال أو ذات اليمين وبدل أن تتيه بنا المراكب الإيديولوجية - وأي مراكب- شرقا وغربا، وعوض أن تُطوِّح بنا الفلسفات الضارة والرؤى التي لا تستقر إلا على سراب، يجب العودة إلى تراث مالك بن نبي وأمثال مالك بن نبي، وإني أعجب أشد العجب كيف لأمة امتلكت وتمتلك مثل هذا التراث لا زالت غافلة عنه بالرغم من أهميته الإستراتيجية، بل وتتلمس عبثا الحل لمشاكلها في أشياء لا تنفعها بل تضرها أيما ضرر. أمتنا حاليا على الصعيد الفكري ضحية إما "أفكار ميتة" أو "أفكار مُميتة". ضحايا الأفكار الميتة وضحايا الأفكار المميتة في عالمنا العربي والإسلامي كثيرون وكثيرون جدا سواء على صعيد "الجماهير" أو على صعيد "النخب". وينسحب توصيف مالك بن نبي هذا على التيارين المتصارعين حاليا على الساحة: تياري ما يسمى بالأصالة والمعاصرة. أو تياري "العودة إلى الأصول" و"التيار الحداثي". التيار الأول يتلمس طريق النهضة في إعادة استحضار الماضي لكن غاليا ما يتم ذلك بطريقة كاريكاتورية بلهاء ودون التمييز الواعي بين "غثه" و"سمينه"، بين ما هو قابل للحياة وما هو "مُندرس" منه "رميم" ولا جدوى من محاولة بعثه لأن ذلك سيكون نوعا من العبث والاستغباء الذاتي: وهذه هي "الأفكار الميتة". أما التيار الثاني فيتمثل النهضة في الانسلاخ من الذات ومحاولة استنساخ التجربة أو التجارب الغربية دونما وعي ودونما التفات لـ"خصوصية البيئات" وبناء على هذه الرؤية يرى هذا التيار-وهذا هو أخطر ما فيه- بأن تقدم أمتنا يتوقف على مدى تخلصها من أهم مقوم لديها ألا وهو الإسلام من خلال التخلص من كل قيمه الجوهرية الفاعلة، بمعني الإجهاز على روح الأمة وكينونتها، (وهذه هي الأفكار المميتة أو القاتلة). إن أفكار مالك بن نبي لا تزال صالحة لحد الآن، بل إنها أشد راهنية في الوقت الحالي وأمتنا في أحوج ما تكون للأخذ بها، خاصة بعد أن هدأت بل زالت المعارك الايديولوجية التي عرفتها فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفترات التحرر الوطني لدول العالم الثالث، وبعد فشل مختلف التجارب التنموية للعديد من دول أمتنا العربية والإسلامية التي اعتمدت فلسفات ومناهج أثبت الزمن قصورها بل وعدم صلاحيتها. إن إعادة بعث تراث مالك بن نبي ضرورة لا بد منها اليوم أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط كجانب احتفالي بجهد هذا المفكر العظيم الفذ ذي النظرة الثاقبة، أو بالوقوف على أطلاله، وإنما بالولوج إلى صميمه للاستفادة مما يقدمه من حلول ومناهج عملية كفيلة بتحقيق الإقلاع الحضاري. هذا هو منتهى أملنا من أصحاب القرار في وطننا وفي كل الأوطان الإسلامية. كما نرجو ألا يكون حال أصحاب القرار عندنا وكذا حال النخب الفكرية كحال العيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول !.

  • عبد الرحمن صادق

    الشكر كل الشكر لكاتب المقال لالقاء الضوء على واحد من اكبر مفكرى الامة وفضل المفكر مالك بن نبى لايخفى على اى متتبع لحركة التنوير للامة الاسلامية فافكار مالك بن نبى تسرى على امتداد الساحة من طنجة والى جاكرتا ولكن كما اوضح البعض فان بعض افكار واراء مالك بن نبى تحتاج للكثير من الجهد والصبر عليها وذلك لايستعابها ولذا فانى لدى بعض الاقتراحات لدعم نشر افكار مالك بن نبى لكى تعم الفائدة على الامة ومن هذه الاقتراحات
    1- ان يقوم مفكرو الامة والذين يؤمنون بافكار واطروحات مالك بن نبى باشهار جمعية احياء فكر مالك بن نبى وتكون المهمة الاولى لهذه الجمعية هى نشر وتبسيط هذا الفكر لكى يقبل عليه الناس ويستفيد منه اكبر عدد ممكن وان كنت ارى ان يكون هذا العمل تطوعى وبعيدا عن الرسميات .
    2- ان كان من الممكن الاتفاق مع سلسلة عالم المعرفة الكويتية على تبنى اصدار انتاج مالك بن نبى الفكرى من خلال السلسلة حيث ان لها انتشار واسع بين الجمهور العربى وكذلك تتميز برخص ثمن اصداراتها وجودة الاخراج مما سيساعد الكثيرين على اقتناء كتب المفكر مالك بن نبى والاستفادة منها .

  • عمر-البرج

    ماذا تريد يا صاحب المقال من كلامك هذا ؟؟؟؟
    ألا تدري بانهم كرموه أكثر من مرة (و أعطوه أكثر مما يستحق) و ذلك بتسمية بعض الأماكن العمومية باسمه ؟؟؟! ! ! ! ! ماذا تريد أكثر من هذا ؟؟؟؟! ! ! ! ! ! ! ! !! ! !

  • محمد بولحجل - الجزائر

    بارك الله فيك وشكرا لجريدة الشروق على هذا المقال، لقد وفقت بالفعل رغم ضيق المجالين الزمني والمكاني في تقديم فكر ومنهجية مالك بن نبي رحمة الله عليه. جزاك الله خيرا مرة أخرى، ونرجو أن تستفيد أمتنا ويستفيد، بالأخص، صانعو القرار فيها من الجهد الجبار ذي القيمة العظيمة والفعالة لحال الأمة ومآلها. إننا نرقب بمنتهى الشوق واللوعة تلك اللحظة التاريخية والحضارية التي تعود فيه هذه الأمة إلى رشدها فتستفيد من تراث مالك بن نبي الضخم ليس بالمفهوم الكمي وإنما النوعي، في تشخيص وضعها ووصف الدواء الناجع الفعال لعللها وأمراضها، فبدل الهرولة غير الواعية ذات الشمال أو ذات اليمين وبدل أن تتيه بنا المراكب الإيديولوجية - وأي مراكب- شرقا وغربا، وعوض أن تُطوِّح بنا الفلسفات الضارة والرؤى التي لا تستقر إلا على سراب، يجب العودة إلى تراث مالك بن نبي وأمثال مالك بن نبي، وإني أعجب أشد العجب كيف لأمة امتلكت وتمتلك مثل هذا التراث لا زالت غافلة عنه بالرغم من أهميته الإستراتيجية، بل وتتلمس عبثا الحل لمشاكلها في أشياء لا تنفعها بل تضرها أيما ضرر. أمتنا حاليا على الصعيد الفكري ضحية إما "أفكار ميتة" أو "أفكار مُميتة". ضحايا الأفكار الميتة وضحايا الأفكار المميتة في عالمان العربي والإسلامي كثيرون وكثيرون جدا سواء على صعيد "الجماهير" أو على صعيد "النخب". وينسحب توصيف مالك بن نبي هذا على التيارين المتصارعين حاليا على الساحة: تياري ما يسمى بالأصالة والمعاصرة. أو تياري "العودة إلى الأصول" و"التيار الحداثي". التيار الأول يتلمس طريق النهضة في إعادة استحضار الماضي لكن غاليا ما يتم ذلك بطريقة كاريكاتورية بلهاء ودون التمييز الواعي بين "غثه" و"سمينه"، بين ما هو قابل للحياة وما هو "مُندرس" منه "رميم" ولا جدوى من محاولة بعثه لأن ذلك سيكون نوعا من العبث والاستغباء الذاتي: وهذه هي "الأفكار الميتة". أما التيار الثاني فيتمثل النهضة في الانسلاخ من الذات ومحاولة استنساخ التجربة أو التجارب الغربية دونما وعي ودونما التفات لـ"خصوصية البيئات" وبناء على هذه الرؤية يرى هذا التيار-وهذا هو أخطر ما فيه- بأن تقدم أمتنا يتوقف على مدى تخلصها من أهم مقوم لديها ألا وهو الإسلام من خلال التخلص من كل قيمه الجوهرية الفاعلة، بمعني الإجهاز على روح الأمة وكينونتها، (وهذه هي الأفكار المميتة أو القاتلة). إن أفكار مالك بن نبي لا تزال صالحة لحد الآن، بل إنها أشد راهنية في الوقت الحالي وأمتنا في أحوج ما تكون للأخذ بها، خاصة بعد أن هدأت بل زالت المعارك الايديولوجية التي عرفتها فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وفترات التحرر الوطني لدول العالم الثالث، وبعد فشل مختلف التجارب التنموية للعديد من دول أمتنا العربية والإسلامية التي اعتمدت فلسفات ومناهج أثبت الزمن قصورها بل وعدم صلاحيتها. إن إعادة بعث تراث مالك بن نبي ضرورة لا بد منها اليوم أكثر من أي وقت مضى، ليس فقط كجانب احتفالي بجهد هذا المفكر العظيم الفذ ذي النظرة الثاقبة، أو بالوقوف على أطلاله، وإنما بالولوج إلى صميمه للاستفادة مما يقدمه من حلول ومناهج عملية كفيلة بتحقيق الإقلاع الحضاري. هذا هو منتهى أملنا من أصحاب القرار في وطننا وفي كل الأوطان الإسلامية. كما نرجو ألا يكون حال أصحاب القرار عندنا وكذا حال النخب الفكرية كحال العيس في البيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول

  • charif

    Too bad we did not understand him. he was a genius

  • ع الناصر

    أصبت وأحسنت فلا فض فوك ومثل هذا الرجل المرجع للأمة كلها والذي أطال الله في عمره بما خلفه من تراث سيظل شاهدا عليها ما لم تاخذ بزمامه ... وما أظنها فاعلة ...كيف لا وهي التي لم تلتفت حتى لإنقاذ بيته العتيق من أيادي العابثين الذين أحالوه إلى وكر للفساد ...ولله در من قال :
    قد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي
    ونارا لونفخت فيها أضاءت ولكنك تنفخ في الرماد

  • Mourad

    جزاك الله خيرا عنا يا مالك بن نبي، ويأسفي على أمة تعرف حتى وقت دخول لاعب الكرة الحمام و لا تعرف شيأ عن أعلامها .

  • نجيب

    لن نفهم مالك بن نبي لاننا يا أستاذ غارقون في تفاهات الأمور غارقون في السب والشتم حتى لرموز أمتنا غارقون يا سيدي الكريم في تصنيف الناس والشعوب غارقون في عالم الأشياء الني تضر ولا تنفع وغير مكترثين بعالم الأفكار

  • tarek

    où sont les commentaires ? on les trouve seulement dans les articles sportifs!!ça reflete notre niveau ,en tous les cas je vous remercie chourouk d'avoir parler de ce grand penseur mais malheureusement c'est insuffisant

  • مستبصر

    لا فض فوك يا استاذ ..
    و لا انقطعت تلك الحناجر التي دوت و تدوي منذ مالك بن نبي و قبله ومن بعده، صادحة بكلمة الحق التي أعيانا طِلابها,,
    و طبعا و كما هو متوقع ... فلن تجد تعليقات كثيرة على هذا الموضوع و أمثاله من المواضيع التي تتطلب تركيزا حتى تفهم و إنما تجد مئات التعليقات على مواضيع أخرى يدلي فيها القاصي و الداني ...
    بالمختصر المفيد ... سيطلع علينا النهار ... حين نفهم و ندرك و لو جزءا من كلام فيلسوفنا العبقري ابن نبي رحمه الله ..
    و حسبنا مما قاله:
    - المجتمع ليس مجرد مجموعة من الأفراد، بل هو تنظيم معين ذو طابع انساني، يتم طبقا لنظام معين ...و هو الجماعة الانسانية التي تغير دائما خصائصها الاجتماعية بانتاج وسائل التغيير، مع علمها بالهدف الذي تسعى إليه من وراء هذا التغيير ...
    - لا يقاس غنى المجتمع بكمية ما يملك من (أشياء) بل بمقدار ما فيه من أفكار ..
    - كلما حدث إخلال بالقانون الخَلَقي في مجتمع معين، حدث تمزق في شبكة العلاقات الاجتماعية التي تتيح له أن يصنع تاريخه ...
    و ما هذه الكلمات إلا قطرات من بحر خضم زاخر باللآلئ و الدرر تنتظر من يلتفت إليها و يستكشفها ...؟؟...

  • عبد الله

    رحمك الله يا مالك و غفر لنا و لك

  • بن نعوم ابراهيم

    الى روح مالك بن نبى
    انه العلم الساطع فى الجلال والاكبار العالم الذى كرس الفكر من اجل فهم الاسلام بمنظور حضاري متطور ومتفتح على منابع الحضارة الانسانية للا تمييز او نقصان انه المفكر الكبير الذى امن ايمانا مطلقا بان تطور المجتمع لا ينبع من الاستيراد الاعمى لمفاهيم الحضارة المادية التى لا تنظر الى الفرد الا بمنظار العبد الطيع الخادم للدولة المنظرة لحياته. انه صاحب النظريات العظيمة الدافعة الى التفاعل اللازم لاسس البناء الحضاري الا وهو الانسان والمكان والزمن بهما قامت الحضارات الانسانية والحالية. الاانه يرى ان الانسان لن يبنى حضارة مهما كان من امكانات ما لم يكن له القابلية لذلك ويكون فى امس الحاجة الى الارتقاء والنمو والتطور. ان مالك العالم الذى نسيناه ونبذناه وغربناه عن الاجيال واهملنا نظرياته فى الاقتصاد والمجتمع والثقافة وامور بناء النفكير السليم من تربية سليمة للاجيال مستندة من روح الاسلام والعروبة والهوية الوطنية وتخليص الفرد من الفكر المبتدع الظال والمظل للناس والمجتمع ختى لا يقع فى التيه القادم من عالم لا صلة لنا له به الا بالعلم والتطور . نادى بن نبى الى وضع لبنات متينة قوية قائمة على اركان العلم النافع الممجد للانسان والدين والحياة وبذلك يخرج الفرد من ذاك الفكر لما بعد الموحدين الذى اهدر الحضارة وصار يلتهم بقايا اثار الاندس الضائعة. انسان ما فبل الموحدين الذى كان له فكرا مستنيرا مبدعا خلاقا لا يعرف الكلل والملل يرحل ويجول ويبحث ويبنى هذا ما راه بن نبي قليل من بحر كبير .
    قد حضرت لبن نبي محاضرة فى قسنطينة فى دار الشعب انذاكستة 1968 بعنوان جوانب من تفكير الامير عبد القادر الفلسفىوعمرى انذاكنسعة عشر سنة وكان القاعة قد اكتظت بالاساتذة والطلاب من المعهد الاسلامي الثانوى واساتذة المعهد الازهريين الذين جعلوا المعهد منارة علمية براقة وساطعة من الحضور الابرز فى المحاضرة الشيخ الجليل العالم الذى لا ننساه نعيم النعيمى وجمع كبير لا يحصى.
    اننا نقف وقفة اجلال واكبار لذاك العلم الفذ الذى لم ترحمه السياسة ولم نرجع همته الى اليوم.

  • بدون اسم

    ou sont ses livres maintenant??
    C'EST INTERDIT

  • مالك

    لو لم تنجب الجزائر سوى مالك بن نبي لكفاها ذلك ,فهو في نفس الوقت فخر لنا و عبئ علينا لأنه لا حجة لنا لنهضة الجزائر و نحن نملك مفكر مثله , كاتب المقال مشكور على هذه الاضاءة و أود ان أشير الى ان مالك لم يكن ابدا في جمعية العلماء المسلمين و لكنه كان في ايام شبابه مولع بهم إلى حين أي بعد سنوات من دراسته و ذهابه إلى فرنسا كان دائما يراقب و يتابع و يحلل كل ما يجري في الجزائر و خاصة جمعية العلماء التي كان يرى فيها النورالدي يمهد إلى حضارة ولكن للأسف يقول مالك أن الجمعية حشرت نفسها في السياسة و أعطت بعض المسؤولية لأناس انتهازيين همهم حب الظهور و الشهرة و كل هذا تجده في كتاب شاهد على القرن.

    أتمنى فقط من ثلامدة مالك بن نبي أن يقوموا بنشاطات واصدار مجلات حول فكره و أيضا تبسيط لأفكاره فهي صعبة الفهم كما قال الكاتب و لأن تلامدة مالك أدرى منا بما يقصده مالك في كل فكرة يطرحها

  • mohamed ;algerie

    wach tafahmou ntouma hablatkoum al wahabia et plus oulama soit disant oulamas jibouhoum je sais pas min saoudia et qatar et mouritanie wallah loukan mazalou malik ben nabi loukan hrab menkoum

  • karim

    اشكر كاتب المقال الى التنبيه ان هذا الرجل و المفكر العظيم لايزال يعيش بيننا بافكاره و كتبه التي نحن في حاجة الى قراءتها و دراستها و تحليلها فولله فيها من البواعث الى النهضة بالامة والاصلاح المؤسس و الاجابي و فيها من الخير الكثير، و انصح بمطالعة هذه الكتب

  • بدون اسم

    بدل العودة الى الخلف فكروا انتم يا "مثقفين" في الحاضر والمستقبل فلا الحاضر ولا المستقبل موجود في الكتب الصفراء او في الانصياع للمقولات الخالدة

    اذا كانت مبادئنا البائدة هي من تعيد لنا مجدنا فالسؤال ...ما الذي جعلها توصلنا الى هذه المرحلة المخزية؟"

  • Mounir

    يارب ارحمه رحمة واسعة..واجعل علمه نافع لنا

  • محمد

    الذي يظهر لي ، يا أستاذ صالح ، أن مالك بن نبي لم يفصل الإسلام عن الواقع ، بل اعتبر نجاح المسلم في حسن تعامله مع الواقع ، بينما اعتبر الكثيرون أن ما للإسلام من أفضلية تجعل الإهتمام بالواقع نوعا من الشك في مقدرة الإسلام .

  • achour

    Je vous remercie journal el chorok pour cette article qui donne l’image d’Algérie d’hier, la couche intellectuel qui a donnée bcp pour notre pays, cette époque ou notre pays à connais un développement scientifique et économique concurrent aux pays européen, la question qui se pose est ce que on peut reproduire de la jeunes d’aujourd’hui à partir de nos écoles comme se genre des intellectuel avec bcp d’amour et de fierté pour développer notre pays? Et je pense que cet article il corrige celui de la fois passé.

  • MEDAKENE Boualem

    SELEM-ALIKOUM Merci svP lancier les historique de mon prof bon ca*hance

  • سمير

    شكرا على هدا الاجاز الوافي