الرأي
حول الدستور..

متى تعارض العلمُ مع الهوية والوطنية؟!

عبد القادر فضيل
  • 704
  • 9
ح.م

لا ريب أنّ المطالبين بحياد المدرسة لا يستوعبون حقيقة السياسة التربوية، فهم لا يعتبرون الحياد خطأ، بل يعتبرونه جانبا مقبولا في التعامل مع المدرسة. وهذا ما أكده الناطق باسم اللجنة المكلفة بمراجعة تعديل الدستور. ولهذا لا يعتبر حياد المدرسة خطأ في التعامل مع النظام التعليمي لأنه ينظر إلى المدرسة على أنها مجالٌ معرفي علمي له ارتباط بالمنظومة التربوية التي تتولى الحكومة مسؤولية الإشراف عليها، ومتابعة أفكارها وأساليب عملها، فهي التي تضع الإطار القانوني الذي يحول دون نشر الأفكار المخالفة لاهتمامات المجتمع.

الحكومة هي الساهرة على متابعة ما يجري في المنظومة التربوية، وعلى ما يقدَّم في المناهج، فالحياد – كما تم شرحه من طرف الناطق باسم اللجنة المكلفة بمراجعة تعديل الدستور- يدفع إلى رفض الأفكار والاتجاهات التي تصدر عن بعض الأساتذة والتي لا تلتزم بما تنص عليه المراجع الرسمية، فالحكومة لا تسمح بتلقين ما يطرحه البعض من أفكار واتجاهات تخالف ما يريده المجتمع، فالحياد يُبعِد المدرسة عن توجيه اهتمامها إلى ما تتضمَّنه المناهج التي لا ترضي كل الاتجاهات، ولا تلتقي مع التوجُّهات الواردة في القانون التوجيهي للتربية. وهنا سؤال نطرحه: هل يجوز للمدرسة أن تتبنَّى تفكيرا غير التفكير الذي تؤمن به الأمة ويلتزم به الوطن؟ إنَّ هذا يناقض مبادئ ثورة نوفمبر ويخالف التوجه

الإسلامي الذي حُدد في المناهج، ويتجنب ما ورد في القانون التوجيهي للتربية الذي يحدد الأسس التي تتبناها المدرسة.

إننا نجد القانون يُلحُّ على تكوين جيل متشبِّع بمبادئ الإسلام وبقيمه الروحية، كما يلحُّ على المبادئ التاريخية التي تسعى إلى ترسيخ القيم المؤصِّلة لتوجُّهاتنا، هذا هو التفكير الذي نلمسه في توجهات الأمة، فالعمل بالحياد يجعلنا لا نلتفت لهذه التوجهات، فكيف نطلب من المؤسسات أن تكون محايدة للسياسة التربوية المنصوص عليها؟ نوجه السؤال للمطالبين بالحياد، فما هي القيم والأفكار التي تعوض بها المؤسسات ما تعيشه الأمة إذا كانت تحيد عنها؟ لا شيء، فالذين صاغوا هذه المادة لا أظنهم يريدون أن تعيش المدرسة قيما أجنبية أو توجهات فكرية غريبة عن المجتمع، اللهم إلا إذا كانوا ينظرون إلى الجانب السياسي على أنه جانب مشبَّع بالناحية الأيديولوجية والاتجاهات الحزبية، وحينئذ لا تجد المدرسة ما تعوض به تفكير الأمة وقيم الوطن.

إن الخطأ الذي شرحناه بخصوص فكرة الحياد لم يصححه الأستاذ بن طيفور في نقاشه، إذ لم يتناول في مناقشته الجانب الذي تم فيه إهمال ذكر الهوية الوطنية الخاصة بالمؤسسات التربوية (المدرسة)، ويلاحظ هذا الإهمال في نص المادة 68 في الفقرة الرابعة، ففي هذه الفقرة يذكر النص مسؤولية الدولة اتجاه ضمان حياد المؤسسات، ولكنه حين يضيف إليها: (وعلى الحفاظ على طابعها البيداغوجي والعلمي) يهمل الطابع الوطني، فكيف يكون إهمال الصفة التربوية الأساسية، وكيف نذكر الطابع البيداغوجي والعلمي للمؤسسة ولا نذكر الطابع الوطني؟ أليس هذا إهمالا لذكر الهوية؟ هذا جانبٌ تم فيه إهمال الاهتمام بالهوية التي يتحدث عنها الأستاذ ويذكر موقف اللجنة، ويعلن أنه يتحدى من يثبت له جانبا أهمِلت فيه الهوية، وهذا جانبٌ واضح لا يمكن أن ينكره.

وحين نتتبَّع الفقرات الخمس التي شرحت المادة 68 من مسودّة التعديل الدستوري لا نجد فيها ما يعمق الاهتمام بهوية المدرسة. إن هذا الشرح هو الذي يجعل المدرسة التي تناولنا الحديث عنها بأننا نصفها: بأنها مدرسة في الجزائر وليست مدرسة جزائرية، والفرق بين المدرستين واضح. وما ذكره الأستاذ ممثل اللجنة حين أكد أن الحكومة تمارس مسؤوليتها في الإشراف على ما يجري في المنظومة التربوية فهي التي تتابع وتبدي مواقفها، أعلق على قوله هذا وأقول: إن هذه المسؤولية غير صحيحة، فالحكومة محايدة لما يجري في واقع المنظومة التربوية، والدليل ما عشناه في السنوات الماضية حين قررت وزارة التربية بعض الأفكار وهي أفكار مخالفة لتوجهات الأمة، ولم تحدد الحكومة موقفها من هذه القرارات، رغم أنها غير ملائمة للسياسة المتّبعة ولم يوافق عليها أهل الاختصاص، ولم تعارض الحكومة ما فكرت فيه الوزارة وأعلنت عنه. وأذكر بعض هذه الإجراءات: الدَّعوة الملحَّة إلى إدراج اللهجات الدارجة في التعليم، والقرار الخاص بحذف البسملة من الكتب المدرسية، ثم القرار الخاص لمراجعة المناهج وإدراج فكرة الجيل الثاني ونشرها في الكتب، هذه الإجراءات والقرارات لم تدرسها الحكومة ولم تقدِّم رأيها، ومع ذلك تمَّ تنفيذ ما قررته الوزارة ولم تعارضه الحكومة.

وهناك جانبٌ تم طرحه في كتاب السنة الأولى من التعليم المتوسط تناولت فيه الوزارة موضوع الديمقراطية في برنامج التربية المدنية واعتمدت في شرح المضمون الاستفتاء الذي أجري عام 1962 والذي نظمته الإدارة الفرنسية، هذا الشرح رفضناه وعلقنا على الموقف الغريب الذي وقفته الوزارة من الاستفتاء الذي أجري عام 62، وبيّنا الجانب السياسي المرتبط بتعليمات الإدارة الفرنسية في موضوع الاستقلال، والدرس الذي علقنا عليه وبينا بأنه غير ملائم سياسيا وتربويا، ومع ذلك لم يُحذف الدرس ولم يُصحَّح، وهو موجودٌ في الكتاب إلى حدِّ الساعة.

هذه الأمثلة التي ذكرت يؤكد أن الحكومة لا تمارس مسؤوليتها في ميدان متابعة ما يجرى في المدرسة، ولهذا قلنا إن فكرة الحياد تجعل المدرسة بعيدة عن سياسة الأمة ولا تستطيع الحكومة أن تحدِّد الجانب السياسي ومبادئ التوجُّه التربوي لأن الموضوع يتطلب تشكيل هيأة متخصصة يسند إليها الأمر وهذا ما طالبنا به.

ومما يؤسف له أن قطاع التربية قطاعٌ كبير وهام، ولا يوجد بجانبه هيأة توجّه تفكيره وتحدد وجهته وتضبط رؤيته وتثري نظامه.

وأودّ في الأخير تقديم هذه الإضافة المتعلّقة بمراجعة صياغة النقاط الشارحة للمادة 68 من مسودّة تعديل الدستور.

النقطة الأولى: الحق في التربية والتعليم مضمونان تعوض كلمة (مضمونان) بكلمة مضمون.

يصحح الجزء المتمم: تسهر الدولة باستمرار، نضيف: على توفير هذا الحق وعلى ضمان أدائه وتحسين جودته.

النقطة الثانية: التعليم العمومي مجاني تضيف إليها: في كل المستويات، قبل كلمة مجاني.

النقطة الثالثة: التعليم الأساسي إجباري، يحسن إعادة الصياغة، نقول: مدة التعليم الأساسي تسع سنوات وهي إجبارية، والدولة ملزَمة بتوفيرها للجميع.

النقطة الرابعة: تسهر الدولة على ضمان حياد المؤسسات التربوية تحذف كلمة (حياد) وتُعوَّض بكلمة (سير): تسهر الدولة على سير المؤسسات، نضيف إليها: وفق المبادئ السياسية التي تسير عليها الأمة، وتكمل الباقي بإضافة وعلى الحفاظ على طابعها الوطني والبيداغوجي والعملي.

النقطة الخامسة: تسهر الدولة على تحقيق تكافؤ الفرص وضمان التساوي في الالتحاق بسنوات التعليم.

النقطة السادسة (تضاف): تسهر الدولة على توفير التكوين المهني للراغبين في اكتساب مهارات عملية وتخصصات مهنية، على أن تكون اللغة التي يمارَس بها التكوين هي اللغة العربية.

مقالات ذات صلة