الرأي

ما تخفيه عودة المغرب للمفاوضات مع البوليساريو

حبيب راشدين
  • 3606
  • 17
ح.م

ساعات قبل تقديم السيد غوتيريش طلبا لمجلس الأمن بتمديد مهمة الـ”مينيرسو” لمدة سنة، سارع المغرب إلى الإعلان عن استجابته للدعوة التي وجهها المبعوث الأممي السيد كوهلر لطرفي النزاع (المغرب والبوليساريو) لاستئناف المفاوضات المباشرة، في خطوة لافتة مفاجئة، تشير إلى تخوف المملكة المغربية من صدور قرار نهاية الشهر الجاري يكون متماهيا مع التهديد الأمريكي بتجميد نشاط البعثة، بكل ما يترتب عنه من انهيار لاتفاق وقف إطلاق النار وتجدد الاقتتال المتوقف منذ 1991.

القرار المغربي جاء متأخرا ودون مقدمات وتحضير للرأي العام المغربي، بما يؤشر إلى احتمال استلام المغرب لنصائح ملحَّة من أصدقائه دعته للإسراع بقبول الدعوة قبل انعقاد جلسات مجلس الأمن، وحصول ما لا تُحمد عقباه، خاصة وأن جبهة البوليساريو كانت قد رحبت في وقت مبكر بدعوة السيد كوهلر مع تمسكها بوجوب احترام قرارات مجلس الأمن ذات الصلة ودون شروط مسبقة تمنع التفاوض الجاد.

 أكثر من عامل يكون قد تضامنَ لتسريع قرار المغرب، الرافض قبل أسابيع فقط لأي شكل من أشكال التفاوض مع البوليساريو خارج أطروحة “الحكم الذاتي” يأتي على رأسها التهديد الأمريكي الصريح بدعوة مجلس الأمن إلى تجميد البعثة الأممية والتلويح بوقف تمويلها، وكانت الولايات المتحدة قد ضغطت على الطرفين منذ ستة أشهر برفض التمديد لمهمة البعثة لأكثر نصف ستة أشهر، كان يُفترض أن تبدأ خلالها المفاوضات.

العامل الثاني: له صلة بفشل المناورات المغربية في أكثر من اتجاه، سواء بالمحاولة عبثا اقحام الجزائر كطرف، مع افتقاره لنص صريح، سوى ما شملته معظم القرارات السابقة من دعوة دول الجوار لدعم مسار التسوية، أو باختلاق أزمات موقوتة أغلبها كان موجها للاستهلاك الداخلي، مثل الترويج لأسطورة استفادة البوليساريو من إمداد بالسلاح والمدربين من حزب الله، أو التهديد باستعمال القوة لـ”طرد” الجبهة من بعض حواضر المنطقة المحررة شرق الجدار الرملي.

العامل الثالث: يُستخلص من تتابع المعارك الفاشلة للدبلوماسية المغربية؛ تحديدا على المستوى الإفريقي بفشل الرهان على عودة المغرب لحاضنة الاتحاد الإفريقي لعزل جبهة البوليساريو ومشاغبة الجارة الجزائر، تبعتها ضربة قاصمة من مجلس القضاء الأوروبي الذي اعتبر إقليم الصحراء الغربية خارج سيادة المغرب، لا تسري عليه أحكام الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد.

وفي المقام الرابع: يبدو أن المغرب سجل بكثيرٍ من القلق تراجع منسوب دعم حلفائه التقليديين: فرنسا ودول الخليج، وكلاهما منشغل بهمومه، قد خسر الكثير في علاقاته مع الجزائر بدعم موقف مغربي بلا أفق، لا سياسيا ودبلوماسيا وهو يراوح في ذات المكان منذ عقود، ولا عسكريا مع استحالة فرض حالة من الأمر الواقع على الشعب الصحراوي، أو التهديد بحرب اقليمية صارت اليوم ممتنعة مع تنامي فارق القوة لصالح الجزائر، يمنع على المغرب وحلفائه المغامرة واللعب بالنار.

ومع تثمين القرار المغربي ـ إن كانت النوايا صادقةـ يحسن بنا انتظار نشر تقرير المبعوث الأممي، وتقدير أعضاء مجلس الأمن لفرص التجديد للبعثة، على ضوء ما يكون قد اجتمع للسيد كوهلر من إشارات إيجابية من الطرفين نحو استئناف المفاوضات، قد تشجِّع مجلس الأمن على تلبية طلب السيد غوتيريس بالتمديد للبعثة سنة إضافية، لتكون آخر فرصة تُمنح للطرفين، قبل أن يعيدهما الجمود والتراخي والتسويف زمن السلم إلى مستنقع الاقتتال المكلف للشعبين الشقيقين.

مقالات ذات صلة