الرأي

متى نتحرّر من ريع المحروقات؟

ح.م

نحتفل كل عام بذكرى تأميم المحروقات. هذا القرار التاريخي الذي استعادت به الجزائر حقها في ثرواتها الطبيعية، لتعرِف بعد ذلك سنوات من الرّخاء، وبعدها سنوات عجاف نتيجة انهيار أسعار النفط، ثم ارتفعت الأسعار وبلغت مستويات قياسية وعاشت الجزائر مرة أخرى في بحبوحة مالية لم تنعكس تماما على الوضعية المعيشية للجزائريين بسبب ماكينة الفساد.

وبين الأزمة والرخاء، بقي الاقتصاد الوطني رهينة التقلبات في أسعار النفط، رغم الخطاب السياسي الذي كان دوما يركّز على ضرورة الخروج من اقتصاد الرّيع إلى اقتصاد منتِج متعدّد الموارد، ولم تكن السّياسات المعتمَدة من قبل السلطات العليا في مستوى الخطاب السّياسي، بل إن الحكومات المتعاقبة اعتمدت ما أصبح يُسمى بسياسة شراء السلم الاجتماعي، وهي “رشوة” تُعطى للجماهير في أشكال مختلفة، إما عبر دعم المواد الأساسية أو عبر برامج الإسكان والتوظيف دونما حاجة، وكذا برامج التّشغيل المختلفة التي تتنوع في الأسماء وتشترك في الهدف وهو تحقيق الرضا الجماعي عن أداء الحكومات القائمة مهما كانت فاشلة وغير كفؤة.

هذه السياسة ألفها المجتمع وأصبح يدافع عنها، وويلٌ للحكومة التي تفكر في تجاوز اقتصاد الريع والمرور إلى اقتصاد حقيقي يكون الاستهلاكُ فيه بقدر الإنتاج، واعتماد سياسات واقعية في التوظيف والتوقف عن تمويل المؤسسات الوطنية الفاشلة والمفلِسة وهي كثيرةٌ جدا، لأن مقاومة هذا التوجه ستكون كبيرة وعاصفة ما دام الجميع رهائن لاقتصاد الريع القائم على اقتسام مداخيل النفط على القطاعات الوزارية.

ومع ذلك؛ فإنّ التّحرر من ريع المحروقات ممكن، إذ عادت للعمل قيمتُه، خاصة في أوساط الشّباب، وتم التّخلي ولو تدريجيا عن سياسة شراء السلم الاجتماعي عبر برامج الدّعم التي لا تفرِّق بين الفقير والميسور، فمن الخطأ أن تسدد الدّولة فاتورة الحليب والخبز والوقود لرجال الأعمال والأثرياء من خلال دعم هذه المواد.

لقد أثبت الجزائريون أنّهم قادرون على التّحرر من الرّيع، وقطاعُ الفلاحة مثالٌ على ذلك، خاصة في وادي سوف، حيث أخرج الفلاحُ البسيط الثروة الحقيقية من باطن الأرض، وأصبحت الطّماطم والبطاطس وغيرهما من الخضروات تلبِّي حاجات السوق المحلية وتُصدَّر إلى الخارج، ولو بكمّيات محدودة، وهي تجربة يمكن تعميمُها على جميع الولايات وجميع القطاعات، بالدفع نحو سياسة اكتفاء في جميع الحاجات تحت قاعدة “نستهلك ما ننتجه”.

ومع ذلك؛ لا يمكن تحقيق الوثبة الاقتصادية إذا لم يتم التّخلص من أخطبوط الفساد الذي ينخر كل القطاعات، وهو فسادٌ مقنّن أحيانا من خلال الامتيازات الخيالية التي تُمنح للمسؤولين على كل المستويات، بأجور خيالية وخدمات مجانية ومِنح وعلاوات وسيارات وحراسة وامتيازات أخرى لا تتوافق إطلاقا مع الجهد المبذول، وفي أغلب الأحيان يكون التزلّفُ والتواطؤ والطاعة العمياء والمحسوبية هي السبل للوصول إلى مناصب المسؤولية وليس الكفاءة.

مقالات ذات صلة