-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

متى تدخل الجزائر عهد الطاقات المتجددة؟

متى تدخل الجزائر عهد الطاقات المتجددة؟

المطلع على تاريخ العلوم والحياة البشرية يعلم أن البشرية ظلت تعتمد على الطاقات الطبيعية المتجددة طيلة حياتها إلى أن دخلت عصر البخار نهاية القرن الثامن عشر ومطلع القرن التاسع عشر واستغلال مناجم فحم الكوك في إيقاد مراجل الدفع البخاري للقطارات والسفن.

ومرَّ القرن التاسع عشر ودخلت الحضارة البشرية في نهايته وبداية القرن العشرين عصر (الديزل) بعد اكتشاف البترول كطاقة دافعة ومولدة للقوة والطاقة التي يحتاجها الإنسان، ثم دخل منتصف القرن العشرين عصر الذرة، وزعم حسب –ميتشوكاكو ورفاقه العلماء- في كتابه (رؤى مستقبلية كيف يغير العلم حياتنا في القرن الواحد والعشرين سلسلة عالم المعرفة الكويت) أن العالم خرج من عصر العلم والمعرفة إلى عصر السيطرة على قوى الطبيعة بامتلاكه علم (الهندسة الجينية، تفكيك الذرة، الحاسوب العملاق)، ولكن لكل من هذه الطاقات سلبياتها ونتائجها الكارثية على الإنسان والصحة والبيئة والطبيعة والمناخ.. وهكذا وبعد طول تجربة وخبرة يجد الإنسان نفسه مجبرا على العودة إلى ثقافة الإنسان الأول وتعاملاته مع قوى الطبيعة وطاقاتها المتجددة مع فارق بسيط جدا وهو قدراته التكنولوجية الهائلة في التقدُّم الصناعي.

وبعد هذه الإطلالة التاريخية حول علاقة الإنسان بالطاقة ورحلته معها.. نسأل أنفسنا –كما سألناها منذ أربعة عقود- بشجاعة وصدق وعلمية وموضوعية ومستقبلية: أين نحن من عصر هذه الطاقات المتجددة؟ وأين موقعنا المحلي والعالمي منها؟ وهل استطعنا أن نستثمر طاقتنا الطبيعية والمادية التي تزخر بها بلادنا الغنية؟ وهل سلطتنا ونظامنا قادرٌ على اغتنام الفرصة التاريخية للدخول في عصر الطاقات المتجددة؟ وغيرها من الأسئلة الحساسة والإستراتيجية المُحرجة التي وجب على النظام والسلطة أن تسألها بدقة وعلمية ووطنية؟

ودون الدخول في متيهات التساؤلات الفلسفية المكرورة والغامضة التي يحبذها ويجترها المثقفون الحمقى لشغل الرأي العامّ بها، نجيب من واقع معارفنا واطلاعاتنا ومتابعاتنا عن علاقة نظامنا بعالم الاستفادة والاستثمار من الطاقات المتجددة، ولا أحب هنا أن أُعيد الحديث والتذكير بخطيئة تضييع فرصة مشروع (ديزيتريك 2006م) مطلع الألفية الثالثة من قبل نظام العهدات، إذ شهدت بلادنا صدور أول قانون ينظم مشروع الاستفادة من الطاقة الشمسية سنة 2002م وللأسف الشديد دون مرافقته بالمراسيم التطبيقية والتنفيذية الأمر الذي جعله حبرا على ورق، ولا يساوي قيمة ورقه وحبره، ولاسيما بعد أن تجاوزه الزمن بعقدين تقدم فيه الآخر في مجال صناعة وبيع وتطوير الطاقات المتجددة ولاسيما مجال الاستفادة والاستثمار في مجال الطاقة الشمسية..  وبقينا نحن المتخلفين كعادتنا نراوح مكان التخلف والضعف والهزيمة الذي اخترناه لأنفسنا ووطننا وأمتنا.

ولعله من نافلة القول التصريح والبيان القطعي: بأن مشروع الاستفادة من الطاقات المتجددة عموما والطاقة الشمسية خصوصا في بلادنا لا يحتاج إلى شيء تقنيني أو إجرائي أو تسييري، كإنشاء وزارة متخصصة تحمل اسم (وزارة الطاقات المتجددة)، تكلف ميزانية الدولة العاجزة مشروع بناء مقر كبير وتجهيزات ومكاتب وموظفين وعمال وخبراء وسيارات وأعوان حماية وأمن وأموال ومنصب وزاري وهيكلة وزارية ونحوها.. تزيد المشروع تعطيلا وكبحا وبيروقراطية مقيتة وقاتلة.. بل لا يحتاج حتى للآلة الإعلامية والدعائية، ولا للإرادة السياسية التي لا يحتاجها الصناعيون الشرفاء والنزهاء.. الذين تعطلت مشاريعهم منذ أكثر من خمس سنين لتطوير وسائل وآلات ومُعدّات وتجهيزات تسهيل وتعميم استعمال الطاقة الشمسية في الجزائر، لأنها باتت اليوم من الحتميات المفروضة على الأمم الراغبة في البقاء والتقدم، بل التواجد والحضور المستقبلي بين الأمم في الخارطة العالمية.

والسلطة تعلم علم اليقين أن الدخول في عصر الطاقات المتجددة هو أحد شروط استمرارها، بل أحد أركان بقائها بهذا الشكل والموقع بين الأمم بعد تاريخ 2030م، إذ سيفرض الاتحاد الأوربي رسوما إضافية على السلع والمنتجات الموردة والتي تم إنتاجُها بالطاقات التقليدية، والغرب المحترف والمتخصص في سرقة ثروات الضعفاء المتخلفين منذ الموجة الاستعمارية الصليبية الأولى (1095م.. 1290م) والموجة الاستعمارية الثانية (1493م.. 1945م) وفي الموجة الاستعمارية الاقتصادية والمالية والمصرفية والسوقية الحديثة الثالثة (1950.. 2015م) بعد مؤتمر باريس سنة 2015م سيشدد وسيضع القوانين الصارمة لمنع أي نهضة أو تقدم لكثير من الدول الطامحة للبقاء والنهوض مع موجة الاسترزاق الاستعمارية الرابعة (2030.. الله أعلم)، وعلى السلطة هنا أن تتساءل بجدية وعمق ووطنية ومصيرية عن مصير بقاء ووجود واستمرار الجزائر من جهة، ومصير نهضتها وتقدُّمها وعزّتها بين الأمم والدول؟

وبحكم تتبعي لمسيرة تطور مشروع الاستفادة من الطاقات المتجددة عموما والطاقة الشمسية على وجه الخصوص في الجزائر منذ سنة 2006م مع مشروع (ديزيتريك) الذي بشّر به الخبراء يومها ووضعوا له المخططات ورسموا له الآمال العِظام وأوهموا الشباب عموما وشباب الجنوب خصوصا.. وغيرها من الأوهام التي تنقلها شبكات المعلوماتية، فيكفي أن تكتب في محرك غوغل عبارة (مشروع الطاقة الشمسية) وسيخرج لك كل شيء حتى بورصاته وأسواقه و.. وقد تبين لي أنه مازال يراوح مكانه، ولا أثر له في الواقع غير الواقع السياسي كإنشاء وزارة تحمل اسم (وزارة الطاقات المتجددة) التي مازالت تبحث عن مكانها بين أعتى شركتين معيقتين ومعرقلتين للاستفادة والتحوُّل نحو الطاقة الشمسية وهم (سوناطراك، وسونلغاز على وجه الخصوص) نظرا لأسباب وخفايا يعرفها الخاص والعام لا تخرج عن إطار الأنانية والنظرة النفعية الضيقة جدا.. وعن محدودية الرؤية للقائمين عليها لمستقبل الجزائر وبقائها ووجودها  في ظل البقاء أسيرة للطاقات التقليدية.

ومن خلال تتبُّعي للنشاطات التي يقوم بها بعض المتخصصين في مجال الطاقة الشمسية مما تنقله وتبثه وتذيعه وسائل الإعلام الوطنية المكتوبة والمسموعة والمرئية والإلكترونية أن وضع الطاقة الشمسية لا يُبشر بالخير ولا بالمستقبل الواعد الذي ترجوه الأمم والدول منه في آفاق 2030م، حيث أن القائمين على صناعة القرار مازالوا يحتاجون إلى من يُقنعهم بجدواها الاقتصادية ومنفعتها الحياتية ومردوديتها النهضوية والتجارية والمالية.. وإذا كان هذا هو حال القائمين على صناعة القرار مع جدوى ومردودية الطاقة الشمسية يُضاف إليها سيول وحواجز الموانع الإدارية والبيروقراطية والأنانية، بل حتى التآمرية والكيدية على مستقبل الأمة، فكيف لهذا المشروع أن يتطور ويحقق أهدافه الاقتصادية والصناعية المرجوة منه.. إذا ظل الحال يراوح مكانه لإقناع أصحاب القرار بضرورة فهم جدوى المشروع، فنحيلهم ببساطة إلى فهم الإنسان البدائي الأول الذي فهم بفطرته كيف يستفيد من قوة الماء والهواء والشمس، فقدّدَ اللحم في فصل الصيف تحت أشعة الشمس المحرقة وخبأه للشتاء القارس.. وجفف الفواكه والخضار وصنع المربيات والمخللات والفراء والجلود؟

ولعلني لا أبالغ عندما أذهب إلى إضافة الجانب التآمري على مستقبل البلاد والأمة فأقول بصراحة ووطنية: كيف يمكن أن نمنح قطاعا استراتيجيا للشركات الاستعمارية كمنحنا شركة (سيال الفرنسية) ماء الجزائريين، أي حياة وبقاء ووجود الجزائريين فماتوا عطشا في هذا الصيف الحارق، بالرغم من نزول وتساقط الأمطار الطوفانية التي شهدتها الجزائر في الشهرين الماضيين حسب ما نقلته وسائل الإعلام الوطنية، وهلكوا جميعا حتى صارت الجزائر العاصمة بلا ماء بما فيها الأحياء القريبة من مراكز السلطة والسيادة الوطنية.. فأين ذهبت تلك البحار من المياه؟ وأين هي السدود التي خُصصت لحجزها؟.. والتاريخ يبين بجلاء لنا أن كل الحصون القوية والقلاع الشامخة سقطت بعد قطع مورد الماء الذي تتزود منه.. والكلام كثير جدا.. والألم كبير جدا..

وفي ختام هذه البكائية التراجيدية أعتقد أن مشروع الاستفادة من الطاقة الشمسية خصوصا لا يحتاج إلى وزارة ووزير ومقرٍّ وميزانية وعمال وموظفين وهيكلة وميزانية إضافية و.. بل يحتاج فقط إلى مكتب متخصص يجتمع فيه أهل العلم والاختصاص، ويكون هذا الديوان أو المكتب الصغير ملحقا بالوزارة الأولى أو برئاسة الحكومة ليستمد إستراتيجيته وقوته منها، لأنه مشروعٌ مستقبلي وحيوي ووجودي للجزائر ولحكومتها ولشعبها المسكين الطامح للحياة الكريمة فقط.. إن سنة 2030م على الأبواب.. سنة شيوع وانتشار الطاقات المتجددة.. حيث لا مكان للطاقات التقليدية الملوِّثة للبيئة.. فلا تضيِّعوا الفرصة كما ضيعتم الكثير ومازلتم تضيعون الكثير.. أللهم اشهد أني بلَّغت.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • الوطني الغيور

    يبدو أننا دخلنا عصر الطاقات المتجددة دفعة واحدة بهذه الحرائق؟؟ الله تعالى يستر الجزائر المسكينة البائسة.

  • الناصح الأمين

    العمل لا يحتاج إلى كثير كلام وشرح.. المهم أن نبادر للدخول في عالم الطاقات القديمة المتجددة.. وما جدوى تعيين طبيب لوزارة الطاقات المتجددة؟؟ سيعمل فريق الخبراء المتواجدين بالوزارة لتوضيح جدوى المبادرة بالخير للمسارعة في الدخول إلى هذا العالم.. وحتى يقتنع تنتهب عهدته الوزارية... ويحقق أعداء المشروع مآربهم في تعويق الجزائر من ولوج عالم الطاقات المتجددة؟؟!!

  • الناصح الأمين

    ثمة مستثمر ورجل اعمال جزائري عالمي من غرداية اقام شراكة مع رجل أعمال امريكي مشهور في مجال الطاقة الشمسية وإنتاج لوازمها ووسائلها ... يحاول منذ خمس سنوات أن ينشىء مصنعا للطاقة الشمسية ولوازمها... ولكن فساد الإدارة وفساد البيروقراطيين المتعفنين والمرتشين والمتآمرين على مستقبل الجزائر الطاقوي النظيف يقفون حجر عثرة في وجهه.. كما وقفوا سدا منيعا ضد غيرهم... لو بنى مصنعه لارتاح الجزائري من فاتورة المليون كل شهرين التي توضع امام بابه... أرأيتم أنه لم يتغير شيء من فساد الإدارة وفساد البيروقراطيين المتعفنين والمرتشين والمتآمرين ؟؟؟

  • المقنع الكندي

    يفيد الخبراء المتخصصون في مجال الطاقة المستدامة عموما والطاقة الشمسية على وجه الخصوص أن توليد الطاقة الشمسية سهل جدا وغير مكلف أبدا.. يحتاج فقط ل:( لوحة زجاجية+ بطارية مكثفة+ تمديدات وتوصيلات).. فلماذا تحرمون الجزائريين من هذه النعم؟؟ ولماذا تعوقون هذه الفرصة الثمينة في الاقتصاد وتوفير الطاقة؟؟

  • المتنبي

    ماذا تنتظرون حتى تتحركوا نحو عالم الطاقات القديمة جدا (الماء. الهواء. الشمس). ؟؟؟…؟ بادروا ولن تندموا.. نصيحة وطني غيور...

  • نوار

    ما هذه ؟ عقدة الغرب و الاشقر الطاقات المتجددة ليست بالاخص طاقة صديقة للطبيعة و تستلهم الكثير من التجديد و الاموال و ليست جدية مقارنة مع الطاقة البترولية ، لا تكونوا اعراب كل حياتكم

  • ابن تومرت

    متى تصحو السلطة القائمة من غفوتها ولا تضيع على الجزائريين تطلعهم للنهضة والحياة الكريمة؟؟

  • jalak

    فاتكم القطار تتكلمون أكثر ماتفعلون