مثقفون وأطباء يؤمنون بالخرافات يلجأون إلى التمائم والتعاويذ
يؤمن الجزائريون بعدد كبير من الخرافات ظنا منهم أنها تحميهم من عين الحسد والمس والنحس وسوء الحظ وتوارثوها من جيل لآخر منها الطريف والمضحك ومنها البسيط، وهي عادات يقوم بها جل الجزائريين كرفع أصابع اليد الخمسة في وجه أي شخص يشاع أنه حسود أو لمس الخشب أو غرز “مساك” في الثوب أو تعليق ورقة الصبار الشوكي فوق أسطح المباني للحماية من النحس أو عجلة شاحنة في أعلى المنازل أو كيس أسود.
-
يؤمن بهذه الخرافات كل طبقات المجتمع تقريبا حتى المثقفين الذين لا يجرؤون على مخالفتها ويخشون في أعماقهم عواقبها، وإن حاولوا إظهار العكس، فالطفلة لا تنام دون عشاء في بعض الجهات من الوطن، فيقال “تأكل سعدها” ولا تضع صحنا فيه أكل فوق حجرها فيقال “تأكل أولادها” أي تكبر وتبور، والطفل الصغير الذي لم يكتمل عمره السنة لا تُلبس له أمه لباسا لونه أحمر، ويقال في هذه الخرافة إن “الملائكة تغار منه” وتصيبه بأذى، ولا تتفوّه بكلمات غير مرغوب فيها فوق رأسه لأن دماغه مفتوحة ويتأثر بكل ما يقال، وتضع سرته في وسادته وتربط معصم يده بخيط أحمر قرأ عليه شخص صالح آيات من القرآن، وتدفن خصلات شعره في التراب، وتضع له الحناء في قدمه اليسرى ويده اليمنى أو العكس إبعادا للحسد، وفي منطقة القبائل تضع الأم لمولودها الحناء ليلة الثلاثاء إلى الأربعاء وليلة الجمعة إلى السبت، والأم التي يموت أطفالها في سن مبكرة عندما ترزق بطفل حي تثقب أذنه وتلبسه أقراطا وتطلق عليه اسم “ساسي” وفي منطقة القبائل تسميه “أكلي” وهو الاسم الذي يمنحه الحياة حسب الخرافة.
-
ومن بين الخرافات الأكثر انتشارا في أغلب مناطق الوطن أن الأم لا تنشر لباس طفلها الذي لم يكتمل الأربعين يوما وقت الغروب خارج البيت سواء في شرفة أو في فناء خوفا من أن يطير فوقه طائر الخطاف والبعض يقول أنه طائر “الوطواط” من يجلب النحس للطفل الصغير فيصاب بالإسهال الحاد المؤدي إلى الموت، ولا يشفى منه إلا عن طريق “القطع”، وهي عادة أو خرافة خارقة، حيث تقوم سيدة كبيرة في السن معروفة بقدرتها على رفع الأذى بواسطة شفرة حلاقة بجرح الطفل بجروح خفيفة على مستوى كل المفاصل، ثم تبلل بريقها قليلا من البارود وتضعه فوق الجروح وعلى جبين الطفل ثم تبلل عشبة”الحنتيت” بحليب الأم وتضعه أسفل فكه وخلف أذنيه فيزول عنه أذى “الوطواط” أو ما يعرف في بعض المناطق بـ”الجدة”، وهذه خرافة معروفة ومتجذرة إلى درجة أن أطباء يلجؤون إليها عندما يصاب أبناءهم بهذه الأعراض ولا يستجيبون للعلاج الطبي بسرعة، ويعتقد الكثيرون ممن فقدوا أبناءهم في الأشهر الأولى بعد الولادة بسبب الإسهال والجفاف أن السبب يعود إلى لعنة “الطائر” الذي لا يذكر اسمه في حضرة طفل صغير، ويؤمن الجزائريون كثيرا بالعين والحسد ويقول بعضهم إن الطفل الصغير قد تقتله “العين” ففي عرش بالشرق الجزائري يمنع على الطفل أو الطفلة ارتداء ثوب أحمر في الأعراس والحفلات.
-
طفل يسرق صحة طفل آخر
-
هذه الخرافة لم نستطع إيجاد تفسير لها مع أنها شائعة بقوة والجميع يؤمن بها والمرأة التي تقدم عليها هي “ساحرة” وتقاطعها العائلة مدى الحياة، مفاد الخرافة أن المرأة النافس لا تستحم قبل 40 يوما، ولا تنام بمفردها في البيت ولا تدخل بيت امرأة نافس أخرى، ولا تلتقي بها وجها لوجه، ولا يلتقي رضيعها برضيع الأخرى، وإلا وقع مكروه كبير قد يؤدي إلى وفاة أحد الأطفال، فالنافس التي تتعمد زيارة نافس أخرى ينمو ابنها ويكبر بصحة جيدة فيما يمرض الطفل الآخر وينمو نحيفا ويسود لونه ويكبر رأسه أكثر من جسده، ويقال إن من الأطفال من توفوا حسب هذه الخرافة الشائعة وفيها الكثير من الروايات، فالبعض يقول إن إبطال الأذى عندما تزور امرأة نافس أخرى في بيتها تقوم هذه الأخيرة أي صاحبة البيت بقلب طرف فستانها أو نزع غطاء رأسها بسرعة فيبطل السحر حسب الخرافة وفي منطقة القبائل إذا اضطرت نافس زيارة نافس أخرى تخرج صاحبة البيت وتتخطى عتبته وتقتسم معها كوبا من الحليب ثم تلتقيان في بيت واحد، وقد سببت هذه الخرافة خلافات كبيرة بين العائلات واتهمت سيدات بالسحر وخطف صحة الأطفال ومنحها لأطفالها فلا تخاطب ولا يزورها أحد وتقاطعها العائلة نهائيا.
-
خرافات الفرح، العزاء وضربة “العاشوراء”
-
تختلف الخرافات من بلد لآخر فالفرنسيون والانجليز يلمسون الخشب، والأتراك يلمسون حلمة الأذن والمصريون يضعون الحجر الأزرق الكريم في المجوهرات والتونسيون يخيطون بالقماش شكل سمكة تطرز وتملأ بالصوف لتضعها العروس في غرفة نومها لإبعاد الحسد، وهو أول ما تبدأ بتحضيره بعد خطوبتها مباشرة، أما في الجزائر فلا تعد الخرافات ولا تحصى من الزواج إلى العزاء والمناسبات والأعياد، فالميت تشعل في مكانه شمعة ولا يدخل الخارج من العزاء أي بيت قبل أن يغسل وجهه، أما في البناء فيقال إن العائلة لا تسكن بيتا جديدا إلا بوضع الحناء على كافة جدرانه مساء الرحيل إليه وتسفك دماء أضحية على عتبته إبعادا للنحس والجن والمخالف لهذه الخرافة، يقال إن مكروها سيصيب العائلة بفقدان أحد الأبناء أو الأب أو الأم، وفي الأفراح معروف أن طبق الحناء إذا قلب أو كسر تحرم العروس من الإنجاب مدى الحياة، وأول من تجلس على كرسي العروس أو تقيس حذاءها تتزوج مباشرة من بعدها فنجد الفتيات تتسابقن للجلوس مكان العروس، وترفع أم العروس مرآة في وجه ابنتها لتكون حياتها صافية، وأغرب الخرافات التي جمعناها لها جذور شيعية حيث يقال إن المرأة التي تخيط ثوبا أو تكنس بيتا يوم عاشوراء تصاب بمرض “الرعاش” فيقال “ضربتها العاشوراء”، وهي خرافة شائعة بقوة في منطقة دلس بالقبائل.
-
أما الأخطر في هذه المجموعة من الخرافات تلك المتعلقة بالمرض فيعتقد أن المصاب بالتهاب حاد مصحوب بألم لا يقاوم نتيجة دملة أو ورم أو جرح أوحروق فقد أصيب بـ”عروس الماء” فلا يجب أن يكشف عليها الطبيب أو يلمسها بآلة حادة فيؤدي إلى بتر العضو المصاب كالأصبع أو الساق أو اليد فيلجأ المصاب إلى ما يسمى بـ”دواء عرب” كوضع الريق وبعض الأعشاب على الجرح. وغيرها من الخرافات التي يؤمن بها عدد كبير من الجزائريين بما فيهم المثقفين.