الرأي
رسالة إلى دعاة الاستئصال والتّغريب في‮ ‬الجزائر

ما الذي‮ ‬رأيتموه من خالقكم حتى تكرهوا شريعته؟

سلطان بركاني
  • 3816
  • 66

تداول بعض النّاشطين على مواقع التّواصل الاجتماعيّ‮ ‬صورة تذكارية التُقطت في‮ ‬حفل استقبال رسميّ‮ ‬لمجموعة من النّساء‮ ‬يفوق عددهنّ‮ ‬20‮ ‬امرأة،‮ ‬بمناسبة الثامن من مارس الماضي،‮ ‬وكان لافتاً‮ ‬أنّه لم توجد بينهنّ‮ ‬سوى محجّبة واحدة،‮ ‬ما جعل بعض خفيفي‮ ‬الظلّ‮ ‬من الشّبان‮ ‬يطلقون على هذه المحجّبة تندّراً‮ ‬لقب‮ “‬ممثّلة الجالية المسلمة المقيمة في‮ ‬الجزائر‮”!.‬

 

زحفٌ‮ ‬ممنهج على الثّوابت الإسلاميّة

مهما اتّفقنا أو اختلفنا مع هذا التّوصيف الذي‮ ‬ذهب إليه هؤلاء الشّباب،‮ ‬إلاّ‮ ‬أنّنا ربّما لا نختلف في‮ ‬أنّه‮ ‬يعكس حالة التذمّر الشّديد التي‮ ‬تنتاب قطاعا عريضا من الجزائريين إزاء الحَظوة التي‮ ‬أصبحت تتمتّع بها الأقلية التغريبية في‮ ‬هذا البلد المسلم،‮ ‬إلى درجة مكّنتها من تصدّر المشهدين السياسيّ‮ ‬والثّقافيّ،‮ ‬وجعلتها تقدّم نفسها على أنّها الطّرف الوحيد الذي‮ ‬يحقّ‮ ‬له التحدّث باسم الشّعب الجزائريّ،‮ ‬من دون أن تحتاج إلى استشارته وأخذ رأيه في‮ ‬القضايا السياسية والثقافية والاجتماعيّة،‮ ‬وسوّلت لها الاستعانة بجهات ضغط‮ ‬غربية للوصول إلى أهدافها في‮ ‬طمس عناصر الهوية الإسلاميّة لهذا الشّعب؛ فمن التّضييق على المحجّبات في‮ ‬وسائل الإعلام العموميّة التي‮ ‬يدفع الشّعب فاتورتها،‮ ‬حيث‮ ‬يُمنع ظهور أيّ‮ ‬محجّبة مقدّمةً‮ ‬للأخبار أو البرامج،‮ ‬وتُتحاشى استضافةُ‮ ‬المحجّبات في‮ ‬اللّقاءات المختلفة إلا فيما ندر،‮ ‬إلى الزّحف الممنهج والمركّز على قانون الأسرة الذي‮ ‬يراد تخليصه من بقايا النّصوص المرتبطة بالشّريعة الإسلاميّة،‮ ‬إلى الإجهاز على البُعدين الإسلاميّ‮ ‬والعربيّ‮ ‬للمنظومة التربوية،‮ ‬إلى رفض وقف إنتاج واستيراد الخمور،‮ ‬إلى الإصرار على المعاملات الربوية التي‮ ‬يكتوي‮ ‬بها الفقراء،‮ ‬ولا تمسّ‮ ‬علية القوم الذين‮ ‬يستفيدون من القروض الميسّرة والمنح المتصاعدة،‮ ‬وليس انتهاءً‮ ‬بتمويل مهرجانات الغناء وهزّ‮ ‬البطون،‮ ‬ورفض حجب المواقع الإباحيّة،‮ ‬ومواصلة التّرخيص لمواخير الزّنا وحانات الخمر‮…‬

هذا فضلا عن الزّحف‮ ‬غير المنظّم الذي‮ ‬يراد فرضُه كأمر واقع،‮ ‬من خلال إسناد المناصب الحسّاسة في‮ ‬مختلف المؤسّسات العمومية للأقلية التّغريبية،‮ ‬لتفرض توجّهاتها وتحاصر عناصر الهوية عبر تعليمات شفوية،‮ ‬تنفّذ في‮ ‬ظلّ‮ ‬غياب أيّ‮ ‬دور فاعل للمؤسّسات الرقابية،‮ ‬وفي‮ ‬هذا الإطار‮ ‬يمكن إدراج التّعليمات التي‮ ‬تصدرها بعض المصالح لمنع الحجاب،‮ ‬بحجّة أنّه‮ ‬يتعارض مع الزيّ‮ ‬الرّسميّ،‮ ‬وهي‮ ‬الحجّة التي‮ ‬لم تتذرّع بها جهاتٌ‮ ‬غربية كثيرة،‮ ‬اختارت أن تُدخل بعض الاستثناءات في‮ ‬قوانينها لأجل السّماح للنّساء المسلمات بارتداء الحجاب في‮ ‬أسلاك الأمن والجمارك والحماية المدنية وغيرها‮.‬

‭ ‬

وما تخفي‮ ‬صدورُهم أكبر

الأقلية التغريبية لا تستطيع التّصريح بعداوتها لكلّ‮ ‬ما‮ ‬يمتّ‮ ‬إلى الإسلام بصلة،‮ ‬وإنّما تستخفي‮ ‬وراء العداوة لمن تسمّيهم‮ ‬‭”‬الإسلامويين‮”‬،‮ ‬ولا تصرّح بحربها للحجاب،‮ ‬وإنّما تتخفّى خلف الحرب على النّقاب والجلباب والحجاب المستورد،‮ ‬ولا تجهر بالدّعوة إلى نبذ أحكام الشّريعة المتعلّقة بالزّواج والطّلاق والميراث،‮ ‬وإنّما تتخفّى خلف الدّعوة إلى إعطاء المرأة حقوقها ومساواتها بالرّجل،‮ ‬وخلف محاربة الرّجعية والظّلاميّة،‮ ‬ولا تُعلن نبذها لتشريعات الاقتصاد الإسلاميّ،‮ ‬بل تتخفّى خلف الدّعوة إلى إبعاد الدّين عن السياسة،‮ ‬على مذهب قوم شعيب قديما حينما قالوا‮ (‬يَا شُعَيْبُ‮ ‬أَصَلاَتُكَ‮ ‬تَأْمُرُكَ‮ ‬أَنْ‮ ‬نَتْرُكَ‮ ‬مَا‮ ‬يَعْبُدُ‮ ‬آَبَاؤُنَا أَوْ‮ ‬أَنْ‮ ‬نَفْعَلَ‮ ‬فِي‮ ‬أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ‮)‬،‮ ‬هذه الدّعوى التي‮ ‬أرست للعلمانية المتطرّفة،‮ ‬طوّرها دعاة التغريب الذين‮ ‬يقول قائلهم الآن‮: ‬هل دينكم‮ ‬يمنعنا أن نترك ما‮ ‬يفعله الغربيون أو أن نفعل في‮ ‬أموالنا وأجسادنا ما نشاء؟ ونطعم بطوننا ما نشاء ونتكلّم بما نشاء؟ وصدق الله إذ‮ ‬يقول‮: (‬وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ‮ ‬قَدْ‮ ‬بَدَتِ‮ ‬الْبَغْضَاءُ‮ ‬مِنْ‮ ‬أَفْوَاهِهِمْ‮ ‬وَمَا تُخْفِي‮ ‬صُدُورُهُمْ‮ ‬أَكْبَر‮).‬

‭ ‬

لماذا كلّ‮ ‬هذا الإصرار؟

‭* ‬الأقلية التغريبية لا تستطيع التّصريح بعداوتها لكلّ‮ ‬ما‮ ‬يمتّ‮ ‬إلى الإسلام بصلة،‮ ‬وإنّما تستخفي‮ ‬وراء العداوة لمن تسمّيهم‮ “‬الإسلامويين‮”‬،‮ ‬ولا تصرّح بحربها للحجاب،‮ ‬وإنّما تتخفّى خلف الحرب على النّقاب والجلباب والحجاب المستورد،‮ ‬ولا تجهر بالدّعوة إلى نبذ أحكام الشّريعة المتعلّقة بالزّواج والطّلاق والميراث،‮ ‬وإنّما تتخفّى خلف الدّعوة إلى إعطاء المرأة حقوقها ومساواتها بالرّجل‮.‬

لقد حقّ‮ ‬لكلّ‮ ‬عاقل أن‮ ‬يتساءل‮: ‬لماذا كلّ‮ ‬هذا الإصرار الذي‮ ‬يبديه دعاة التّغريب على محاصرة عناصر الهوية الإسلاميّة،‮ ‬في‮ ‬بلد‮ ‬ينصّ‮ ‬دستوره على أنّ‮ ‬الإسلام دينُ‮ ‬الدّولة؟ لماذا كلّ‮ ‬هذا الحقد على تشريعات الإسلام؟ لماذا كلّ‮ ‬هذه العُقد المستحكمة التي‮ ‬يعانيها هؤلاء الذين لا‮ ‬يفوّتون فرصة ولا مناسبة إلا وأعلنوا رفضهم المزايدة على إسلامهم الذي‮ ‬ورثوه عن آبائهم وأجدادهم؟ ما الذي‮ ‬رآه هؤلاء من خالقهم حتى‮ ‬يعادوا شريعته التي‮ ‬أحكمها رحمةً‮ ‬للعالمين؟ أليسوا‮ ‬يقرّون أنّ‮ ‬كلّ‮ ‬صانع أدرى بمصنوعه من‮ ‬غيره؟ أليس مِن باب أولى أن‮ ‬يكون الخالق العليم الخبير أدرى بما‮ ‬يُصلِح خلقه من‮ ‬غيره وهو القائل سبحانه‮: (‬أَلاَ‮ ‬يَعْلَمُ‮ ‬مَنْ‮ ‬خَلَقَ‮ ‬وَهُوَ‮ ‬اللَّطِيفُ‮ ‬الْخَبِير)؟‮. ‬

إذا كانوا لا‮ ‬يرفعون رأسا للدّراسات المستفيضة التي‮ ‬أصدرها المفكّرون الإسلاميّون حول إعجاز وإحكام الشّريعة الإسلاميّة،‮ ‬فلماذا لا‮ ‬يصغون لشهادات المنصفين من مفكّري‮ ‬وقانونيّي‮ ‬الغرب؟ لقد وصل الأمر ببعض القانونيين المنصفين في‮ ‬الغرب بعد أن درسوا مبادئ الشّريعة الإسلاميّة دراسة متأنيّة أن‮ ‬يستغربوا لماذا لا‮ ‬يطبّق المسلمون دستورهم الإسلاميّ؟‮! ‬فهذا مثلا القانوني‮ ‬الكبير‮ “‬فمبري‮” ‬يقول‮: “‬إنّ‮ ‬الفقه الإسلاميّ‮ ‬واسعٌ‮ ‬إلى درجة أنّني‮ ‬أعجب كلّ‮ ‬العجب كلّما فكّرت في‮ ‬أنّ‮ ‬المسلمين لم‮ ‬يستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانهم وبلادهم‮”‬،‮ ‬وهذا المفكّر‮ “‬شبرل‮” ‬عميد كلية الحقوق بجامعة‮ “‬فيينا‮” ‬في‮ ‬مؤتمر الحقوقيين سنة‮ ‬1927م،‮ ‬يقول‮: “‬إنّ‮ ‬البشرية لتفتخر بانتساب رجل كمحمّد إليها،‮ ‬إذ رغم أميته استطاع قبل بضعة عشر قرناً؛ أن‮ ‬يأتي‮ ‬بتشريع سنكون نحن الأوربيين أسعد ما نكون لو وصلنا إلى قمّته بعد ألفي‮ ‬سنة‮”.‬

‭ ‬

ارحموا هذا البلد

‭* ‬لقد وصل الأمر ببعض القانونيين المنصفين في‮ ‬الغرب بعد أن درسوا مبادئ الشّريعة الإسلاميّة دراسة متأنيّة أن‮ ‬يستغربوا لماذا لا‮ ‬يطبّق المسلمون دستورهم الإسلاميّ؟‮! ‬فهذا مثلا القانوني‮ ‬الكبير‮ “‬فمبري‮” ‬يقول‮: “‬إنّ‮ ‬الفقه الإسلاميّ‮ ‬واسعٌ‮ ‬إلى درجة أنّني‮ ‬أعجب كلّ‮ ‬العجب كلّما فكّرت في‮ ‬أنّ‮ ‬المسلمين لم‮ ‬يستنبطوا منه الأنظمة والأحكام الموافقة لزمانهم وبلادهم‮”. ‬

لقد آن الأوان للأقلية التّغريبيّة في‮ ‬هذا البلد أن تصغي‮ ‬لصوت العقل،‮ ‬وتكفّ‮ ‬عن اللّهث خلف نزواتها الاستئصاليّة لكلّ‮ ‬ما هو إسلاميّ،‮ ‬وعن استفزاز الأكثرية المسحوقة التي‮ ‬أصبحت تشعر أنّ‮ ‬الاستئصال لم‮ ‬يعد‮ ‬يستهدف حزبا أو طائفة أو جماعة،‮ ‬وإنّما‮ ‬يستهدف الدّين بمبادئه وتشريعاته،‮ ‬وقد آن الأوانُ‮ ‬للوطنيين المخلصين في‮ ‬هذا البلد أن‮ ‬يتنبّهوا إلى أنّ‮ ‬الانصياعَ‮ ‬لإملاءات المنظّمات الدّولية المشبوهة التي‮ ‬تريد لهذه الأمّة أن تتخلّى عن دينها،‮ (‬وَدُّوا لَوْ‮ ‬تَكْفُرُونَ‮ ‬كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ‮ ‬سَوَاءً‮)‬،‮ ‬والرّضوخَ‮ ‬لنزوات الأقليات الاستئصاليّة التي‮ ‬تعاني‮ ‬عقدا مستحكمة تجاه كلّ‮ ‬ما‮ ‬يمتّ‮ ‬إلى الدّين بصلة،‮ ‬سيقود البلاد إلى فتن هي‮ ‬في‮ ‬غنى عنها‮.. ‬البلد لم‮ ‬يعد‮ ‬يتحمّل مزيدا من الفتن والتجاذبات،‮ ‬فارحمونا‮ ‬يرحمْكم الله‮.‬

مقالات ذات صلة