-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ما هكذا نبني ثقافة وطنية جزائرية ناهضة!

ما هكذا نبني ثقافة وطنية جزائرية ناهضة!

المحلِّلُ للتعديل الوزاري الذي مس حقيبتَيْ المالية والثقافة يلاحظ الكثير، ولكني سأعفي نفسي -بحكم تخصصي واهتمامي- من تناول التعديل الذي مس حقيبة المالية، ولكني سأقول ما يجب أن يقوله أمثالي في تعاقب أربع وزيرات للثقافة في أربع سنوات 2019-2022م وفي حكومتين متتاليتين، فقد عرف المشهد الوزاري أربع وزيرات للثقافة هن: (مرداسي، بن دودة، شعلال، مولوجي)، والملاحظ أنهن كلهن نساء، وهذه مسألة ناقشناها سابقا من منظور الدارسين والدراسات الغربية العلمانية والمخبرية البحتة حول مدى عطاء ومردودية وجدوى إنتاجية المرأة، وما ستقدّمه أيُّ امرأة عاملة في حقلها وميدانها بمقابل عطاءات ومردودية الرجل.. وهنا أحيلكم إلى مقالاتٍ نشرتُها في جريدة “الشروق” سابقا وعنوانها: (جامعاتنا والعبث بالبحث العلمي)، و(الجمعيات النسوية وبيت العنكبوت) و(هذا ما جناه علينا تأنيثُ الوظائف والمهن).. وغيرها.

والملاحظة الثانية هي أن كل وزيرة من الثلاث المعزولات عندما تبوَّأت منصب الوزارة أحضرت معها طاقما ممن نعرفهم يكتبون في السياسة والفكر والفلسفة والثقافة، أو ممن يحترفون البروز في الصحف المستقلة العلمانية أو اليسارية، أو ممن يتفنَّنون في صناعة الخطاب الشعبوي أو السلطوي أو النقدي المسموم عبر القنوات الخاصة، أو ممن يحترفون السطو على عناوين من اليمن السعيد سابقا والتعيس تحت ضربات التحالف الأخوي.. وحفر منحوتات يسمونها مجلات ثقافية (انزياحات).. حتى يفوز بمنصبٍ في التركة الوزارية، لأن الثقافة -حسب اعتقاده- هي صناعة الكليشيهات الفنية المتداولة بين أهل الفنون والثقافة.. وللعلم فإنّ الثقافة شيءٌ آخر سنبيِّنه لاحقا.

والملاحظة الثالثة هي أن ثلاثتهن عُزلن بعد حصول خطأ في مسألة من مسائل العمل وتسيير شؤون القطاع، تحركت جرَّاءه الأقلامُ الناقدة والمتربصة بأي خطإ ولو كان خطأ غير مقصود يحصل بحكم العمل والتسيير، وهو أمرٌ طبيعيٌّ جدا، وقد يكون مدبرا من قبل عنصر مدسوس أو خفيّ من الفريق الوزاري والاستشاري والمعاوِن للوزيرة.

غير أن الملاحظة الرابعة والوجيهة هنا، هو أن هذه الوزيرة ارتكبت خطأين كبيرين في اعتقادي، الأول يبدو ظاهريا وعاديا في اختيار تشكيلة الوفد المرافق لها لحضور فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب من جهة، وما عليهم من ملاحظات ووجهات نظر في عالم التأليف والكتابة.. والأمر الآخر هو حالة الجناح الجزائري البائس في المعرض. وعلى سبيل الذكر فقط ولمناسبة القول: فصاحب هذا المقال له خمسة عشر كتابا مطبوعا في مصر بدار الكتاب الحديث بالقاهرة سنوات (2012-2019م)، ولم تختره جامعتُه في العامين الماضيين ليمثِّلها في معرض الكتاب الذي نعرفه جيدا.. واختارت –للأسف الشديد- إدارةُ الجامعة إداريين وأساتذةً لا يُعرف أنَّ لهم كتابا في حياتهم العلمية الطويلة التي بوّأتهم المناصب الإدارية فقط، فأرسِلوا ليمثلوا الكتاب الجامعي الجزائري!

ولكن الخطأ الثاني وهو الأفدح والأقدح في نظري، وقد تمثل في أن الوزيرة أسرعت في بداية عهدتها فقامت دون شعور منها وبعقلها وثقافتها الحقيقية الباطنة أو بتحريك وتدبير من جهةٍ خفيّة ما بإمضاء اتفاقية مع المحافظة السامية للأمازيغية لترقية وتطوير اللغة الأمازيغية، تبدو بريئة وعادية القصد منها تطوير لغة لم تستطع أن تتطور طيلة (2689) سنة أمازيغية، دون أن تمرّ بالمراحل السياسية المطلوبة منها سلطويا، وذلك بعدم إمضائها اتفاقية مع المجلس الأعلى للغة العربية والمجلس الإسلامي الأعلى والمجلس الاقتصادي والاجتماعي وأقسام التاريخ والآثار في الجامعات الجزائرية ومصلحة الأرشيف الوطني… وغيرها، وتسرّعت في إمضاء تلك الاتفاقية حارقة بذلك المراحل المطلوبة منها والواجب احترامها لضمان اشتغال محركات الوَحدة الوطنية بسرعة هادئة، ما عجّل بكشف حقيقة الجهة التي اختارتها لتكون ممثلة لقطاع الثقافة المهم والحيوي جدا، زيادة على اختيارها وتركيزها على منطقة الجنوب في الاحتفال بهذه السنة الأمازيغية التي تلقى نقدا علميا وتاريخيا يُشكك حتى في وجودها أصلا.

إن الثقافة عندنا نحن المسلمين هي: (السلوك حينما تغيب المعرفة)، والمعرفةُ والتربية والأخلاق والقيم والروح والدين والشريعة ركنٌ أساسيٌّ في صناعة السلوك وفي صناعة الثقافة، فيصير السلوك السوي ابن المعرفة السوية التي تُلقى في روع الأطفال، فيسلكون نحو ما تعلّموه ودرجوا عليه في طفولتهم البريئة.

دون أن يخفى عنّا مدى اهتمام وتواجد واستراتيجية مراكز القوى الغربية (فرنسا، أمريكا، بريطانيا، إيطاليا، ألمانيا) بمحاولات دغدغة الثقافة الأمازيغية ورسم صورة مزعزِعة تهدف على المديين المتوسط والبعيد إلى تحريك نعرات سكان الجنوب تحت دعاوى ثقافية ولغوية ونحوها.. وللأسف هو ما شهدته حركةُ نصب تمثال (فرعون) في إحدى مدن المثلث الأمازيغي بدعوى إحياء تراث الفراعنة الأجداد.. وهي محطاتٌ تحتاج ليقول الدارسون المتخصصون فيها الكثير قبل نصب هذا التمثال وتوسيع أفُق النظرة الثقافية للحفاظ على الحد الأدنى من ثوابت الوحدة الوطنية والترابية والثقافية التي رسمها بيان أول نوفمبر 1954م وضحى من أجلها آباؤنا وأجدادنا الأبطال.

والآن أحبُّ أن أنوِّرَ القارئ الكريم بالفرق بين الثقافة التقليدية التي يعرفها هؤلاء، وهي محصورة عندهم في رعاية وصيانة وإعانة من يُسمَّى “المنتجين الفعالين للثقافة” من المثقفين المشتغلين بالفنون الأدبية العشرة (الشعر، النثر، النقد، الرسم، النحت، الرقص، الغناء، المسرح، المونولوغ، السينما والتلفزيون)، وبذل الأموال الطائلة في سبيل إحياء المهرجانات والاحتفالات والذكريات.. وهذا هو شأن العمل الوزاري، وللأسف الشديد لم يستطع أي وزير للثقافة أن يغير من هذا المفهوم التقليدي شيئا، حتى الشاعر الأديب (عز الدين ميهوبي) ومن قبله (زهور ونيسي) و(محمد العربي دماغ العتروس).. وغيرهم، لأنه تصوُّر المنظومة السلطوية للثقافة..

ما هي الثقافة إذن؟ وما هي الثقافة الواعية إذن؟ وكيف نبني ثقافة واعية؟ وهنا وخشية الإطالة أُحيلكم إلى دراسة علمية ألقيتها في موسم الحج لسنة 1435هـ 2014م عندما حججت ضيفا على الراحل الملك (عبد الله بن عبد العزيز) خادم الحرمين الشريفين، وألقيتها في مقر رابطة العالم الإسلامي أمام مئات من العلماء الحضور، مطبوعة ومسموعة في موقعي بمقر كلية العلوم الإسلامية أرجو الاطلاعَ عليها لاكتمال الصورة.

ولكن لا حرج من أن نقول للقارئ الكريم إن الثقافة عندنا نحن المسلمين هي: (السلوك حينما تغيب المعرفة)، والمعرفة والتربية والأخلاق والقيم والروح والدين والشريعة ركنٌ أساسيٌّ في صناعة السلوك وفي صناعة الثقافة، فيصير السلوك السوي ابن المعرفة السوية التي تُلقى في روع الأطفال، فيسلكون نحو ما تعلّموه ودرجوا عليه في طفولتهم البريئة، هؤلاء الأطفال الذين دمرتموهم بتولية رفات وأجداث العلمانيين واليساريين والحداثيين والمستلبين والمتحللين لتولي وزارات التربية والتعليم والتعليم العالي والإعلام والشؤون الدينية، إذ صار أبناؤنا حقلا للفاشلين والضعاف، والتعليم العالي للخالين والفارغين من العلم والبحث العلمي، والإعلام للفرنكوفونيين والمستغربين، والشؤون الدينية للمقزِّمين لدور ومكانة ووظيفة الإمام والمسجد والمنبر.. وزدتموها بللا وطينا وأسنا مع وزارة الثقافة التي يديرها بقايا العلمانيين والحداثيين والكراسكيين، الذين لم يقدّموا ولن يقدّموا شيئا ولن يستطيعوا أن يقدّموا شيئا سوى السموم والموت الزؤام، إذ لا يوجد لهم ما يقدّمونه من سموم سوى سموم الانثربولوجيا المسيحية واليهودية المفلسة، فما هكذا نبني ثقافة جزائرية وطنية واعية وناهضة.. أللهم إلا إن كنتم تريدون أن يبقى قطاعُ الثقافة الحيوي بيد الأجداث المستلبين، ولكني أعتقد فيكم غير هذا.. والمهمّ عندي: أللهم اشهد أني بلّغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!