-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

مراجعات

التهامي مجوري
  • 1768
  • 2
مراجعات

لماذا هذه المراجعات؟عندما أتيحت لي فرصة الكتابة في الشروق، تساءلت بيني وبين نفسي، تحت أي عنوان يمكن أن اكتب؟ وما يمكن أن أضيف من جديد إلى هذا الكم الهائل من المقالات التي تنشر في الشروق الورقية وفي الموقع وفي غيرهما من الجرائد والمواقع؟ أم أن كتاباتي سوف تكون تكرارا واجترارا لما يقوله غيري؟

بقي هذا التساؤل معلقا مساهمتي أياما؛ لأني طبعي يأبى التكرار والحشو ولغو القول والكتابة، مع استمرار التفكير فيما يمكن أن أضيفه إلى قراء الشروق في الموقع أو في النسخة الورقية؟ وماذا يحتاج القارئ في هذا الظرف العصيب، الذي تمر به الجزائر والعالم العربي والإسلامي عموما، إلى أن وصلت إلى هذا العنوان وهو “مراجعات”.

لماذا المراجعات؟ وقبل ذلك ما معنى المراجعات؟ وهل هي لازمة من لوازم الوجود البشري ام يمكن الاستغناء عنها؟ وإذا كانت لازمة هل يليق تأخيرها عن موقعها وزمانها؟ وهل هي خيار يختاره الفرد والمجتمع أم أنها أمر يفرض نفسه وإن تجاهله الناس؟ ام هي شيء من هنا وشيء من هناك ومن هنالك؟

وأنا على تلك الحاك أفكر في الموضوع حتى كان هذا المقال الافتتاحي لهذا الركن الذي أتمنى أن يكون إضافة هامة لما ينشر في الشروق اليومي وموقعه الالكتروني مما يحتاج إليه القراء الكرام.

إن المراجعة في أبسط معانيها هي، التقييم والمحاسبة والمراقبة، بحيث يكون عمل العامل في كل موقع من مواقع المجتمع ومؤسساته وساحاته المتعددة، خاضع لرقابة دائمة وتقييم مستمر، حتى يحقق المطلوب للمجتمع، فيعصم من الأخطاء والانحرافات، وعندما يتنكب الناس للمراجعة والمحاسبة والتقييم ويتجاهلون أهمية ذلك، فإن أقل ما يمكن ان يصاب به المجتمع، أنه لا يعرف”رأسه من رجليه” ولا في أي مستوى هو، او قل لا يدري في أي موقع هو..، ومع ذلك يبقى المنبه يقظا في نفوس الناس يتحسس المثل العليا والاشتياق لرؤيتها في الواقع، فتتحرك “المراجعات” كقانون أودعه الله في نفوس الناس، أفكار متناثر واحتجاجات متحركة هنا وهناك، بحثا عن الخلل والزلل وما يخدم الناس ويحقق لهم آمالهم. 

فهل الجزائر ورجالها قاموا بهذه المراجعة بالقدر الكافي، بحيث توصلوا إلى قواسم مشتركة يمكن أن تجمع بينهم في النهوض ببلادهم؟ لا أظن…، وإنما وجد استنساخ لأقوال وأفعال تبدو وكأنها “حسب الطلب”، وهنا تظهر أهمية الإجابة عن لماذا هذه المراجعات وموقعها من منظومة حركة المجتمع ومؤسساته؟

تتمثل أهمية هذه المراجعات التي أزعم أن لي فيها ما يفيد القارئ الكريم فيما يلي:

أولا: أن العالم اليوم ترسم خريطته الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، والذي يرسمها لا هو جزائري ولا عربي ولا مسلم، ومن ثم سوف تكون هذه الخريطة على غير مصالح الجزائريين والعرب والمسلمين، والجزائر باعتبارها جزء من هذا العالم فهي بمراجعة واقعها بأبعاده الأربعة، الاجتماعية والثقافية والسياسية والاجتماعية، هي مطالبة بأن تحين منظوماتها القانونية والتربوية والعلمية، وتحدث مستوى مستوى نظمها، وإذا لم تبادر بذلك فإن “آلة العولمة” جاهزة لاقتحامها، تحت أي عنوان كان، وباسم المجتمع الدولي.. ولا تهم بعد ذلك الشرعية وعدم الشرعية؛ إذ لا يهم عندها “سلخ الشاة بعد ذبحها”.

ثانيا: النظام الجزائري الذي أجمع كل من يملك مثقال ذرة من فهم في السياسة، انه استنفذ صلاحيته؛ بل هو في حكم الميت، وكما قال “شيخ الحركة الوطنية” الأستاذ عبد الحميد مهري رحمه الله، إن النظام الجزائري مات واقفا والناس تظن أنه لا يزال حيا، كما مات سيدنا سليمان عليه السلام متكأ على عصاه، وبقيت الجن تطيعه، ولم يكتشفوا موته إلا عندما كسرت عصاه فسقط.

هذا النظام لم تظهر عليه “شبه جدية مراجعات” خلال عمر الدولة الوطنية -1962/2004-، إلا في فترتين قصيرتين، الأولى سنة 1976 مع مناقشات الميثاق الوطني، والثانية سنة 1988 مع الانفتاح السياسي والإقتصادي، ولكن هاتين التجربتين لم تنموا النمو الطبيعي الذي يمكّْن الجزائر من تشكيل رؤية كاملة تضع كل شيء في نصابه، ومن ثم بدا من هاتين التجربتين أنهما محطتين فرضهما الواقع الإجتماعي والسياسي، ولكن النظام قولبهما فحولهما إلى غاية يريدها هو وفق طبيعة تسييره، فأنتج لنا الميثاق الوطني منظومة اشتراكية فاشلة لم تحقق نصف ما أثارته النقاشات الشعبية، وتعددية مشوهة لا يحق لها أن تخرج عما رسم لها النظام.

ثالثا: استقالة النخبة من مواقعها الطبيعية، الجامعة ومراكز البحث والإعلام، ولا نقصد بالمواقع الوجود الشكلي وإنما الدور الفعال، في الإبداع والبناء والنقد والتقييم…إلخ، وهيمنة الشرعيات الزائفة المترتبة عن استبدال شرعية العلم والفكر والتقنية، بشرعيات التاريخ والجهة والعصبة والمصالح الشخصية.

رابعا: إن عملية المراجعة لا تقل أهمية عن الفعل في ذاته، وكما قال المفكر السوري الدكتور خالص جلبي، إن العلاقة بين النقد والمراجعة والفعل، مبناها على قانون الزوجية الكوني، فمثلما لا ننتظر وليدا بالتقاء زوجين، لا يمكن أن ترى ثمرة ناضجة إلا بالتقاء الفكرة ونقدها.

إن محور الأفكار التي سيحتضنها هذا الركن الذي أردنا له أن يكون بعنوان “مراجعات”، سوف يجتهد لأن يصب في هذا المجرى بعيدا عن الحزبية والعصبية والأعراض الآنية، اجتماعية كانت أو سياسية أو اقتصادية. مساهمة منا في الكشف عن مواطن الخلل التي يعيشها المجتمع الجزائري والعربي والمسلم عموما.

والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل   

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • تابع

    أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ .
    سورة ال عمران اية 24 و25

  • محمد ب

    ذكرني تساؤلك مواجهتي استغراب أساتذة جدد تخرجوا من الجامعة حين طالبتهم بتحضير دروسهم قبل ‏الدخول على تلامذتهم وهم يحملون شهادات تمنحهم القدرة على التصدي لأية مشكلة في مستوى من يتلقون ‏الدروس.فقرروا يكفي أن يطلعوا على عناوين البرامج ليستخرجوا من البحر كنوزه.لكن بعض التلاميذ كانت لهم ‏معلومات تغيب عن كثير من العارفين.فوقع أصحابنا في حرج لم يتعدوه إلا بإعادة النظر في تصوراتهم وخضعوا ‏لتوجيهات من سبقوهم وذلك بالاعتماد على"خريطة الطريق"كما يقال اليوم والتقويم المستمر.مجتمعنا يحتاج إلى ‏مراجعة أحكامه