-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

محوُ غزة من الوجود وصيَّة توراتية

محمد بوالروايح
  • 1535
  • 0
محوُ غزة من الوجود وصيَّة توراتية

يظن كثيرٌ من المحللين السياسيين أن سبب العدوان المتكرر على غزة هو لكونها معقل حركات المقاومة وحركة المقاومة الإسلامية “حماس” على وجه الخصوص التي تعدها إسرائيل عدوها الأول والخطر الأكبر الذي يهدد وجودها وحدودها.
والحقيقة أن حماس مولودٌ جديد في أرض قديمة أرهقت العبرانيين وأذاقتهم الأمرّين وقذفت بفلول كثيرة منهم في عرض البحر لأنهم جاؤوا إليها غُزاة معتدين على أرض كنعانية كما تشهد بذلك نصوصٌ كثيرة من التوراة كما في أسفار “القضاة” و”يشوع” و”الملوك” وغيرها.
يحتفظ العبرانيون الغزاة بذكريات سوداء جراء الجحيم الذي تعرضوا له في غزة حينما حاولوا مغالبة أهل الأرض على أرضهم ومزاحمتهم أو زحزحتهم ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا. ومعروفٌ عن الجماعات العبرية حقدها الدفين على الكنعانيين وعلى كل “الغوييم” الذين ينظرون إليهم على أنهم بشر من الدرجة الثانية أو الثالثة وأنهم لا يستحقون الحياة، ولذلك لم يرقبوا فيهم إلًّا ولا ذمة وأمروا بقتلهم من دون استثناء، كبيرهم وصغيرهم، محاربهم والقائم في المحراب، فالكل عندهم شرٌّ يجب التخلص منه وقتله قربة تقرِّبهم من الله زلفى.
من المفيد أن أسوق هنا بعض النصوص من التوراة التي تبين بما لا يدع مجالا للشك بأن ما تقوم به الدولة الصهيونية في غزة هو انتقامٌ عبراني متجدد من أرض أرغمت أنوفهم وكسرت كبرياءهم وكشفت حجم الهوان الذي يسكن نفوسهم. يرِد اسم “غزة” في وثائق مصرية قديمة تعود إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد وسمِّيت “غزة” بهذا الاسم الذي يعني “المدينة القوية” وهي مدينة أسَّسها الكنعانيون وسكنوها وعمروها قبل أن تطأها أقدام العبرانيين، وهذا بشهادة سفر التكوين (10: 19): “وكانت تخوم الكنعاني من صيدون، حينما تجيء نحو جرار إلى غزة، وحينما تجيء نحو سدوم وعمورة وأدكة وصبوئيم إلى لاشع”.
يعترف كتبة التوراة المحرفة -والحق ما شهدت به الأعداء- أن وجود الغزاويين سابق على وجود العبرانيين وهذا يدحض الرواية اليهودية التي تدّعي أن الوجود العبراني واليهودي فيما يسمى “أرض الميعاد” وجودٌ قديم وهو في الحقيقة وجود متأخر، كما أنه لم يكن للعبرانيين مقامٌ مستقر لأنهم كانوا يشكلون عصابات متنقلة تعيش على السطو والنهب، كما أنهم كانوا جماعات منبوذة حيثما حلّوا لُعنوا وطُردوا.
يجب على بنيامين ناتنياهو وقادته الدينيين والعسكريين أن يقرأوا التاريخ، فالأرض التي اغتصبوها أرضٌ كنعانية فلسطينية ليس لهم فيها مفحص قطاة ولا موضع قدم، ومؤرخوهم يشهدون بذلك ومنهم المؤرخ المعاصر “بيني موريس” الذي واجه الصهاينة بالحقيقة الصادمة وهي أنه لا حقّ لهم في فلسطين، وأن هذه الأرض ستعود إلى أهلها، وأن إسرائيل ستهزم نفسها وتوقع شهادة وفاتها لأنها -كما أضاف- تعيش وسط إقليم ملغّم سيهز أركانها في المستقبل القريب وسيضطر اليهودَ إلى الهجرة الثانية؛ هجرة العودة إلى الدول التي هاجروا منها وتنتهي أسطورة اسمها “إسرائيل”.
لماذا يصرُّ بنيامين ناتنياهو واليمين المتطرف في “إسرائيل” على محو غزة من الوجود؟ سؤالٌ نجد جوابه في نصوص التوراة التي يستلهم منها بنيامين ناتنياهو خطته في إبادة سكان غزة وقذفهم في البحر كما صرّح في كثير من المرات منذ بدء عدوانه الغاشم على غزة. ناتنياهو حريصٌ على الانتقام لأجداده العبرانيين الذين حوصروا في رمال غزة. ظلت غزة عصية على الجماعات اليهودية الغازية وظلت خارج سلطتهم، وفي زمن القضاة وقفوا عند مداخلها ولكنهم لم يدخلوها كما نقرأ ذلك في سفر القضاة (6: 4):”وينزلون عليهم ويتلفون غلة الأرض إلى مجيئك إلى غزة، ولا يتركون لإسرائيل قوت الحياة، ولا غنما ولا بقرا ولا حميرا”. هذا ما كان يفعله المديانيون ببني إسرائيل “والحرب خدعة”، ثم يأتي لُكّع بن لُكّع مثل أفيخاي أدرعي لينشر الأضاليل والأباطيل ويحدِّث العالم عن “بطولات إسرائيلية” لا توجد إلا في الأحلام ولا أثر لها في التاريخ.

  المؤرخ المعاصر “بيني موريس” واجه الصهاينة بالحقيقة الصادمة وهي أنه لا حقّ لهم في فلسطين، وأن هذه الأرض ستعود إلى أهلها، وأن إسرائيل ستهزم نفسها وتوقع شهادة وفاتها لأنها -كما أضاف- تعيش وسط إقليم ملغّم سيهز أركانها في المستقبل القريب وسيضطر اليهودَ إلى الهجرة الثانية؛ هجرة العودة إلى الدول التي هاجروا منها وتنتهي أسطورة اسمها “إسرائيل”.

وعلى ذكر “أفيخاي أدرعي” الناطق الإعلامي باسم ما يسمى “الجيش الإسرائيلي” فإنني سأخصص حلقات لفضح هذا الكذّاب الأشِر المتلوِّن الذي استغلّ فصاحته العربية لأنه من البصرة العراقية لكي يضلّل كثيرين مستغلا جهلهم بالتاريخ وجهلهم بالنصوص. هناك حقيقة مؤلمة وهو أن “أفيخاي أدرعي” يؤدي دورا إعلاميا خطيرا ويقدم خدمة كبيرة للجيش الصهيوني وللدولة الصهيونية -من خلال قلب الحقائق وتشويه الوقائع- ودوره الإعلامي يفوق للأسف دور الإعلام العربي الذي يفتقر إلى نخب حقيقية متخصصة في الدعاية الإعلامية لصالح أصحاب الأرض وأصحاب القضية الذين يُقتلون ويُهجَّرون على مرأى ومسمع كل العالم.
إن العدوان الصهيوني على غزة هذه المرة سيكون أكثر وحشية وتقتيلا وتنكيلا وتدميرا، ويبدو أن ناتنياهو قد اقتنع بأن الحل الجذري لمعضلة المقاومة التي تقضّ مضاجعه وتثير مواجعه هو الهجوم الكاسح الذي يحقق “السلام” الأبدي لإسرائيل، وهو لعمري ضربٌ من أحلام اليقظة التي لن تتحقق له ولا لغيره لأن غزة عصيّة عليه وعلى أمثاله وستبقى غزة وسيُقبر جنوده كما يُقبر البعير ويذهبون إلى الجحيم غير مأسوف عليهم.
ألم يقرأ ن ناتنياهو في التوراة أن “شمشون الجبار” قد وقع في الأسر في غزة وفيها حطم معبد الإله داجون على نفسه وعلى أعدائه، فـسقط البيت على الأقطاب وعلى كل الشعب الذي في البيت، فكان الموتى الذين قتلهم في موته أكثر من الذين قتلهم في حياته” (القضاة 16: 30). هذا ما سيقع في غزة سيُدمَّر الجيشُ الصهيوني من داخله كما يدمَّر بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت، وسينتحر كثيرٌ من جنوده وضباطه، سيُهزم الجمع ويولون الدُّبر.
هذا هو النص الذي يحفّز القادة العسكريين الصهاينة على حرق غزة وإغراقها وقتل أطفالها ونسائها وتهجير من بقي منهم إلى سيناء: “(أرميا 47، 4-5)” بسبب اليوم الآتي لدمار جميع الفلسطينيين، لاستئصال كل باق ينصرهم من صور وصيدون، لأن الربّ يدمّر الفلسطينيين”. هذا هو اليوم الآتي قد حلّ أوانه وهذا هو الدمار الكبير الذي أوصت به التوراة وهو إبادة الفلسطينيين عن بكرة أبيهم سواء كانوا في غزة أو الضفة الغربية أو في الداخل الفلسطيني المحتل أو في الشتات. لا تفرِّق إسرائيل في عدوانها على الفلسطينيين بين أهل غزة وأهل الضفة فكلهم هدفٌ لها، ونفوس اليهود متطلعة للهيمنة الكاملة على الضفة الغربية التي هي “يهودا والسامرة” التي تختزن -كما يقولون- كثيرا من ذكرياتهم التاريخية ولا يمكن التفريط فيها أو التنازل عنها للفلسطينيين وهي أرضٌ مستأجرة ولكنها مستعادة.
حينما أقول إن غزة عصيّة فأنا أعي ما أقول؛ فعند أسوار هذه المدينة توقَّف الزحف المغولي الذي ارتعدت منه فرائص كثير من سكان الأرض في ذلك الزمان، ولا أظن أن ما عجز عنه المغول سيحققه ناتنياهو ولم يبلغ معشار ما بلغوه. بقيت الإشارة إلى أمر مهمّ وهو أن غزة ليست قطاعا معزولا غير ذي أهمية كما يعتقد كثيرون، بل هي ثالثة الأثافي، وتدميرها -في نظر الصهاينة- بداية مهمة لتصفية القضية الفلسطينية، فقد كانت غزة عاصمة لفلسطين في زمن العثمانيين، وهي بوابة مهمة وثغر مهم يجب عدم التفريط فيه، والدفاع عن حياضها دفاع عن حياض الأمة العربية والإسلامية. إن حياة هذه الأمة بحياة هذه المدينة، وقولنا في آخر هذا المقال لأهلها “صبرا آل غزة فإن موعدكم الجنة” و”لا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين” (آل عمران 169).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!