-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما بعد الإقصاء من كأس إفريقيا.. التأوهات والاتهامات

بقلم: مسعود قادري
  • 565
  • 0
ما بعد الإقصاء من كأس إفريقيا.. التأوهات والاتهامات

النظرة لمنافسات الدورة 34 لكأس الامم الإفريقية 2023، تؤكد أمرين مهمين يفسران الكثير من الأشياء  لمن يعترف ويقر بأن كرة القدم لو كانت تخضع لمعايير ثابتة وغاب عنها عنصرا المفاجأة والشتويق، لا انتهت منذ عدة عقود.

الأمر الأول: أن متعة هذه الرياضة وارتفاع شعبيتها في العالم وشغف كل الفئات الاجتماعية بها وتطورها جعلها اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم  ويتمتع بمشاهدتها الصغير والكبير، الأنثى والذكر، من دون فروق اجتماعية أو سياسية أو عرقية.

الأمر الثاني أن منافسات هذه الرياضة تحولت مع الزمن إلى سوق تجارية أيضا تنافس أكبر الأسواق العالمية المدرة للثروة بعد أن جلبت إليها الشركات التجارية العالمية الكبرى المتنافسة على عرض منتوجاتها  لأكبر عدد من المستهلكين في المعمورة، إلى جانب المصدر المالي الكبير من حقوق البث التلفزيوني وأمور أخرى ملحقة منها التذاكر ومرفقات السياحة للبلد المنظم وغيرها من الملحقات التجارية والدعائية.. فالكرة أصحبت مع مرور الزمن، الظاهرة الاجتماعية  الإيجابية التي يعترف الجميع بفضلها في التقارب والتواصل بين الشعوب، ودورها في القضاء على الكثير من الفوارق العرقية والممارسات العنصرية.. فالمنتخب أو اللاعب الجيد يحبه الجميع ولا يسألون عن جنسيته أو دينه أو عرقه.. هي رياضة لايمكن مقارنتها بالأنشطة الإنسانية ولا بغيرها من الأصناف الرياضية الأخرى.. روعتها  تكمن في كونها تفتح أبواب الأمل والبروز لكل المتنافسين ولا تعترف بالتفوُّق المطلق لفريق أو منتخب، وقد يقع أي تشكيل في فخ المفاجأة ويكبو حيث لايتوقع منه الكبو ويسقط حيث لا يجب السقوط.

الأمثلة هنا كثيرة لا تعد ولا تحصى من الميدان سواء في الدوريات الوطنية والمنافسات المحلية  ـ الإقصائية بالخصوص ـ  أوفي المنافسات القارية والجهوية والعالمية على السواء. وحتى لانذهب بعيدا  في البحث عما يؤكد ما نذهب إليه،  نأخذ منافسة كأس الجزائر المفتوحة لكل المستويات، وكيف تلغى الفوارق في الدرجات بين الأندية المحترفة (الكبيرة!؟)  وأندية الدرجات الدنيا  التي تغامر قدر المستطاع. ويوفق بعضها أحيانا في مواجهة العمالقة في المربع الأخير من المنافسة، بل لقد وصلت أندية صغيرة للنهائي في عدة مناسبات.. لا نورد أسماء هنا، فسجل الكأس الجزائرية  مفتوح ويتوفر على الأدلة الكافية.

من هنا نقول، لو كانت الكرة تخضع لمعايير ثابتة، ما وصل العديد من المنتخبات الصغيرة لنهائيات كأس العالم وأحدثت مفاجآت  مع الكبار وأبعدت منتخبات عالمية عملاقة من حضور العرس القاري العالمي  قبل انطلاقه، كما وقع في دورة كأس العالم 2022 إذ أقصي المنتخب الأزرق إيطاليا، أحد رواد الكأس العالمية، مع أنه كان بطل أوروبا وأحد أبرز المنتخبات في تلك الفترة، وهناك أدلة عديدة منها فوز الجزائر على المانيا سنة 82، الكامرون على الأرجنتين 90، ودون الذهاب بعيدا، فوز السعودية على الأرجنتين، المغرب على إسبانيا والبرتغال وتونس على فرنسا 2022 والقائمة من مثل هذه النتائج والمفاجآت طويلة وفي كل الدورات تقريبا.

الفكرة المعروفة والمتداولة في عالم الكرة منذ القدم وهي واحدة من الأدلة التي تؤكد عدم علمية هذه الرياضة ـرغم اعتمادها حديثا على وسائل علمية ساهمت في تطوير ممارستهاـ أن السيطرة في أي مباراة لا تعني الفوز والخطأ البسيط في لحظة مفصلية من لحظات المباراة سيطرح أحسن المنتخبات والأندية  أرضا ويبعدها عن المواصلة. المنافسة الحالية لكأس القارة لايمكن أن تخرج عن العرف وقواعد اللعبة. يبقى فقط أن لانجعل من هذه الاستثناءات قاعدة وعنصرا أساسيا ومثبطا، فهي الاستثناء مع الحظ طبعا الذي لا يمكن استبعاده.. ما جرى مع السنغال والرأس الأخضر ومالي في الدورين الأخيرين خير دليل على ذلك.. لكن التحضير الجيّد للمنتخبات على مدى الأجيال والفئات والتكوين المستمر للاعبين والمدربين والإطارات المرافقة من محضرين بدنيين وأطباء ومدلكين وغيرهم من الأطر المرافقة والمكملة لعمل المدرب، إلى جانب إدارة واعية ويقظة تتابع تحركات كل المنتخبات وتسهر على مراقبة تنفيذ قرارات اللعبة بكل دقائقها.

الشفافية  في التسيير

وقبل إلقاء نظرة بسيطة عماجرى  في الدورة الأخيرة لكأس إفريقيا بكوت ديفوار، وهي نظرة محلل بسيط قد يجده المختصون والمحللون في البلاطوهات التي يتحول بعضها أحيانا إلى محاكمات للمدربين واللاعبين اعتمادا على المشاهدة وطريقة الأداء الميداني.. ما نقوله نحن هنا  قد لايرقى للمستوى الذي يحللون منه  فيحكمون على ما نقدم على أنه سطحي جدا.. لكن المهم  أننا نملك الحق ـ ولو بالأقدميةـ في إعطاء وجهة نظرنا كإعلاميين عاديين  في منافسة “الكان” في أدوارها الأولى ـ على الأقل ـ والوقوف على  ماقدمته المنتخبات ميدانيا وخاصة المصنفة ضمن الحلقة الضعيفة في المنافسة. والتي عادة ماتكون هي مصدر المفاجأة للمتتبعين بما تسببه من مشاكل للتشكيلات المرتبة ترتيبا عالميا جيدا وفق تصنيف الفيفا  الدوري.

الظهور الباهت للمنتخبات الكبيرة والنتائج السلبية التي تخرج بها، أول من يلاحظ عليها وينتقدها رجال الإعلام باعتبارهم المتابعين الدائمين لكل حركات اللاعبين والمدربين في المنتخبات، ومن خلال الإعلام تتحرك الجماهير لتعبر عن آرائها وانتقاداتها  للمدربين واللاعبين. وقد يكون العكس في حالة النتائج الإيجابية.. غير أن المدربين يختلفون في تعاملهم مع رجال الإعلام ولا يقبلون الانتقاد، بل يتعاملون مع الإعلام بجفاء ويرفضون الانتقاد والنصح  في كل الأحوال حتى ولو كانت النتائج كارثية.

والعلاقة المعروفة بين المدربين ـمن أي مستوى ـ والصحافة الوطنية  بالخصوص، ليست دائما على مايرام، بل كثيرا ماتثير الانزعاج والقلق من خلال الكتابات الصحفية وتعاليق بعض القنوات التلفزيونية التي قلدت بعض القنوات العالمية وجلبت كل معرفة أو قريب من اللاعبين القدامى ليصبح ليس محللا كرويا، فقط، بل هناك من جعل نفسه منظرا ومرجعا، مع أنه غاب عن أهم الإنجازات الكروية الوطنية!

وما تعرض له مدرب المنتخب جمال بلماضي من انتقادات وتشريح ، ليس وليد اليوم، بل صار أسلوبا متبعا بين الإعلاميين الذين فتح لهم المجال للتقرب من الهيئات التدريبية والإدارية للأندية والتعرف على ما يكسبونه، وهو ما لم نكن نصل إليه نحن سابقا  لكثرة الغموض السائد في إداراتنا التي لا تشف عن الحقائق  إلا عندما تقد الفأس في الرأس.. الجيل الجديد من الإعلاميين الشباب دعم إطاره العملي الإعلامي بالتحول إلى عنصر اقتراح، وبعضهم “مناجير” يختار اللاعبين  ويقترح المدربين، وعند الخلاف مع المحيط  يكشف المستور ويصبح غير مرغوب فيه!

عيب المدرب الوطني الذي نشأ في محيط يحسن التعامل مع الصحافة ويقبل انتقاداتها مهما كانت طبيعتها مادامت في صميم المهمة  ـ المثال الحي مما وقع للمدرب الفرنسي قبل نهائيات كأس العلم 1998 بفرنسا إيمي جاكي ـ والحملة الشنيعة التي شنتها ضده بعض الصحف بهدف إبعاده.. صبر الرجل وتحمل وعندما انتصر وفاز باللقب العالمي عن جدارة واستحقاق، لم يقل شيئا عن الصحافة، لكن الذين انتقدوه بعنف هم الذين اعتذروا له وكرموه بمقالات صحفية أضافت لسجله الكثير، لكن ناخبنا مع الأسف لم يكن كذلك مع الصحافة الوطنية التي تملك من الأطر الإعلامية بخبراتها الميدانية المكتسبة من معايشة الكثير من الأحداث في البلد والعالم منذ عقود، ولم تتعدّ الحدود في انتقاداتها، بعكس بعض المحللين الذين كانوا مجرد لاعبين عاديين أو مراوغين مهرِّجين.. وعنما فتح الله عليهم أبواب فضله، نسوا أنهم كانوا في زمن ما يتهربون من التصريح  الصحفي لعجزهم عن التعبير.. والحمد لله أن ألسنتهم انطلقت، فصاروا لا يأبهون بأكبر خبراء الكرة في العالم، بل  يتطاولون عليهم وينعتونهم بالضعف وقلة المعرفة.

الناخب الذي يحترمه الكثير منا لما قدم للكرة ليس الوحيد الذي تعرض للنقد، وكان عليه أن يقبل ذلك لأن نتائجه الأخيرة لم تكن مرضية، بل مخيبة لآمال ملايين الجزائريين الذي بالغوا في الثقة وتعجلوا في الحكم، فقلدوه نجمة ثالثة في الكاميرون 2022 فطارت منه النجمة قبل دخول المنافسة.. وحلموا بالذهاب إلى قطر ليُبرزوا رجولتهم في الميدان والقضية الفلسطينية في كأس العالم في المدرجات والشوارع.. لكن قبل لحظة الفرح الأخيرة، ضاع الحالم واستيقظ الناس، فوجدوا أنفسهم خارج إطار منافسة الذين كانوا نظريا ضمن قائمة منشطيها.. من حق الجميع الانتقاد والبحث عن الأسباب، ولكن فقط من دون تنكر لما قدّم للكرة أو تجريح أو مس بكرامته وشخصه وما إلى ذلك من الأمور التي لا يسمح العرف والأخلاق التعرض لها.

الانتقاد الموضوعي يجب أن يتقبله أي مدرب يثق في نفسه وإمكاناته وسيرى كيف تحمّل مدربون وطنيون انتقاد الصحافة مع أنهم لم يكونوا يتلقون نفس المرتبات والامتيازات، لكنهم كانوا ينسون ذلك ويعودون عندما يدعوهم الواجب لتحمل المسؤولية، فينجحون أحيانا ويخفقون في أخرى ويقال عنهم ما يقال. وقد هُدِّد بعضهم في أهله وعائلته فتحمّل وصبر.. إرضاء الناس غاية لا تُدرك.

كان على مدرب النخبة أن يتحمل كما تحمل سابقوه من المدربين الوطنيين والأجانب في النوادي وفي المنتخبات والاعتراف بالأخطاء المرتكبة منه في التكتيك واختيار اللاعبين المناسبين للمنتخب عامة ثم إعداد التشكيل المناسب والخطط الملائمة لكل مباراة حسب ما يتطلبه وضع المنافس ولاعبيه وإمكانياتهم، وإذا كان الخطأ من اللاعبين فلهم الكلمة للدفاع عن أنفسهم والتعبير عن أسفهم للجمهور والمتابعين عامة، فاللاعبون ملتزمون أولا بالراية الوطنية الباقية أما المدربون فهم يتغيّرون، ليس من اليوم أن يكون المدرب هم أحسن البشر عندما يفوز وأسوأهم عندما تعاكسه الأمور.. بنظرة موضوعية لما يعانيه المدرب في النوادي الوطنية وكيف لايستقرون في أي ناد استعدادا، بل هم على استعداد دائم للرحيل بعد أول هزيمة.. ألا يرى مدربنا الوطني الذي احترمه الناس كثيرا وبجّلوه على غيره بعد 2022 وما وقع لـ”الخضر” ووافقوا رسميا وشعبيا على استمراره، رغم انتقادات كبيرة وكثيرة لاختياراته، أن طريقة لعبه ربما لم تعد موافقة لمنافسات قارة شابة وتتطور رياضيا بسرعة فائقة بخلاف أحوالنا نحن  في الجزائر وربما في شمال القارة عموما؟

لا أريد التفاصيل هنا لكن أقول إن الانتقاد الموضوعي يجب أن يتقبله أي مدرب يثق في نفسه وإمكاناته وسيرى كيف تحمّل مدربون وطنيون انتقاد الصحافة  مع أنهم لم يكونوا يتلقون نفس المرتبات والامتيازات، لكنهم كانوا ينسون ذلك ويعودون عندما يدعوهم الواجب لتحمّل المسؤولية، فينجحون أحيانا ويخفقون في أخرى ويقال عنهم مايقال. وقد هُدِّد بعضهم في أهله وعائلته فتحمّل وصبر.. إرضاء الناس غاية لا تُدرك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!