-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مدارس عليا للأساتذة ذات طابع وطني.. أمر بات حتميًا

مدارس عليا للأساتذة ذات طابع وطني.. أمر بات حتميًا

هناك مدارس عليا للأساتذة كثيرة اليوم في البلاد تجاوزت 10 مدارس. ومن تلك المدارس ما فتح أبوابه منذ أزيد من قرن أو نصف قرن، ومنها ما فتحها منذ عقدٍ من الزمن، ومنها ما دُشِّن هذه السنة. وبطبيعة الحال فالتجهيزات والتجربة لدى العاملين، من إداريين وأساتذة، في تلك المؤسسات ليست متعادلة. كما أن نقص التأطير في بعضها يطرح بحدَّة أكثر مما هو عليه الحال في البعض الآخر.

ورغم ذلك، فكل هذه المدارس تعتبر “محلية”، بمعنى أنه لا يُوَجَّه إليها سوى الطلبة الذين كانت مقرَّات مساكنهم قريبة من مقرِّ المدرسة. ونتيجة لهذا الوضع يُحكَم مثلا على تلاميذ متميزين في ولاية ما أن يقصدوا المدرسة القريبة منهم حتى إن كان لها عجزٌ صارخ في التأطير. ومن ثمّ يتم القضاءُ على طموحات الكثير من الشباب الذين كان بالإمكان أن تُعوِّل عليهم الدولة في الإسهام بعد سنوات في دعم مستوى التكوين في ولاياتهم.

وبالموازاة مع ذلك، نجد وزارة التربية تشكو من التكوين الذي مرَّ به من توظفهم من الأساتذة والمعلمين، لاسيما خلال السنوات الأخيرة حيث يأتون من المؤسسات الجامعية بدون زادٍ بيداغوجي كاف يسمح لهم بأداء مهامهم التعليمية حتى لو كانوا نابغين علمياً. هؤلاء الأساتذة منتشرون بأعدادٍ كبيرة اليوم في كل ولايات الوطن، وفي كافة الاختصاصات. ولذا فهم بحاجة ماسّة إلى المرافقة والدعم خلال سنوات عديدة ليتحسّن أداؤهم مرافقةً شبه يومية. نعتقد أن وزارة التربية تعوّل في هذا الباب على عاملين: دور المفتش في المقاطعة التربوية المطالَب بالمتابعة؛ وتأثير الدورات التكوينية المكثفة خلال العطل وأحياناً أثناء السنة الدراسية.

 لا شك أن في العامليْن الاثنين فائدةً للأستاذ الموظَّف حديثاً. لكن وضعنا الحالي الذي لا نُحسد عليه في مؤسساتنا التعليمية يحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير، وفي أقرب الآجال لوقف تدهور الأوضاع. نتصور أن الأستاذ المبتدئ في ثانويةٍ أو متوسطة ما يحتاج إلى مساعدة يومية من زميل له زاد أوفر في الناحيتين العلمية والبيداغوجية.

مثال ذلك: هب أن أستاذا في الرياضيات عليه أن يقدِّم درسا في موضوع معين لم يتمكن من الإلمام به إلماما كافيا، أو أن له تمرينا ينبغي عرض حله على تلاميذ القسم في يوم من الأيام، وإمكانياته لم تسمح له باستيعاب الحل أو باختيار الطريقة المناسبة.. هل يجب عليه انتظار قدوم المفتش أو انعقاد الدورة التكوينية لحل مسألته؟ بطبيعة الحال فالحل الأمثل هو أن يكون في المؤسسة على الأقل أستاذٌ في الرياضيات “متفوق” يتم اللجوء إليه عند الحاجة من قبل زملائه لتوضيح أمور تعليمية من هذا القبيل.

إن أحد أسباب لجوء بعض البلدان إلى فتح الباب لتوظيف أساتذة مبرزين في كافة المواد التي تُدرَّس في التعليم الثانوي مثلا هو البحث عن إيجاد “الأستاذ المرجع” القريب من زملائه التابعين لنفس المؤسسة. ولسوء الحظ لم نحلّ بعد في الجزائر قضية “التبريز”. وحتى المحاولات التي بادر بها بعض المسؤولين في السابق كانت فاشلة من بدايتها لأن الجميع كان ينظر إليها بأنها وسيلة – مثل أيّ وسيلة أخرى – لترقية الأستاذ، ولم يكن الهدف منها التأثير إيجابيا في رفع مستوى التحصيل بتحسين مستوى أداء الأساتذة كلهم عبر الوطن.

لذلك، فمن الإجراءات العاجلة التي يمكن اتخاذها دون إلحاق أي ضرر بفرد أو جماعة أو مؤسسة، ودون تكاليف مادية إضافية لخزينة الدولة، أن تقرر وزارة التعليم العالي اختيار بعض المدارس العليا للأساتذة لتكون مدارسَ ذات طابع وطني، أي أن الدخول إليها يتم للمتفوّق بغض النظر عن مقر سكناه.

نتصور أنه عندما يتم اتخاذ هذا الإجراء فسينتشر، بعد بضع سنوات، خريجو هذه المدارس ذات الطابع الوطني في كل مؤسسات التعليم من المرحلة الابتدائية إلى الثانوية. وسينعكس ذلك إيجابيا على أداء المعلم والأستاذ كما أوضحنا آنفا. ونتصور أن هذه الخطوة – إذا ما توبعت عن كثب – فسوف يسجل مستوى التعليم قفزة مشرِّفة على المستوى الوطني.

يبقى أن نعرف أيّ مدارس يمكن منحها صفة الطابع الوطني؟ نعتقد في المرحلة الأولى أن هناك مدرستين مؤهلتين لذلك في الوقت الراهن، وهما المدرسة العليا للأساتذة ببوزريعة (العلوم الإنسانية) والمدرسة العليا للأساتذة بالقبة (العلوم الدقيقة والعلوم الطبيعية).

لماذا هذا التأهيل؟ لعراقة هاتين المدرستين وللإمكانيات التجهيزية والبشرية المتوفرة فيهما؛ فالأولى ظهرت في القرن التاسع عشر -عام 1865- كمدرسة لتكوين المعلِّمين، ثم صارت مدرسة عليا للأساتذة عام 1984 وتخصَّصت إثر ذلك في تكوين الأساتذة في العلوم الإنسانية. أما الثانية فرأت النور عام 1964، وكانت تشرف في البداية على كافة التخصصات التي تُدرَّس في الثانوي، وبعد ذلك تخصصت منذ منتصف السبعينيات في تكوين أساتذة العلوم الدقيقة والطبيعية بكل فروعها.

نلاحظ أن مدرسة بوزريعة تشرف الآن على تكوين المعلِّمين للمرحلة الابتدائية وأساتذة الطورين المتوسط والثانوي في العلوم الإنسانية. في حين تكوّن مدرسة القبة في المجالات العلمية بما فيها الموسيقى والإعلام الآلي.

  نعتقد أن التجربة التي تمتلكها هاتان المدرستان تجعلهما في المكان المناسب لتولي هذه المهمة الرامية إلى دعم مستوى التعليم في جميع مراحله الثلاث باستقبال أفضل الطلبة من جميع الولايات والتكفل بتكوينهم المتميز. ومن بين المحفزات التي ينبغي التفكير فيها لبلوغ الهدف المنشود، نذكر:

إعادة النظر في مناهجها التعليمية التي مر الآن على تطبيقها في المدارس العليا أزيد من 10 سنوات.

تحسين التكوين البيداغوجي الميداني للخريجين.

العمل على تلقين الطلبة نوعا من الانضباط متعدد الأشكال خلال الدراسة يليق بأستاذ المستقبل ليرسخ في الأذهان وينقل عبر الخريجين إلى الميدان.

العمل على انتقاء أفضل الأساتذة ليتميز التكوين في المؤسستين.

العمل على دعم مخابر البحث العلمي في المؤسستين لأنها الضامنة لبقاء هؤلاء الأساتذة الباحثين والمكوّنين منفتحين على الجديد من المعارف، ويكون الطلبة – الأساتذة أيضا على مقربة من مخابر البحث.

نتمنى أن يجد هذا النداء أذنا صاغية لدى أصحاب القرار.  

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • Mohamed

    من لم يدرس عند سعد الله وعتيق وجبايلي ودربال وجبار وحازي...كأنه شرب شاي بدون سكر لأن هؤلاء كل واحد منهم مدرسة علمية وبيداغوجية في تدريس الرياضيات...أمثال هؤلاء قليلون وعكسهم كثر ...
    تحياتي

  • Mohamed

    السلام عليكم،
    هذا الإقتراح لا يمكن تطبيقه في الجزائر لأن :
    1.حتى المدرسة العليا للاساتذة بالقبة -حسب علمي- بدأت تفرغ شيئا فشيئا من إطاراتها الأكفاء منهم من تقاعد ومنهم من كبر في السن ومنهم من توفي رحمهم الله من خلفهم نسبة كبيرة منهم لهم نفس إن لم نقل أقل مستوى من أساتذة بقية المدارس الأخرى.
    2. ياأستاذ سعد الله أمثالك في هذا البلد قليلون جدا أنا درست عندك وبدون مجاملة لو كنا في بلاد تحترم نفسها لجعلوا محاضراتك في ألبومات يتداولها أساتذة الغد ليتفقهوا في طرق التدريس.

  • التهامي

    اقتراح جيد وقيم لكن نتائجه لاتظهر فبل مرور عشرية أو أكثر

  • سعودي خالد

    شكرا أستاذنا الفاضل على تدخلاتكم القيمة عبر هذه مجلة التي بدون شك، ستساهم في إصلاح و تحسين مستوى التعليم بالجزائر.

  • بدون اسم

    ...لقد استحدثت وزارة التربية و تحت إلحاح النقابات ما يعرف برتبة الأستاذ المكون الذي تسند له مهام مساعدة الجدد بيداغوجيا و ذلك تحت إمرة المفتش الذي يضع رزنامة عمل مضبوطة في إطار التكوين.لكن الثابت أن مرور كل أساتذة الأساسي إلى هذه الرتبة بالأقدمية لم يغير من واقع الأمر شيئا .صحيح أنهم استفادوا من تكوين لسنةأوأكثر و نالوا "قسطا" من التعليم المتواصل .لكن هيهات أن تقارن هؤلاء بمتخرج من الجامعة معرفيا و منهجيا.لذلك يجب انتظار تراكم الخبرة واختيار المتفوقين لهذه الرتبة.ربما بعد سنوات.