الرأي

مدرِّبٌ ونفساني

أنهت الجزائر، في عالمها الرياضي المُقتصِر في السنوات الأخيرة على كرة القدم فقط، عُهدة المدرِّب جمال بلماضي، التي تأرجحت بين حقيبتي السعادة والتعاسة، بما فيها وما عليها، من نسمات وعواصف، وبدأ البحث عن خليفة للمدرب، علّه يُخرج المنتخب الوطني من تحت الردم، بعد الذي حدث تواليا من انهيارات هزت أركانه.

وإذا كان تقييم المدربين في الرياضة عموما، وحتى اللاعبين يستلزم استخراج الأرقام المحققة والألقاب، فإنه في حالة بلماضي، لا بد من التطرق إلى الجانب النفسي الذي كبّل المدرِّب السابق، وصدّره للاعبين وجدوا أنفسهم رهينة متابعة ما يقال هنا وهناك، في بعض دكاكين الرداءة، ليس بأسماعهم وإنما بجوارحهم وبردودهم التي جعلت المنتخب الوطني، بلاعبيه وطاقمه الفني وجمهوره المقدَّر بعدد أفراد الشعب الجزائري، يدخلون في دوامة نفسية، انفجرت بما يشبه الهستيريا خلال مباريات كأس أمم إفريقيا، وأثّرت على النتائج التي كانت بدرجة الكارثة. ولو أعاد المنتخب الجزائري من دون مدرِّب مواجهة المنتخبات الثلاثة التي فشل في الفوز عليها مائة مرة، لفاز عليها جميعا.

سأل مرة صحافيٌّ جزائري، ضمن الندوات الصِّحافية الكثيرة المكهربة التي رافقت بلماضي على رأس المنتخب الجزائري، عن السبب الذي يجعله لا يستعين بنفسانيٍّ يتجاوز اللاعبون به بعض العقبات في المباريات المصيرية، فردّ عليه بلماضي بنظرات عابسة وشهقة مضطربة وتلمّسٍ لحاجبيه، في مشهد جعل المشاهد يدرك بأن حالة المنتخب الوطني تحتاج إلى “كونسولتو” من النفسانيين، يشخِّص الحالة ويضع المنتخب بلاعبيه الجيّدين وروحهم الوطنية وبحبِّهم للانتصار، في أحسن وضعية، ليعودوا كما كانوا، وقد حققوا انتصارات على منتخبات مُرتّبة ضمن أوائل العالم.

كان واضحا جبلُ الضغوط التي كانت على رأس بلماضي، من خلال حركاته وملامح وجهه، وكأنه مُقاد إلى حبل المشنقة، وهذه الضغوط التي لاحقته من المنتقدين والتي جعلته يقرأ السيء في أي صحافي، قبل أن يقول الأخير سؤاله، انتقل إلى لاعبيه وحتى إلى الجمهور الجزائري الذي قدّم صورة بائسة، عندما ردّ على اعتذار لاعبه المتخلق عيسى ماندي، بالشتيمة، وهي حالة نفسية ليست أبدا من شِيم الجمهور الجزائري ولا اللاعبين ولا الطواقم الفنية التي قادت المنتخب على مرّ عقود.

لن يحلم أيُّ منتخب في القارة الإفريقية بالإمكانات المادية من طائرة خاصة ومركز للتحضير ومِنح بقيمة عالية يتوفر عليها المنتخب الجزائري، ولن يجدوا جمهورا يلعب إلى جانبهم بالرقم 12 وبغيره من الأرقام، ولن ينعموا بنجوم من أهل الخبرة والشباب كما هو حال المنتخب الجزائري، لأجل ذلك يبدو أن الحاجة ليست إلى مدرب فني فقط، يرسم الخطط ويُفهم اللاعبين ما يجب أن يقوموا به، وإنما إلى نفساني أيضا، يرمّم ما فعلته في أنفسهم زلازلُ الضغوط التي جعلت منتخب الجزائر يتعثر أمام منتخبات بعض لاعبيها كانوا يحلمون بالتقاط صورة مع هذا اللاعب أو ذاك من المنتخب الجزائري.

مقالات ذات صلة